بازگشت

علي دفّة الحوار


ولنا حوار مع الاستاذ الكاتب ينصب علي هذه الجهات:



الجهة الاولي: اعتقد انه من غير الصحيح أو الدقيق ان يُعبّر عن معارضة الشيعة للحكم القائم مثل الحكم الاموي أو العباسي انشقاقا، لان المفهوم السياسي للانشقاق في التنظيم السياسي للدولة ان تنشق جماعة كانت تعد جزءاً من الدولة، وعضواً من اعضائها عنها. ومثال ذلك انشقاق الضحاك بن قيس الفهري صاحب وقعة مرج راهط سنة خمس وستين عن الدولة الاموية، ومثل انشقاق يزيد بن المهلب بن ابي صفرة عنها أيضاً سنة احدي ومئة واثنتين ومئة وهكذا. وكان هذان الرجلان يعدّان منها في الصميم بل من كبار قادتها وعظمائها.



اما الشيعة فان التاريخ السياسي يؤكد ـ وبشكل صريح وواضح ـ انها لا تؤمن بالحكم القائم سواء الاموي أو العباسي، ولا تضفي عليه الشرعية ولا تعتبره اسلامياً ومن ثم فهي ليست جزءاً من التنظيم السياسي للدولة.



الجهة الثانية: لقد تأثر المسلمون عامة من الشيعة ومن غيرهم بالقرآن الكريم، واخذت مداليله السياسية والفكرية وحتي تعابيره تشيع فيما بينهم علي اصعدة متفاوتة. ومن هنا نريد ان نقول: ان مادة الامامة والخلافة في مدلولهما السياسي وباللفظ المذكور ـ وبغض النظر عن المداليل الاخري ـ قد وردا عدة مرات، وقد اشرنا الي قسم منها. ومن ذلك قوله تعالي: (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق)، وقوله تعالي: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض).



وهكذا ما ورد عن الرسول محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) من الروايات التي تتضمن كلمة خليفة أو امام. إذاً أصل التأثر وأصل التكوين للّفظتين قرآنيّ ونبوي، والقرآن الكريم ونبوة محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) للمسلمين جميعاً. لا فرق فيهما بين طائفة وطائفة.



الجهة الثالثة: يري المؤلف الفاضل ان النظريات السياسية للشيعة قد نشأت من معارضتهم للحكم القائم، اي انها مجرد انعكاس للواقع السياسي أو ردّ فعل له.



وهذا امر غريب، وبعيد عن الموضوعية وذلك لان قوي المعارضة الشيعية ـ حسب وثائق التاريخ السياسي ـ انما تبلورت وانتظمت وانبثقت بسبب افكار الشيعة ونظريتهم حول الحكم والحاكمين. ففي عقيدتهم ان الحكم الذي لا يستند الي الاصول الاسلامية في العدالة، واصلاح البلاد، ورعاية الامة... الخ وان الحاكمين الذين لا يتوفرون علي الشرائط الموضوعية في الاهليه القيادية تجوز أو تجب معارضتهم ورفع السلاح بوجه الحكم والحاكمين بهذه الصورة.



ولو رجعنا الي تاريخ اوائل اعلام الشيعة امثال عمار بن ياسر وقيس بن سعد وحجر بن عدي الكندي وسليمان بن صرد ورفاعة بن شداد البجلي والمسيب بن نجبة الفزاري وعبدالله بن عوف الاحمر وحبيب بن مظاهر وغيرهم لوجدنا مواقفهم المعارضة للحكم القائم انما تنبثق وتنطلق من آرائهم حول الحكم والحاكم وليس العكس، وذلك قبل ان يخلق الله تعالي علي بن اسماعيل أو هشام بن الحكم.



ولقد دقّ الامام الشهيد الحسين بن علي(عليهما السلام) اسفين الثورة، وقاد المعارضة الارجوانية معللاً الثورة والمعارضة بقوله: «ألا ترون الي الحق لا يعمل به والي الباطل لا يتناهي عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فاني لا أري الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما».