بازگشت

توقيت الثورة


لقد كانت خطة الحسين في توقيت الثورة في عهد يزيد خطة سديدة موفقة. فلو قدر له القيام بالثورة في عهد معاوية بدلاً من عهد يزيد لما حصلت الثورة علي النتائج الايجابية التي اقتطفت ثمارها في المدي القريب والبعيد، والتي اينع بها الاسلام، واثمرت الوعي الديني، والهبت الكفاح المسلح ضد سلاطين الجور، بعد ثورته مباشرة، وبعدها بشكل غير مباشر، كثورة اهل المدينة، وثورة التوابين، وثورة المختار، وثورة زيد بن علي زين العابدين(عليهما السلام)، وغيرها.



فلو ثار في عهد معاوية لاستطاع الاخير بمكره وميكافيلية اساليبه ان يصادر قسطاً كبيراً من جوانب الثورة. يساعده علي ذلك التظاهر بالورع والصلاح امام الجماهير، وحكمه في ارض الشام وهي منطقة واسعة من ارجاء العالم الاسلامي زمناً طويلاً، حتي انه كان الوالي علي دمشق منذ سنة «18» للهجرة.



كما اَن معاوية يستطيع ان يصادر قسطاً من جوانب الثورة لان الحسين قد بايعه بالخلافة حين اضطر اليها إبّان الصلح بين الامام الحسن(عليه السلام)ومعاوية ـ في ظروف قاهرة ـ فيعلن معاوية للجماهير أن الحسين ناكث للعهد، مخالف للميثاق فهو اذن صاحب هويً وخيانة، لا صاحب قضية عادلة.



ولا نعتقد أن الامام الحسين بن علي(عليهم السلام) يحذر من نقض الاتفاق، لان معاوية قد نقض كل الاتفاقية. وهذا غير خفي علي كل مَن راجع بنود الاتفاق مقارناً لها مع السيرة السياسية لمعاوية ومنهجه في الحكم. ويتلخص ذلك في ما قاله التابعي العظيم الحضين بن المنذر الرقاشي: والله ما وفي معاوية للحسن بشيء مما اعطاه قتل حجراً واصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن.



ان الطرف المقابل اذا لم يلتزم ببنود الاتفاقية فلا يتعين علي الطرف الاخر الالتزام بها، بل يبين كتاب الله الموقف السياسي والعسكري من الطائفة التي تظهر عليها بوادر النكث ونقض الميثاق فيقول: (واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم علي سواء).



ولكن الظاهر ان الامام الحسين(عليه السلام) كان يحذر من استغلال معاوية للميثاق بما انتهج من خداع وتزوير، ولامتلاكه مختلف الوسائل الاعلامية. كما ان ميقات الثورة لم يحن بعد.



اما يزيد بن معاوية فلم يكن بينه وبين الامام الحسين(عليه السلام) ميثاق وليس في عنق الامام الحسين(عليه السلام) بيعة له.



كما لم يكن ليزيد دهاء ابيه وكانت فيه خفة، وجهل بمتطلبات السياسة، ومستلزمات كسب الجماهير، وتطلعات الامة.



لا يداري الناس.



ومداراة الناس نصف العقل(232).



لا يوسع صدره للامة.



وآلة الرئاسة سعة الصدر(233).



وسواء اكانت الثورة في خلافة معاوية أو في خلافة يزيد فانها وفي تلك الصورة مقدر لها الاخفاق عسكرياً بيد ان الثورة في عهد الغلام النزق لا يمكن ان تصادر ولا بعض ثمراتها.



ولا يمكن اعتبار رفض الامام الحسين(عليه السلام) لبيعة يزيد منحصراً بالانفة، واباء الضيم، أو أن الحسين(عليه السلام) من قبيل هاشم، ويزيد من قبيل أميّة، وبين القبيلين عداء تقليدي مستحكم كما عليه بعض الكتاب.



لقد رفع الحسين شعاراً ارجوانياً معبراً عن اهدافه السياسية، وابعاده الثورية في اكثر من مناسبة وموقف فمن ذلك قوله: الا ترون الي الحق لا يعمل به، وإلي الباطل لا يتناهي عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فاني لا أري الموت الاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.



وأما الاختلاف ما بين الحسين ويزيد فهو وانْ كان عميقاً وبعيد الاثر، ولكنه ليس اختلافاً بسبب مآرب شخصية، أو تسابقاً في الاروقة السياسية.



ولكن النظرة التقييمية التي كان يحملها الحسين(عليه السلام) ليزيد مبتناة علي ما ينطوي عليه سلوك يزيد ابتعاداً حقيقياً عن قواعد الاسلام، وموازينه الصحيحة في الفرد المسلم، وسقوط همة، وتلاعباً بمقدرات الامة. وأن الشرائط الموضوعية التي يقررها الاسلام اسساً لا محيص عنها للقيادة الاسلامية، مثل العدالة وهي الاستقامة علي الطريق اللاحب، ومثل العلم وغير ذلك، غير متوفرة في شخصية يزيد بن معاوية. ولا أدل علي ذلك من ان اضبارة سلوكه وشخصيته، ومنحنيات نفسيته، اضبارة سوداء فاحمة بعيدة الجذور، معروفة في حياة ابيه.



