بازگشت

محاولة للاستنتاج


من المعروف ـ تاريخاً ـ ان الامام زين العابدين(عليه السلام)، لم يشترك في قتال اهل المدينة، ضد جيش يزيد بن معاوية، بل خرج من المدينة الي ينبع، وإن كان له ادوار ايجابية خارج حدود القتال، فما هو السبب في عدم اشتراكه في القتال؟



في الواقع، اننا لم يردنا نص تحليلي في ذلك سواء عن الامام زين العابدين(عليه السلام)، او عن غيره من ائمة اهل البيت(عليهم السلام).



اذاً ليس امامنا من تحليل او تعليل الا ذلك الذي سنحاول استنتاجه من الزاوية العقلية والرؤية السياسية والتاريخية فحسب.



قد يمتنع الانسان عن الاشتراك في القتال لسبب او اكثر من الاسباب التالية:



أ ـ عدم الايمان بعدالة القضية: لقد مرَّ في اصل البحث ان هل المدينة انما ثاروا علي يزيد لما رأوا من ظلمه، وشربه الخمر، وقتله للامام الحسين بن علي(عليهما السلام)، اي ان ثورتهم تهدف الي قمع الضلالة والاستبداد، والي الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر.



اذاً فليس من شك او ريب، في عدالة قضيتهم، ولكن عدالة القضية ليست الشرط الوحيد، فان النهوض بالثورة يستند الي مستلزمات كثيرة، وليس عدالة القضية الا واحدة منها، وليس هذا الامر طبقاً للنظرية السياسية والعسكرية للاسلام فحسب، بل طبق للنظريات الوضعية أيضاً. وهو ايضاً اعتبار عقلائي، متسالم عليه.



اننا نري كثيراً من الطبقات الاجتماعية المضطهدة، والحركات السياسية لا تلهب مراجل الثورة، علي الرغم من ايمانها الخاص بعدالة قضيتها وما ذاك الا لفقدانها لبعض الشرائط الاساسية الاُخري.



ولا ريب في ان الامام زين العابدين سلام الله عليه يشارك اهل المدينة الرؤية والتقييم للنظام الحاكم، ولشخص يزيد بن معاوية لان ذلك من المسلّمات عند اقل الناس وعياً سياسياً، وادراكاً روحياً. وما اسلامية النظام الحاكم الاّ مسرحية هزلية، سيئة جداً في النص والاخراج والتمثيل. ولكننا قد علمنا. ان عدالة القضية ليست الشرط الوحيد للثورة.



ب ـ ضعف الشجاعة: ولا يمكن باي حال من الاحوال ان يطبق هذا الامر علي مثل الامام زين العابدين(عليه السلام) فانه كان حاضر الاستعداد للحرب والمواجهة، ثابت القلب، مقداماً شجاعاً، ولقد حاول القتال في كربلاء علي الرغم من شدة المرض، او انه قاتل بالفعل حتي ارتث كما في بعض الاخبار. وغير ذلك من المواقف التي تغني عن التفصيل(258).



ج ـ فقدان الاستطاعة البدنية : وهذه القضية لا تنطبق ايضاً علي الامام زين العابدين(عليه السلام) فانه قد كان يتمتع بصحة بدنية فائقة. ولقد كان في موروثه البدني عن الامام الحسين والامام علي بن ابي طالب(عليهما السلام)، اضافة الي جشوبة عيشه، ما يجعله في مصاف الندرة من الاقوياء.



د ـ عدم الاعتقاد بجدوي الحرب : وهنا بيت القصيد فان النظرة الي مجمل اوضاع ثورة اهل المدينة تنبؤاً لا تنبئ بمستقبل مفلح وزاهر من حيث القدرة علي الانتصار.



يكفيك انهم اطلقوا سراح اسرائهم، من بني امية وغيرهم، وهم الف رجل قبل المواجهة، وقبل احراز النصر ابدا. مما حدا ببعض الاسراء ان يكشف الاسرار العسكرية للثائرين. لقد اكتفي اهل المدينة من هؤلاء الاسري ان احلفوهم ان لا يكشفوا اسرارهم، مع العلم ان بعض الاسري ممن لا يمكن ان يوثق به، ومن هو معروف بالخواء الروحي، والاحباط العقائدي.



ويكفيك انهم لم ينسّقوا مع الاطراف الاخري المعنية بالثورة علي النظام الحاكم، في العراق، وفي الحجاز.



ويكفيك ان ثورة اهل المدينة لم تستمر اكثر من يوم واحد، حتي قمعت.



قال عيسي بن طلحة: قلت لعبد الله بن مطيع : كيف نجوت يوم الحرة، وقد رأيت ما رأيت من غلبة اهل الشام؟



فقال عبدالله: كنا نقول : لو اقاموا شهراً ما قتلوا منا شيئاً، فلما صنع بنا ما صنع، وأدخلهم علينا، وولي الناس ذكرت قول الحارث بن هشام:



وعلمت اني ان اقاتل واحداً أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي



فانكشفت فتواريت، ثم لحقت بابن الزبير بعد، فكنت اعجب كل العجب ان ابن الزبير لم يصلوا اليه ثلاثة اشهر، وقد اخذوا عليه بالمضايق، ونصبوا المنجنيق، وفعلوا به الافاعيل، ولم يكن مع ابن الزبير احد يقاتل له حفاظاً، إلا نفير يسير، وقوم آخرون من الخوارج.



وكان معنا يوم الحرة الفا رجل كلهم ذو حفاظ، فما استطعنا ان نحبسهم يوماً الي الليل(259).



وقد لا تكون بحاجة ماسة الي مزيد من التحليل والاستدلال علي ان مستقبل الثورة كان لا يبشر بخير، فان الاخفاق في الثورة، سريعاً يكفي عن المزيد من التحليل.

پاورقي





(258) راجع موضوع المستلزمات القيادية من هذا الكتاب، النقطة الرابعة «الشجاعة».



(259) الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 / ص 146 ـ 147.