بازگشت

روافد الشجاعة


تتأتي الشجاعة غالباً من الاسس التالية :



أ ـ الايمان بالقضية التي يقدم الانسان من اجلها.



ب ـ السخط علي الوضع المعاش الذي يمارَس ضدّه، وعلي السياسة الحاكمة.



جـ ـ قوة الاحتمال.



د ـ الوراثة.



هـ ـ البيئة الجغرافية.



و ـ الوسط الاجتماعي.



اما عن الاساس الاول فإن ايمان اهل البيت بالقضية العادلة التي يضحّون في سبيلها يفوق حدّ التصور و ما احق ان يكون قول علي(عليه السلام) تمثيلاً حقيقياً لهذا الايمان «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» ومن يكن هكذا ايمانه فاي شيء يروعه، او يقف حاجزاً دون بلوغ امانيه وتطلعاته.



وعمار بن ياسر «تلميذ اهل البيت» ينادي : والله لو ضاربونا حتي ابلغونا سعفات هجر(156) لعلمنا اَنا علي الحق وهم علي الباطل.



فما ظنك بأهل البيت وايمانهم، ووضوح الرؤية لديهم، وانكشاف الحقائق عندهم. يقول الامام علي(عليه السلام): «والله لو لقيتهم وهم طلاع الارض ما باليت و لا استوحشت».



وقال(عليه السلام): «ومن العجب بعثهم اليَّ ان ابرز للطعان، وان اصبر للجلاد. هبلتهم الهَبول. لقد كنت وما اهدد بالحرب، ولا ارّهب بالضرب، واني لعلي يقين من ربي، وغير شبهة من ديني»(157).



واما عن الاساس الثاني فانه ينصرف انصرافاً كليّاً الي عدم الرضا مما يغضب الربّ عزوجلّ، والرفض المطلق لما يشين الاسلام، ويحط من قداسة الروح الدينية، ويسرق من اَلق العدالة. يقول الامام الشهيد الحسين بن علي(عليهم السلام): «الا ترون الي الحق لا يُعمل به، والي الباطل لا يتناهي عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً فاني لا اري الموت الاّ سعادة، والحياة مع الظالمين الاّ برما».



واما عن قوة الاحتمال والصبر علي الشدائد فغير بعيد عنك قول علي(عليه السلام)كما في نهج البلاغة: «وانا من رسول الله كالصنو من الصنو، والذراع من العضد. والله لو اجتمعت العرب علي قتالي لما وليت عنها، ولو امكنت الفرص من رقابها لسارعت اليها».



ومما يدل علي قوة احتمال الامام زين العابدين(عليه السلام) ما جاء عن الامام احمد بن حنبل من انه(عليه السلام) اُلبسَ درعاً ففضل عنه فاخذ الفضلة بيده ومزقها(158).



وانه(عليه السلام) نقل من الكوفة الي دمشق علي جمل بغير غطاء ولا وطاء مقيد اليدين فلم يشك الماً، ولم يئن أَنةً علي الرغم من طول الطريق ومشقة السفر وعلي الرغم من أنه كان سقيم البدن في تلك الايام.



واما عن الوراثة فلا ريب أن لها الاثر الجليل في شجاعة الانسان، وهي تُسكب في قلوب الابناء من اوعية الاباء والامهات. ويعتقد الكثير من علماء النفس المعاصرين بتناقل الصفات الوراثية السلبية والايجابية من فرد الي فرد ومن جيل الي آخر، ومن هذه الصفات الشجاعة، والادلة التجريبية علي ذلك كثيرة.



ومن هنا يُعلم تهافت نظرية المدرسة السلوكية التي تنفي الصفات الموروثة عن سيكولوجية الانسان. يقول وطسن مؤسس المدرسة السلوكية نافياً كل أثر للوراثة: إئتوني بعشرة اطفال فاني اذا اخذت احدهم علي غير تعيين فسأجعل منه ما شئتم طبيبا او عالماً أو لصاً.



واما عن البيئة الجغرافية فالملاحظ أن ابناء الجبال وسكان الصحاري اشجع في الغالب من ابناء الحاضرة، والسبب الاكبر في ذلك شظف عيشهم وجشوبة حياتهم. والمتربون في الوسط العسكري يمتازون بشجاعتهم في الغالب علي ابناء المدن. واذا كان الامام زين العابدين(عليه السلام) او اهل البيت عامة من سكان المدن فان الزهد العظيم الذي يمتازون به قد جعلهم يعيشون ـ من حيث شظف العيش وجشوبة الحياة ـ كعيش اولئك في الجبال والصحاري.



واما عن الوسط الاجتماعي فالمعروف بين علماء الاجتماع اَنه يلعب دوراً مهما في التأثير علي سلوك الاشخاص سلباً او ايجاباً. وكانت الامة الاسلامية آنذاك امة الشجاعة والاقدام. واذا كانت هنالك روافد غزيرة لشجاعتها واقدامها، فانها اكثر توفراً واغزر مادة، بالنسبة لشجاعة اهل البيت بما فيهم الامام زين العابدين(عليه السلام).