ولقد كان معاوية عارفاً بتهافت شخصية يزيد وان قام بمحاولة تمويهها واضفاء طوابع ايجابية عليها بما لا يخفي علي ذي عينين، ولكنه قد اوضح من حيث يعلم أو لا يعلم أن في الامة من هم اولي بالخلافة من يزيد، واجدر بالقيادة الاسلامية. لذلك ضرب مثلاً بتولية رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) عمرو بن العاص اميراً مقدماً له علي ابي بكر وعمر ومن دونهما من الصحابة وقد رد عليه الامام الحسين(عليه السلام) بأن لعمرو بن العاص فضيلة بصحبة رسول الله وبيعته له وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتي أنف القوم إمرته، وكرهوا تقديمه، وعدوا عليه افعاله، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري.. فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل رسول الله في اوكد الاحكام.



ان مجرد تمثل يزيد بإمرة عمرو بن العاص ليدل علي ان معاوية كان عارفاً بتقدم غيره عليه. ولقد قام معاوية بأكثر من طريقة لتعيين يزيد خليفة من بعده، ومن بينها الطريقة التي اومأنا اليها.



فكان ردّ الامام الحسين(عليه السلام) عليه ردّاً حاسماً، يضع النقاط علي الحروف، ويبين المسؤولية الشرعية، والموقف الصحيح من القيادة يقول(عليه السلام): وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد. تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً، او تنعت غائباً، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه فخذ ليزيد فيما اخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبّق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقي الله من وزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جَور، وحنقاً في ظلم حتي ملات السقية وما بينك وبين الموت الاغمضة، فتقدم علي عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين مناص.



ولما كان معاوية ينظر الي منصة الحكم علي انها ملك عضوض، وأنها افراز يتمخض عن المكر والغلبة والسياسة الميكافيلية، لذا يصر علي موقف من ولاية العهد.



ويدلهم ليل معاوية ويُنقل الي مثواه الاخير، فاذا يزيد ضمن السياسة المفروضة هو الخليفة. فما اسرع أن كتب (كما في حوادث سنة 60 من تاريخ الطبري) في صحيفة الي الوليد بن عتبة: اما بعد فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة اخذاً شديداً ليست فيه رخصة.



ويدعو امير المدينة الوليد بن عتبة الامام الحسين(عليه السلام) الي بيعة يزيد، وفي محاولة ذكية وجريئة يتخلص منه الامام الحسين(عليه السلام). ويزمع علي الرحيل من المدينة ذات الضغوط السياسية الشديدة عليه الي حيث مكة المكرمة.



ينطلق الموكب المقدس، موكب الامام الحسين(عليه السلام) واهل بيته الا قليلاً منهم. ينطلق الموكب وفيه علي زين العابدين ـ ولم يكن آنذاك مريضاً ـ وفيه ايضاً العباس بن علي(عليهما السلام). ويشرع في الطريق العام المكشوف. ويشير مسلم بن عقيل رضوان الله عليهما علي الامام الحسين(عليه السلام)بترك الطريق والتوجه في طريق فرعي كما صنع ابن الزبير فيأبي الامام الحسين(عليه السلام).



الي أن استقر بعض الاستقرار في مكة المكرمة حيث اللقاء الايجابي فيها مع مختلف القادمين اليها من شتي اَرجاء العالم الاسلامي، ولكن دوائر النظام كانت تتربص به الدوائر وكانت عملية اغتياله عملية متوقعة، فقد أصدرت الاوامر الرسمية بقتل الامام الحسين(عليه السلام) ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.



ويحذر الامام الحسين(عليه السلام) كل الحذر من القتل في مكة لا إشفاقاً من الشهادة التي كانت حبيبة إليه وكان حبيباً اليها، ولكن إشفاقاً من اَن تُستحل بقتله حرمة الكعبة وقداسة مكة المكرمة.



وفي هذا الظرف الحسّاس، والجو السياسي الخانق، تتواتر الرسائل من العراق قادة وأفراداً تمنّيه النصر، وتُعلن له الطاعة، والانقياد، بما في ذلك رسائل الذين يعرفهم عن كثب بالولاء والاخلاص، من امثال حبيب بن مظاهر الاسدي، وسليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري، ورفاعه بن شداد البجلي. ولقد كان هؤلاءِ من اعلام اصحاب ابيه الامام علي(عليه السلام).

پاورقي





(232) من حكم الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام).



(233) المصدر السابق.