بازگشت

صلاة الدم


إن هذا النص وثيقة تأريخية تشهد أنَّ الامام الحسين(عليه السلام) كان عارفاً بشهادته وأن ليس من أهداف ثورته أن تطال يده الحكم لاسباب موضوعية وان كان أهلاً للحكم وفوق الاهل.



أقدم الامام الحسين(عليه السلام) علي الشهادة لان الاُمة والاوضاع السياسية، ودين جده محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) كانت بحاجة إلي ذلك الدم الطهور.



لقد جاء الامام الحسين(عليه السلام) الي العراق ليصلي صلاة الدم في محراب العشق الالهي المقدس.



ومما يؤكد النص المتقدم ما كتبه الامام الحسين(عليه السلام) الي محمد بن الحنفية(عليه السلام)خاصة، والي بني هاشم عامة:



بسم الله الرحمن الرحيم



من الحسين بن علي الي محمد بن علي، ومن قِبله من بني هاشم، أمّا بعد :



فانَّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نعم، يذهب بعض الفلاسفة، السياسيين، الي أن ما جاء من أحاديث الرسول محمد والامام علي صلوات الله عليهما حول قتل الامام الحسين(عليه السلام)مما يصلح الاستدلال علي أنَّ الامام الحسين(عليه السلام) كان عالماً بشهادته مجردة عن القيادة السياسية للبلاد.



قلتُ: ولكننا لا نستطيع الاعتقاد بالرؤية المذكورة، لقد كان الامام الحسين(عليه السلام)عالماً بشهادته، ولكنه هل يعني هذا شهادته بعد أن يحكم فترة ما وتنقاد له البلاد أَم شهادته دون أن يجري في الساحة السياسية شيء من هذا القبيل. الاحاديث لا تتطرق الي ذلك. وان كان الامام الحسين(عليه السلام) عالماً بشهادته دون الوصول الي حكم الدولة عن طريق أدلة اخري.



ولتوضيح الفكرة نقول علي سبيل المثال: قد أخبر الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) بمقتل عليِّ(عليه السلام). كما انَّ علياً كان يُخبر عن قتله. ولقد وقع هذا الامر فعلاً ولكنه(عليه السلام) قد استشهد بعد أن اَصبح حاكماً وانقادت له أزِّمة الامور.



وثمة أدلة اخري علي ما تقدم، منها ان الحسين لما خرج من مكة متوجهاً الي العراق وبلغ ذات عِرق، لقيه رجل من بني اَسد يُقال له بشر بن غالب.



فقال له الحسين: ممن الرجل؟



قال: من بني اَسد.



قال: فمن أين اقبلت؟



قال: من العراق.



قال: فكيف خلّفت اَهل العراق؟



فقال: يابن رسول الله خلفت القلوب معك، والسيوف مع بني اُمية.



فقال له الحسين: صدقت يا اَخا بني اَسد. ان الله تبارك وتعالي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.



وأثناء مسيرة الحسين لقيه الفرزدق الشاعر المعروف في منزل الصفاح، فقال الفرزدق يخبر عن اوضاع اهل العراق: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُمية. بيد أن صدر الحسين كان مليئاً بالعزم الثابت والتصميم الاكيد متوجهاً بالشوق الي الله، مصرّاً علي تفجير عبوات الثورة.



ثم سار حتي نزل بطن العقبة فلقيه رجل من العرب فقال له : انشدك لما انصرفت، فوالله ما تقدم اِلاّ علي الاسنّة وحدّ السيوف. ان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفَوك مؤونة القتال، ووطأوا لك الاشياء فقدمت عليهم لكان ذلك رأياً، فأما علي هذه الحال التي تُذكر فلا اَري أن تفعل.



فقال: انه لا يخفي عليّ ما ذكرت ولكن الله عزوجل لا يُغلب علي أمره. ثم ارتحل منها.



وهذا الخبر وغيره يعني اهمية النظر الي فلسفة الثورة الحسينية لا من الوجهة السياسية فحسب بل ان هناك امراً في غاية الاهمية وراء واقع التحليلات السياسية، وهو أن الحسين قد كان اطلع ـ عن طريق ما ـ علي المشيئة الالهية في ضرورة الثورة، ثورة الاسلام المتجدد علي الجاهلية المتجددة.