بازگشت

لقطـات من ثورة اهل المدينة


ظل الامام زين العابدين(عليه السلام) في المدينة يندب أباه، واهل بيته، واصحابه المجزرين كالاضاحي، ويبكيهم اشد البكاء وأحرقه، ويثير السخط الشعبي، علي الظلمة المستبدين، اعداء اهل البيت النبوي الكريم.



ولقد كان هذا الاسلوب وغيره من الاساليب التي اختطّها دوراً فاعلاً في ثورة اهل المدينة، فانها كانت من بعض الجهات رشحاً من فيض دموعه، وناراً من نار تأليبه وحثّه وسخطه علي الطواغيت.



وفي المدينة غالبية الانصار والكثير من اهل التقوي والصلاح الذين يثير حفيظتهم قتل انسان بريء لمجرد براءته فكيف بالحال وقد قُتل الصفوة من آل الله.



ومما زاد المشكلة السياسية والروحية تفاقماً، والغضب اتقاداً، ان والي المدينة قد ارسل وفداً من اهلها الي يزيد بن معاوية، وهو وإن كان قد اكرمهم، إلاّ انهم قد رأوا من سلوكه كل ما يشين ويقبح. ولما رجعوا الي المدينة اظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويضرب بالطنابير، وتعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحرّاب ـ وهم اللصوص ـ . وانّا نشهدكم انّا قد خلعناه(254).



لقد كان ارسال الوفد تكتيكاً من اجل استمالتهم واغرائهم، وتقريب نظراتهم السياسية من نظرات الحكم القائم.



إذ فرض عليهم واقع يزيد، وسلوكه الملوث بعداً عن السلطة القائمة، وغضباً علي الخليفةِ الجديد.



وعندما خلعوه قام عبدالله بن حنظلة فقال: جئتكم من عند رجل لو لم اجد الاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم، وقد اعطاني واكرمني وما قبلت عطاءه إلا لاتقوي به فخلعه الناس، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل علي خلع يزيد وولّوه عليهم(255).



ولقد كانت تقع امثال تلك المنكرات في خلافة معاوية فلا نكاد نري مَن يقول ما قاله ابن الغسيل: لو لم اجد الا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم، والظاهر ان العلة في هذه الروح النضالية والاندفاع الجهادي، كانت صديً لموقف الامام الحسين(عليه السلام)حيث جاهد القيادة الوضعية، واعلن الحرب المسلحة ضدها، مع قلة انصاره، وكثرة مناوئيه. فلم يدع بذلك حجة لسواه في عدم مجابهة الطغيان بسبب قلة الانصار، او خشية الانفراد في المجابهة.



ولم تكن كلمات الوفد ونقده الدليل الوحيد عند اهل المدينة علي انحراف يزيد وتنكّره للاسلام وجوره وطغيانه، بل قد رأوا بأم اعينهم كما قد رأي الاخرون جور يزيد وعماله علي البلدان وما ظهر من فسقه وعمّهم من ظلمه، وما عُلم من قتله ابن بنت رسول الله، وانصاره، وما اظهر من شربه الخمور وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون اعدل منه في رعيته، وانصف منه لخاصته وعامته(256).



فاخرج اهل المدينة عامل يزيد عليها وحصروا بني امية واتباعهم فكلم مروان بن الحكم وهو العدو اللدود لال الرسول عليّ بن الحسين(عليه السلام) ان يضم عياله اليه فاستجاب الامام لذلك لكرمه(عليه السلام) وطيب سجاياه وصدق اخلاقه الاسلامية.



وقد نفعه الموقف هذا فيما بعد اذ ابعد من التحليلات السياسية المطروحة آنذاك من قبل الامويين ان يكون قد مدّ أصابعه لتحريك اهل المدينة ثورياً، أو انه القي الوقود في طريق الثورة لتزداد تأججاً واشتعالاً.

پاورقي





(254) ابن الاثير، الكامل في التأريخ 4 / 103.



(255) ابن الاثير، الكامل في التاريخ 4 / 103.



(256) المسعودي، مروج الذهب 3 / 68 ـ 69.