بازگشت

موقف الإمام (عليه السّلام) من الأمة


اهتم الإمام (عليه السّلام) اهتماماً واسعاً كبيراً بشؤون أمته فاتبع أساليب متنوعة وذلك حسب الظروف والأحوال وحسب الجماعات والأشخاص نذكر من هذه الأساليب:



أ - تفقد شؤون الأمة:



اهتم الإمام بكل ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية في حياتها المعنوية كما في حياتها المادية. فكان (عليه السّلام) يتفقد شؤون الفقراء والمساكين لأنه كان يحبهم ويشفق عليهم فيجالسهم ويستمع إلي مشاكلهم... وكان يخرج ليلاً يحمل علي ظهره الغذاء والطعام والطحين وكل ما تحتاج إليه العائلة، وقد غطي وجهه لئلا يعرفه أحد، فيطرق باب المساكين باباً باباً ويعطيهم رزق الله... وقد ترك هذا العمل آثاراً علي ظهره، اكتشف بعد وفاته حين غسلوه وكفنوه (عليه السّلام). فكان الإمام بهذا العمل يعيش الهاجس الروحي مع الأمة ويستشعر المسؤولية الكبري تجاهها إذعاناً منه لحديث جده رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): (من أصبح ولم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم)... وعن عمر بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلي آثار سود في ظهره فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يجمل جُرُبَ الدقيق ليلاً علي ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة)(1).



وعن شبيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين (عليه السّلام) يُقوِّت مائة أهل بيت بالمدينة، وكانوا يعيشون ولا يدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون بالليل...



ب - مواجهة المشبهة والملحدين:



وكما تصدي الإمام (عليه السّلام) للانحراف الأخلاق لدي الأمة الإسلامية تصدي أيضاً للانحراف العقائدي والفكري الذي طرأ علي فكر بعض قطاعات الأمة من فئات خبيثة منحرفة عن الخط الإسلامي السليم. كان (عليه السّلام) يقاوم هذا الانحراف بكل ما يملك من جهود حتي وصل به الحد إلي الارتياع من هذه الانحرافات في الفكر والعقيدة. فنراه (عليه السّلام) في مسجد رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم إذ سمع قوماً يشبهون الله بخلقه ففزع لذلك وارتاع، ونهض حتي أتي قبر رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فوقف عنده ورفع صوته يناجي ربه ومما قاله في مناجاته:



(إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة جلالك فجهلوك وقدَّروك بالتقدير علي غير ما أتت به شبِّهوك، وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك إلهي ولم يدركوك فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك وفي خلقك يا إلهي مندوحة عن أن يناولوك بل سوَّوك بخلقك فمن



ثمَّ لم يعرفوك. واتخذوا بعض آياتك رباً فبذلك وصفوك فتعاليت ياآلهي عمّا به المشبهون نعتوك)(2).



لقد حارب الإمام زين العابدين المشبهة والملحدين بالدعاء، هذا الأسلوب الذي هو الصفة المميزة له في تلك الظروف هو أسلوب غير مباشر(3)، وهو المفضل والمؤثر أكثر في التبليغ وقد استعمله النبي إبراهيم الخليل (عليه السّلام) في تذكير قومه بانحرافهم عن عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فعبدوا الشمس والقمر والنجوم التي سرعان ما تزول وتأفل:



(فلما جنّ عليه الليل رأي كوكباً قال: هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الافلين، فلما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) [سورة الأنعام: الآية 76-80].



ج - التربية والتثقيف:



اتخذ الإمام السجاد جانب الموعظة والإرشاد ركناً أساسياً في مسيرته الحياتية في تبليغ الأمة الإسلامية، فنراه تارة يلقي الخطب والمواعظ بصورة عامة، وتارة أخري نجده يخصص جلسات خاصة ومواعيد ثابتة لأصحابه يوجههم ويؤهلهم ويربيهم لتحمل الأمانة، والتكليف الشرعي، والتزام المسؤولية الاجتماعية، فكان له موعد مع أصحابه في كل يوم جمعة يوعظهم ويذكرهم ويبلغهم ما هم عليه قادمون، وما هم عنه مسؤولون. وقد استخدم الإمام (عليه السّلام) أسلوب الدعاء استخداماً ناجحاً في تربية الأمة وتوجيهها الوجهات الصحيحة في الأخلاق والاجتماع والسياسة والدين، وسوف نعرض في فصل لاحق أثر الدعاء في تربية الأمة وتثقيفها.



د- تحديد العلاقة مع أهل البيت (عليهم السّلام):



اختلف الناس في حبهم وفي بغضهم لأهل البيت (عليهم السّلام) فبعضهم أبغضهم حتي عدهم من الخوارج، والبعض الآخر أحبهم حتي ألههم، وقد تعرض أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) لمثل هذه الحالات، فكان يخطب بين الجموع التي تجتمع تحت منبره وتسمع ما يقول: أشهد أنك أنت الله، وفي الطرف الآخر من يقول: لله درّك كاذباً)(4).



ويروي أنه مر بجماعة كانوا يأكلون في شهر رمضان، فسألهم أعن سفر أم مرض؟ وحذرهم من النار. فأجابوه: أندخل النار وأنت وأنت، فنزل عن دابته وسجد وقال: أنا عبد من عبيد الله... وقد شاهد الإمام زين العابدين (عليه السّلام) فئة من شيعته قد أوغلوا في حبهم حتي أخرجهم عن الصراط السوي وعن خط الإسلام السليم. فتحول الحب لأهل البيت (عليهم السّلام) إلي غلو ثم تأليه وبالتالي إضفاء صفات عليهم ما أنزل الله بها من سلطان. فما كان من الإمام إلا أن يقاومهم بحزم ويجابههم بكل ما يملك من أساليب، فأفهمهم وأرشدهم بأن عملهم هذا هو انحراف عن الإسلام وبعيد كل البعد عن خط أهل البيت (عليهم السّلام)، خط الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله وسلّم) حب فيه عيب عليهم ومنقصة لهم.



روي ابن شهاب الزهري قال: حدثنا علي بن الحسين (عليه السّلام) وكان أفضل هاشمي أدركناه، قال: (أحبونا حب الإسلام، فما زال حبكم لنا حتي صار شيناً علينا)(5). أي أحبونا حباً يكون موافقاً لقانون الإسلام ولا يخرجكم عنه، ولا زال حبكم لنا حتي أفرطتم وقلتم فينا ما لا نرضي به، فصرتم شيناً وعيباً علينا، حيث يعيبوننا الناس بما تنسبون إلينا.



وفي رواية أخري (عن علي بن الحسين (عليه السّلام) قال: يا معشر أهل العراق، يا معشر أهل الكوفة، أحبونا حب الإسلام ولا ترفعونا فوق حقنا)(6). فكلام الإمام واضح تمام الوضوح في الطلب من الشيعة أن يحبوا أهل البيت (عليهم السّلام) حب الإسلام بحيث لا يخرجهم هذا الحب عن إطار الإسلام، وعن صورة الإيمان، وحدود الشريعة الإسلامية ومن يخرج عن هذه الحدود فقد خرج بطبيعة الحال عن الإسلام.

پاورقي

1 - الإرشاد للمفيد، ج2، ص153.



2 - الإرشاد للمفيد، ج2، ص153.



3 - أسلوب نعبر عنه (إيَّاك أعني واسمعي يا جارة).



4 - دراسات في نهج البلاغة للشيخ محمد مهدي شمس الدين.



5 - بحار الأنوار، ج46، ص73، عن إرشاد المفيد، ص271.



6 - حلية الأولياء، ج3، ص137.