بازگشت

ازدواجية العواطف


لقد كان الامام زين العابدين(عليه السلام) حراً كريماً مستقيماً صادق التعامل، لذا يعجب من الازدواجية في الشخصية عند هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح علي الامام الحسين(عليه السلام)، وهو يعبر عن تعجبه من هذا الامر الغريب اللافت للنظر: الا ان هؤلاء يبكون وينوحون من اجلنا فمن قتلنا؟!



لقد استنكر الامام زين العابدين(عليه السلام) البكاء الكذوب في الوقت الذي كانت تسح من عينيه الدموع الساخنة حزناً وحرقة قلب علي مصائب آل الرسول.



وكان ضمن منهجه في استمرارية ثورة الامام الحسين(عليه السلام) ان يحرض الناس علي البكاء ويدعوهم اليه ولكنه البكاء الصادق المعبر عن الحب الخالص، والتأثر العميق. فعن ابي جعفر(عليه السلام) (محمد الباقر) قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام) يقول: ايما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي(عليه السلام) دمعة حتي تسيل علي خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها احقاباً. وايما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خده فينا لاذيً مسّنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوّأ صدق. وايما مؤمن مسه اذيً فينا فدمعت عيناه حتي تسيل علي خده من فضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الاذي، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار(237).



ويبدو أن البكاء والنحيب، الذين أظهرهما الناس في الكوفة لم يكونا أمرين عاديين كما ذكر، فقد روي أن الناس ضجوا بالبكاء والنوح، ونشرت النساء شعورهن، ووضعن التراب علي رؤوسهن، وخمشن وجوههن، وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، فلم ير باكية وباك اكثر من ذلك اليوم.



ولا بد أن يكون هذا ندماً علي ما وقع منهم بحق الامام الحسين(عليه السلام)فانهم كانوا بين قاتل جريء علي الله، وخاذل جري علي النكث، إلاّ قليلاً منهم.



ثم ان الامام زين العابدين(عليه السلام) أومأ الي الناس أن اسكتوا، فقام قائماً فحمد الله واثني عليه، وذكر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) ثم صلي عليه، ثم قال: ايها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فانا اُعرّفه بنفسي. أنا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب(عليهم السلام)، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله. اَنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا تراث. أنا ابن من قُتل صبراً وكفي بذلك فخراً.



ايها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون انكم كتبتم الي أبي وخدعتموه وأعطيتموه من انفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه فتباً لما قدّمتم لانفسكم وسوءة لرأيكم. بأية عين تنظرون الي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) إذ يقول لكم : قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من امتي.



قال الرواي : فارتفعت الاصوات من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون.



فقال(عليه السلام): رحم الله امرأً قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله واهل بيته، فانّ لنا في رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) اسوة حسنة. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك. ولا راغبين عنك، فمُرنا بأمرك يرحمك الله، فانّا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد لعنه الله ونبرأ ممن ظلمك.



فقال(عليه السلام): ايها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات انفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم الي آبائي من قبل، كلا ورب الراقصات(238) فان الجرح لمّا يندمل، قُتل أبي صلوات الله عليه بالامس، وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وثكل أبي، وبَني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري، ومسألتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا، ثم قال:



لاغرو إن قتل الحسين فشيخه قد كان خيراً من حسين وأكرما



فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصيب حسين كان ذلك أعظما



قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أرداه نار جهنما



ثم قال: رضينا منكم رأساً برأس، فلا يوم لنا ولا يوم علينا(239).

پاورقي





(237) ابن قولويه، الفقيه جعفر بن محمد (ت 367 هـ)، كامل الزيارات، الباب 32، الحديث 1.



(238) الراقصات: الابل لانها في مشيها كأنها ترقص، وهذا القسم موجود في الجاهليه وصدر الاسلام والعصر الاموي والعباسي كذلك. قال قيس بن سعد بن عبادة: =



= والراقصات بكل اشعث اغبر خوص العيون تحثها الركبانُ



ما ابن المخلَّدِ ناسياً اسيافنا فيمن نحاربه ولا النعمانُ



(239) ابن نما: جعفر بن محمد الحلي ـ مثير الاحزان / ص 41، والمجلسي : بحار الانوار 45 / ص 113.