بازگشت

رمز السياسة


غرّدْ علي فَنَن من الخضراءِ فالعيشُ عيش الروضة الغنّاءِ



غرّد علي نادي الهوي تغريدةً دارت عليها اكؤُس الندماءِ



لا نايَ في الدنيا كصدح عنادل طربت وسجع حمامة ورقاءِ



غرّد أمالكَ في الرياض وحسنها من حاجة ياملهم الشعراءِ



ما بين حقل زاهر معشوشب وخميلة تحيا بكل هناءِ



والوردِ بعد الوردِ مبتسماً الي شجر كمثل القامةِ الهيفاءِ



او لم تكن بجمالها ونسيمها جعلتك رَبَّ تلاوة وغناءِ



فاسْدِ لها اللحن الطروبَ فانها يا حبي اولي الخلقِ بالاسداءِ



لو كنت في الجرداء(315) ما اطربتنا هيهات من طرب علي الجرداءِ



وفِّ لها ما اسطعت بعض حقوقها ان الوفاء طبيعةُ الشرفاءِ



وأصدق لها المدحَ البديع محبةً لجمالها الاسمي وبعض ثناءِ



واري المديح الفذ ماقد هاجه ربع الهوي او كان محضَ جزاءِ



* * *



لا تذهبنَّ مشرقاً ومغرباً بهواك متبّعا خطي الاجراءِ



وقف الهوي في ربعه وهم الاُلي من آل بيت المصطفي الامناءِ



اعلام دين الله موضع سرّه ومهابط التنزيل والايحاءِ



لا ليسَ يهواهم سوي كبد ذوي بمحبة الحكماء والعلماءِ



* * *



هذي العقيدةُ افصحت عن سرها في خير افصاح وخير اداءِ



هتفت: بان المسلمين منابتٌ شتي فبين الهدي والاهواءِ



وهداتهم شتي فهم في سلَّم يمتدّ بين الارض والجوزاءِ



فإذا عليُّ ابنُ الحسين متوجٌ فوق الانام وساحة الشهداءِ



خيرُ الانام فتيً تعلق بالهدي كتعلق الابناء بالاباءِ



خيرُ الانام فتيً يذوبُ محبةً لله ذوبَ الظلِّ في الصحراءِ



خيرُ الانام فتيً يصدُّ عن الهوي الـ ـمردي صدود الخصم عن خصماءِ



خيرُ الانام من اصطفاهُ محمدٌ لامامة حنفية عصماءِ



* * *



الصالحون هم الذين سَمَوا بنا للمكرماتِ وللهدي الوضّاءِ



وعليُّ زينُ العابدين سمابهم فوق العلاءِ وفوق كل سماءِ



كشّاف ادواء الانام بعلمه والعلم للانسان خير دواءِ



قطاّع اعناقِ اللئام بجوده والجودُ مخزاةٌ علي اللؤماءِ



مقحامُ اودية النفوس بنظرة كبرت عن التبجيل والاطراءِ



فتراهُ يكنفها ويسبرُ عمقها والسبْرُ يدني القاصي المتنائي



حتي يريكَ صحيحها وسقيمها ليس السماعُ كمثلِ عين الرائي



فكأنما الرحمان اشهده علي خلق النفوسِ برؤيةِ وجلاءِ



ومشمّر يسعي بغير هوادة لا تعتريه سآمةُ الاعياءِ



بين العبادة لا يُنال اقلّها يسعي وبين معارف سمحاءِ



ويجدُّ نحو سياسة قد رفرفت بالفوزِ بين الصحبِ والاعداءِ



وله ـ إذا ما الليلُ اطبق ـ ساعةٌ تحنو لشدِّ سواعدِ الفقراءِ



ولربّما اسودّت صحيفةُ ظهره من طولِ حملِ الماءِ للضعفاءِ(316)



ورسائل للظالمين يصدهم فيها عن النزواتِ والفحشاءِ



ورسائلٌ للاصفياء تفجرت القاً من التبصير واللالاءِ



الليل يسبحُ والنهارُ وانه لاشدُّ في سبح وفي اجراءِ



يسعي وان الدين والدنيا معاً يتقدمان بهمةِ السعّاءِ(317)