ولقد اظهر اهل البيت من الشجاعة ما تكبر أن تقاس، بشجاعة احد من الناس، حتي كبار المشهورين بها كعتيبة بن الحارث بن شهاب، وعمرو بن معدي كرب، وبسطام بن قيس، وسليمان بن صرد.



وفي شجاعة الرسول اشتهر قول الامام علي(عليه السلام): «كنا اذا اشتد البأس، واحمرت الحدق لذنا برسول الله فما يكون احد منا اقرب الي العدو منه»(159).



وصمم الامام علي بن الحسين(عليهما السلام) ان يخوض حرب كربلاء بالسيف علي مابه من علة شديدة فمنعه الحسين خشية من انقطاع نسل الرسول الاقدس(صلي الله عليه وآله وسلم).



وعندما سيق سبايا آل الرسول الي الشام حاول يزيد بن معاوية معرفة شجاعة الامام علي بن الحسين(عليهما السلام)، وهل احدث قتل ابيه واهل بيته سلام الله عليهم اجمعين ردّ فعل عنده، وخفض من شجاعته، وان كان ابن الحسين(عليه السلام) فقال له هل لك ان تصارع ولدي خالداً؟



ويبادر ابن الحسين(عليه السلام) للاستجابة بدون تردد بشرط ان يسلحه يزيد ويسلح خالداً سلاحاً مثله. وهنا يصرح يزيد بشجاعة ابن الحسين(عليه السلام) ويعلق بقوله: هيهات، هل تلد الحية الاّ الحية(160).



فما كانت محاولة يزيد غير محاورة، لم يخرجها الي حيز التنفيذ، إذ لا يريد لولده الاّ السلامة ولا يروم ان يوقعه بين فكي ليث هصور ذي قوة عالية، وجرأة ظاهرة.



فالامام زين العابدين(عليه السلام) هو ابن الذي قاد الثورة العملاقة في تاريخ الانسانية، والذي جرد سيفه علي رقاب المجرمين ولم يغمده الاّ في صدورهم.



لم يكن جبروت يزيد بن معاوية بالذي يمنع الامام زين العابدين(عليه السلام) من مجابهته بالحق، وان يسقيه الزعاف القاتل من الكلمات العنيفة. ونكتفي بسياق اقصوصة واحدة شاهدة علي ذلك.



دخل علي يزيد وهو متكئ علي منبر السلطة.



يزيد: كيف رأيت يا علي بن الحسين؟



يعني بذلك كيف رأيت الله نصرنا وخذلكم؟



علي بن الحسين: رأيت ما قضاه الله عزوجلّ قبل ان يخلق السماوات والارض.



ويكلم يزيد مستشاريه. فيما يصنع بعلي بن الحسين.



المستشارون: اقتلهُ. لا تتخذ من كلب سوء جروا.



الامام علي بن الحسين(عليه السلام) وهو يخاطب يزيد باسمه لا بالخلافة ليبين عدم شرعيته في الخلافة قائلاً:



يا يزيد لقد اشار عليك هؤلاء بخلاف ما اشار جلساء فرعون عليه حيث شاورهم في موسي وهارون، فانهم قالوا له: اَرجه واَخاه(161)، وقد اشار عليك هؤلاء بقتلنا ولهذا سبب.



يزيد: وما السبب؟



الامام علي بن الحسين(عليهم السلام): ان اولئك كانوا رشدة، وهؤلاء لغير رشد، ولا يقتل الانبياء واولادهم الا اولاد الادعياء.

پاورقي





(156) هجر: مدينة كثيرة النخيل وبكثرة نخيلها يضرب المثل فيقال: كناقل التمر الي هجر.



(157) وردت هذه الخطبة في صور مختلفة ولكنها متقاربة. انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج10 ص3، ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة للشيخ محمد باقر المحمودي ج1 ص300 ط. مؤسسة الاعلمي للمطبوعات. وغيرهما.



(158) محمد علي بن شهرآشوب المازندراني / مناقب ال ابي طالب: ج4 ص142 ـ 143.



(159) يحتاج الكلام المنسوب الي الامام علي(عليه السلام) الي توضيح وتفصيل ليس هنا موضع ذكره.



(160) ويروي ان القصة وقعت مع عمرو بن الحسن السبط، وممن ينسب وقوعها مع الامام زين العابدين(عليه السلام)ابن شهرآشوب محمد بن علي (ت 588)، مناقب آل ابي طالب: 4 / 173.



(161) من قوله تعالي (أَرْجِهْ واخاهُ وارسل في المدائن حاشرين) سورة الاعراف / الاية: 111.