بازگشت

حوار مع الجبّار


وفي الكوفة أدخل الامام زين العابدين(عليه السلام) ومن معه علي بن زياد و كان فظاً، غليظ الطبع، جباراً، سفاكاً للدماء. قال المؤرخ القدير أحمد بن أعثم: فالتفت ابن زياد الي علي بن الحسين(رضي الله عنه) قال: أو لم يقتل علي بن الحسين؟



قال: ذاك أخي وكان اكبر مني فقتلتموه. وان له مطلاً منكم يوم القيامة.



فقال ابن زياد: ولكن الله قتله.



فقال علي بن الحسين(رضي الله عنه) (الله يتوفيّ الانفس حين موتها)(240).



«وهنا يقول ابن زياد لبعض جلسائه»: خذه إليك الان فاضرب عنقه. قال فتعلقت به عمته زينب بنت علي وقالت له: يابن زياد انك لم تبق منا أحداً فان كنت عزمت علي قتله فاقتلني معه.



فقال علي بن الحسين لعمته: اسكتي حتي اكلِّمه. ثم أقبل علي(عليه السلام) علي ابن زياد فقال: أبالقتل تهددني؟! أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.



قال: فسكت ابن زياد ثم قال: أخرجوهم عني(241).



نعتقد ان ابن زياد ما استشاط غضباً لرد الامام علي بن الحسين(عليهما السلام)بجرأة كما استشاط غضباً لعدم قدرته علي الجواب المُصيب، وخلو تفكيره من الرد الكفوء.



لم تكن ثورة الامام الحسين(عليه السلام) وليدة مقطع زمني تنتهي بانتهائه، بل إِن لها من مبررات الوجود ما يجعلها خالدة في الخوالد.



لقد اختزنت ثورة الامام الحسين(عليه السلام) مفردات تنظيرية كثيرة سياسية وثورية وروحية قلّما تتوفر في ثورة اخري من الثورات علي مر التأريخ.



ثورة الحسين(عليه السلام) ثورة ضاربة في اعماق الحضارة الاسلامية والتاريخ والضمير الانساني والامة الاسلامية.



إن التاريخ لا يمكن أن تتخلي صفحاته عن الاحرف المضيئة لدور الامام الحسين(عليه السلام) الرسالي، إلاّ إذا تخلت الشمس عن دفيق ضوئها.



كيف ينفصل الضمير الانساني عن وحي ثورة الحسين الاّ اذا انفصل القلب عن نبضاته.



ويعتقد الامام علي زين العابدين بالحسين بن علي(عليهم السلام) اماماً هادياً، وبملحمة الطف قضية عادلة اعتقاداً يقينياً خالصا من كل شوب. فيشارك في الثورة إبّانها، ويدخل بعقليته الجبارة، وتفكيره الحكيم، وجرأته السامية، وروحه الكبيرة، وكل شيء في كيانه في سياق امتداداتها البعيدة مساهماً ايما مساهمة في الخطط التنموية لها.



لم تكن الجهود السياسية والثورية التي بذلها الامام زين العابدين(عليه السلام)دعماً لثورة كربلاء سواء في العراق او الشام او الحجاز جهوداً عائمة منفصلة عن مجمل التنظير الكامل للثورة.



لقد اراد الامام زين العابدين(عليه السلام) ان ينقل آليات التحرك الثوري والوعي الرسالي الناهض من كربلاء الي الكوفة ومن ثم الي الشام والمدينة المنورة. مع العلم ان العراق والشام والحجاز وقتئذ تعتبر اكبر مراكز الثقل السياسي في العالم الاسلامي.



ولئن كان الامام زين العابدين(عليه السلام) مجبراً علي التنقل من كربلاء الي المدينة المنورة ضمن هذه المسيرة بأمر من السلطة الحاكمة ـ ما عدا المدينة المنورة ـ فإنه استطاع ان يقول كلمته ويعلن أحقية الامام الحسين(عليه السلام) وتهافت اعدائه علي الرغم من الاجواء الخانقة والاستبداد السياسي، وشدة التوتر في العلاقات بين الحاكم والمحكوم. ونزداد اعجاباً واكباراً لدوره الخطير اذا علمنا بمرضه الشديد في تلك الفترة.

پاورقي





(240) الزمر / الاية 42.



(241) بن اعثم : الفتوح 5 / 228 ـ 229.