اذكي الحياة بفكرهِ وعلومه واقام بالاذكاء خير لواءِ



واري الحياةَ جواهراً ومظاهراً ابداً تدينُ لجذوةِ الاذكاءِ



* * *



ولربَّ يوم لا يقاسُ بمجدهِ قرنٌ من الامجاد والعلياءِ



واتي عليُ بنُ الحسين ملبيا لله قربَ الكعبةِ الغرّاءِ



فتذاوبت عنه الجموع وهالهم قمرٌ يشق مهابط الظلماءِ



فكأنه بطلُ الجيوش تفرقت عنه الكتائبُ فهي مثلُ هباءِ



أسرَ القلوبَ محبةً عذريةً قدسيةَ الاظهار والابداءِ



ومهابةً تحكي مهابةَ حيدر ذاك الفتي في الساحة الحمراءِ



والقلبُ ـ انيّ كان ـ عبدُ محبّة أو عبدُ خوف قاتل ورجاءِ



ورأوا به القرآن جُسّد شاخصا هدياً ومعرفةً وحسنَ رواءِ



ورأوا به الزهراءَ بنت محمد في البهجةِ القمريةِ الزهراءِ



ورأوا به من كربلاءَ سموّها أو وقعَها في النفس والاحشاءِ



وأتي هشامٌ(318) لاهثاً أو باحثاً عن موطئ الاقدام في الترباءِ



قد ظلّ فيهم حائراً متردّداً متأخراً كالنعجة الشلاّءِ



وانحاز يسأل عن مصير بائس للاشقياء وعزة السعداءِ



أهشام مَن هذا؟ فقال كأنه متجاهل دعني وعمقَ عزائي



لا لستُ أعلم من يكون وانه بعض الرجال فخلّني ورثائي



فإذا بسرّ الله يصرخ هاتفاً يُعلي شموخ العزة القعساءِ



نفثاً كنفث السمر غير مدافع برؤي الفرزدق في أتمِّ نداءِ



هذا الذي البطحاء تعرف قدرَه هذا عليٌّ سيدُ البطحاءِ



البيتُ بيتُ الله يدرك سرَّه والحِلُّ والتحريم دون مراءِ(319)



إنْ كنتَ تجهله فليس بضائر جهل الحضيض بقمّة شماءِ



* * *



قد عذّبوه بتهمة شوكيّة وأُقيمَ بين سواتر دكناءِ



أوَذلكم زين العباد وشمسُهم قد صوّروه بريشة سوداءِ



ورموه جهلاً بالسياسة وهو لا ينفكُ نبعَ الساسةِ الكبراءِ



كان السياسةَ مخبراً وسجيّةً لكنما الجهلاء في إغواءِ



ان السياسةَ ـ لو علمتَ ـ طبيعة في النفس لانبأٌ من الانباءِ



وإذا تكانفت السياسةَ شهرةٌ حسني فمثل الضوع في الاشذاءِ



كم بين مشهور بزورِ دعاية يوماً ومشهور بلا اصداءِ



* * *



وصفوهُ بالصمت الغريب وما لهم علم بما للصمت من أدواءِ



الصمت ظلم للحقيقة إنّها بالقول نعرفها بدون غشاءِ



والصمت ظلم النفس لم تطبع علي صمت كمثل حجارة صماءِ



قد كان يصمت عن مقام مابه للقول من دار ومن إيواءِ



ويبثُّ حكمته وينشر علمه كالشمس مشرقة علي الغبراءِ



ويسلُّ رأياً مشرفياً صارماً يوم الجدال وملتقي الخطباءِ



وله النصائح كالضحي طلاّعة ما بين أرجاء الي أرجاءِ



وبمسجد للمصطفي كم خطبة تسبي النهي بفصاحة وبهاءِ



وبأرض كوفان مقام لم يزل مرعي البيان ومطمح البلغاءِ



وعلي دمشقَ ملامح من روعة تغني طلاب الحسن اي غَناءِ



* * *



وصفوهُ بالتقوي وليس بمتِّق تقوي الذليل وخشعة الاُسراءِ



كان التقي بجِدّه وكفاحه وبروحه الاخّاذة(320) المعطاءِ



كان التقي ولم يخف من ظالم أنيّ تخاف مساعر الهيجاءِ



كان التقي وكم له من خطَّة في الاجتماع سليمة عذراءِ



كان التقي تقي النبي محمَّد لا منحني الاُجراء والدُّخلاءِ



* * *



وصفوهُ بالزهد العجيب وما دروا للزهد من أصل ومن أنحاءِ



الزهد زهد النفس في شهواتها لا بالثياب وجرّة من ماءِ



وبساحة التأريخ كم من زاهد بالثوب مسراع إلي الغوغاءِ



وبساحة التأريخ كم من زاهد بالزاد معروف الضّلال مرائي



وبساحة التأريخ كم من زاهد بالدّار منكبٍّ علي الاخطاءِ



وبساحة التأريخ كم من زاهد بمطارح البيضاء والصفراءِ(321)



متقدّم نحو الرئاسة لم يكن من أهلها كتقدّم الفضلاءِ



الزهد زهد أخي العقيدة والهدي زين العباد الساجد البَكّاءِ



الخاشع الاوّاب كنز مباهج الـ ـحكماء والزُهّاد والبُرَآءِ



* * *



وصفوهُ بالعرفان وصفاً قاتماً مستوبل الالوان والافياءِ



يا صاح ما العرفان إلاّ شعلة وهّاجة في أنفس الحكماءِ



نور ومعرفة بقلب موحِّد يُحيي الظّلام بأدمع وطفاءِ



يا صاح ما العرفان إلاّ ألسن ثريت بذكر الله أيّ ثراءِ



يا صاح ما العرفان إلاّ أكبد قد أسكرتها خمرة الاسراءِ(322)



