بازگشت

حزن والتياع


وقبل أن نغادر الحديث عن الاوضاع المأساوية وانشطة الامام زين العابدين(عليه السلام)في الشام نودّ أن نؤكد إضافة الي ما مرَّ في سياق الحديث ونشير الي عمق النوائب التي واجهها الامام علي زين العابدين وأهل بيت الحسين(عليهم السلام)وهم في الطريق الي الشام، وفي الشام نفسه حتي ان الامام زين العابدين(عليه السلام)كان يتحدث عنها بكل حزن والتياع حتي ذكرت له مقاطع شعرية كان يقولها وهويتنقل في كهوف المظالم والمحن من كهف الي كهف، فمن ذلك المقطوعة التي أولها:



أقاد ذليلاً في دمشق كأنني من الزنج عبد غاب عنه نصير



والقطعة التي أولها:



ساد العلوج فما ترضي بذا العرب وصار يقدم رأس الاُمة الذنب



والقطعة التي أولها:



هذا الزمان فما تفني عجائبه عن الكرام ولا تفني مصائبه



ولقد سأله ابنه الامام محمد الباقر صلوات الله عليه عن حمل يزيد له فقال: حملني علي بعير يظلع بغير وطاء، ورأس أبي الحسين(عليه السلام) علي علم، ونسوتنا خلفي علي بغال غير مؤكفة، والفارضة «الجلاوزة» خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قُرع رأسه بالرمح، حتي اذا دخلنا دمشق صاح صائح : يا أهل الشام هؤلاء سبايا اهل البيت الملعون.



وأخيراً قال يزيد لعلي بن الحسين(عليه السلام): اذكر ما حاجاتك الثلاث التي وعدتك بقضائهن، فقال له: الاُولي أن تريني وجه سيدي ومولاي أبي الحسين(عليه السلام)فأتزود منه. والثانية أن تردّ علينا ما اُخذ منا، والثالثة ان كنت عزمت علي قتلي أن توجه مع «هذه» «هؤلاء» النسوة من يردّهن الي حرم جدّهن(صلي الله عليه وآله وسلم).



فقال أمّا وجه ابيك فلا تراه أبداً، وأما ما اُخذ منكم فأنا اعوضكم عليه أضعاف قيمته، فقال : أما مالك فلا نريده، وهو موفَّر عليك وانما طلبت ما اُخذ منا لان فيه مغزل فاطمة بنت محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) ومقنعتها وقلادتها وقميصها. فأمر بردِّ ذلك وزاد فيه من عنده مئتي دينار، فأخذها الامام زين العابدين(عليه السلام) وفرّقها في الفقراء.



ولمّا اعتقد يزيد بانتهاء مهمته في جلب أبناء النبوة الي دمشق سيَّر القافلة الي المدينة، وأمر برعايتهم في الطريق، فتحرك الموكب الربّاني. موكب العقيدة والفداء حتي إذا كانوا ببعض الطريق رغبوا الي المسؤول المعين علي حراستهم من قبل يزيد أن ينطلق بهم الي كربلاء، فاستجاب لهم، وهناك حيث وصلوها ألفوا الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة الامام الحسين(عليه السلام)، فارتفعت الاصوات بالبكاء والعويل، وتجسدت لهم مرة اخري وقائع كربلاء حيث مقتل الصفوة من رجال الله.



واتجه الموكب بعد ذلك الي مدينة الرسول تصطحبه الهيبة والجلال، والحزن العميق والدموع الساخنة، والقلوب المفعمة بالوجد والاسي، حتي اذا أوشك الموكب علي الوصول، وشارف مدينة الرسول التفت الامام زين العابدين(عليه السلام) الي بشر ابن حذلم فقال له: يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر علي شيء منه؟ فقال: بلي يابن رسول الله اني شاعر، فقال(عليه السلام): ادخل المدينة وانع أبا عبد الله(عليه السلام). فعندئذ أمره الامام أن يدخل المدينة ويلقي بيان قتل الحسين(عليه السلام) بصياغة شعرية. فينظم بشر بيتين من الشعر، وما إن دخل في المدينة وبلغ مسجد النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)حيث العمق الاستراتيجي حتي صاح صيحة المستغيث، ونادي نداء الثائر، ليحرك الجماهير ويُلهب المشاعر :



يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قُتل الحسين فأدمعي مدرار



الجسم منه بكربلاء مضرج والرأس منه علي القناة يدار



فاجتمع الناس ـ وهم من كل حدب ينسلون ـ وأذهلهم النداء، وعم البكاء، واضطرب الناس حتي اهتزت ارجاء المدينة وهم يستزيدون بشراً من التعرّف علي هذه المصيبة الهائلة وهو ينبئهم بمجمل الاحداث، ويدلّهم علي وصول موكب السبايا حيث نزل الامام علي بن الحسين(عليه السلام) في أطراف المدينة وحطّ رحله هنالك، وضرب فسطاطه، وانزل نساءه. فسار الناس أفواجاً أفواجاً الي الموكب.