يا صاح ما العرفان إلاّ مهجة ذابت من الاشواق والبرحاءِ



إن رمت للعرفان رمزاً وارفاً فعليُّ رمز محافل العرفاءِ



* * *



وصفوهُ بالدَّعّاء لكن ما الذي يجري وراء الوصف بالدَّعاءِ



أخيالُ شعر أم ملاعب فتية أم بعض اُنس الغادة الحسناءِ



قد كان دعّاءً إذا نشر الدُجي أستارَهُ في الليلة الليلاءِ



وتراه دعّاءً إذا الصبح انبري متبختراً بالصفحةِ البيضاءِ



إِنَّ الدعاءَ وسيلةٌ روحيةٌ تبني صروحَ النفسِ ايّ بناءِ



وهو الدعاء إذا تشاء سياسة صكّت وجوه الظلم والنكراءِ



سيل من اللعنات تسكبها لظيً من فوق هام القادة اللُؤماءِ



وفضائح تفري الوجوه وإن أبت أن تنحني للفري كلّ إباءِ



ولكم به من خطة معهودة بالفوز والانجاح والارواءِ



ولكم به إيحاءة مرّت علي سمع الطغاة كصعقة حَذّاءِ(323)



لا يبلغ التصريحُ غايات له إلاْ وتبلغها يد الايماءِ



* * *



وصفوه بالبَرّ الحنون وانما قصدوا معانيَ مُوِّهت بغطاءِ



فيض من الرّفق الشفيف يزينه نبل الشعور ورقّة الرحماءِ



قد حنَّ للعاني(324) الضعيف وزاره برفيف أخلاق وعطر إخاءِ



والدّمع يسكبه كمثل لئالئ رفقاً وتحناناً علي البؤساءِ



وله العواطف ساميات تلتقي والنفس نفس تلطّف وصفاءِ



وإذا يلاقي الظالمين فإنّه كالصُلْب أو كقساوة البيداءِ



كم قولة كالصخر شجَّت أوجهاً سوداء بل كالفيلق الشهباءِ



وخطابة كالارجوان أعدَّها لقراع جور دونما اغضاءِ



وسياسة لانت فخلتُ كأنّها ترف الغني أو بهجة السرّاءِ



حتي إذا اشتدّت حسبتُ صوارماً هنديّة صُبَّت علي اللُّقطاءِ



وعلي دمشقة(325) من زئير سياسة زينيّة(326) ماحزَّ بالهُجَناءِ



* * *



رجل السياسة لم تزل من همِّه حتي أعدَّ مراجل الاِبقاءِ



جيلاً يردّ بصدره وبنحره ضربات كف حكومة عسراءِ



تبْغي له الزّيغ الحقير وإنّه يبغي لها صوراً من الافناءِ



حتي أضرّت فيه وهو مكافح ما أخمدتهُ صواعق الشحناءِ



وأشدّ أبطال الكفاح مصابر للحرب لم يهزم لطول عناءِ



وتظلّ توخزه أسنّة بطشها بسياسة كالصعدةِ السمراءِ



ويظلُّ يطعنها بخطّ سياسة زينيّة معدومة النُظراءِ



كلٌّ بصاحبه يروم إطاحة والخلد لا يعنو لغير فدائي



فإذا بذاك الجيل يخلق مثله وإذا الحكومة ريشة بهواءِ



* * *



وهدي السياسة لم يزل قرآنها الـ مَتْلُوَّ في الاصباح والامساءِ



يتلو صحيفتها وتتلو صُحفه الـ غرّاء، والجُهّال في إغفاءِ



ما رامَها إلا وأقبل جندها متجاوباً مستسلم الاعضاءِ



رجل السياسة والعقيدة لم يجد بوناً وردَّ مقالة السفهاءِ



إنَّ السياسة بعض دين محمّد فتأَخّروا يا معشر الجهلاءِ(327)

پاورقي

(315) الجرداء: الارض الجرداء.



(316) يذكر التاريخ ان زين العابدين(عليه السلام) كان يحمل الماء للضعفاء من جيرانه.



(317) السعاء: الكثير الجد والسعي.



(318) هشام بن عبد الملك بن مروان وكان آنذاك ولي العهد.



(319) مراء: جدال، اي ان الحلال والحرام يدرك سر الامام زين العابدين بدون جدال.



(320) الاخاذة: التي تأخذ القلوب بروعتها وجمالها.



(321) أي الفضة والذهب.



(322) بمعني الاسراء الي الله تبارك وتعالي والتوجه الكامل نحوه.



(323) حذّاء: سريعة.



(324) العاني: الاسير.



(325) دمشقة: لغة في دمشق.



(326) زينيّة: نسبة للامام زين العابدين(عليه السلام).



(327) القصيدة للمؤلف عفا الله عنه.