بازگشت

رسالته الي احد كبار العلماء


كفانا الله واياك من الفتن، ورحمك من النار، فقد اصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها ان يرحمك، فقد اثقلتك نعم الله بما اصحَّ من بدنك، واطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه، وفقّهك فيه من دينك، وعرّفك من سنة نبيك محمد صلّي الله عليه وآله فرض لك في كل نعمة انعم بها عليك، وفي كل حجّة احتجّ بها عليك الفرض فما قضي الاّ ابتلي شكرك في ذلك، وابدي فيه فضله عليك فقال: (لئن شكرتم لازيدنّكم ولئن كفرتم انّ عذابي لشديد)(126).



فانظر ايّ رجل تكون غداً اذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف قضيتها. ولا تحسبنّ الله قابلاً منك بالتعذير، وراضياً منك بالتقصير. هيهات هيهات ليس كذلك.. اخذ علي العلماء في كتابه اذ قال: (لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه)(127).



واعلم ان ادني ما كتمت، واخفّ ما احتملت ان آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغيّ، بدنوّك منه حين دنوت، واجابتك له حين دعيت. فما اخوفني ان تبوء باثمك غداً مع الخونة، وان تسأل عما اخذت باعانتك علي ظلم الظلمة. انك اخذت ما ليس لك ممن اعطاك، ودنوت ممن لم يردّ علي احد حقاً، ولم تردّ باطلاً حين ادناك، واحببت من حادّ الله، او ليس بدعائه اياك حين دعاك، جعلوك قطباً اداروا بك مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك الي بلاياهم، وسلّماً الي ضلالتهم، داعياً الي غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك علي العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال اليهم.



فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوي أعوانهم إلا دون ما بلغت من اصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم.



فما اقلّ ما اعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما ايسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا. فانظر لنفسك فانّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً.



فما اخوفني ان تكون كما قال تعالي في كتابه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادني ويقولون سيغفر لنا)(128).



انك لست في دار مقام، انت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. فطوبي لمن كان في الدنيا علي وجل.



يابؤس لمن يموت وتبقي ذنوبه من بعده.



احذر فقد نبئت، وبادر فقد اجّلت.. انّك تعامل من لا يجهل، وانّ الذي يحفظ عليك لا يغفل.. تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد.



ولا تحسب اني اردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني اردت ان ينعش الله ما فات من رأيك، ويردّ اليك ما عزب(129) من دينك. وذكرت قول الله في كتابه : (وذكّر فإن الذكري تنفع المؤمنين)(130).



اغفلت ذكر من مضي من اسنانك واقرانك، وبقيت بعدهم كقرن اعضب. انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، ام هل وقعوا بمثل ما وقعت فيه، ام هل تراهم ذكرت خيراً علموه، وعلمت شيئاً جهلوه، بل حظيت بما حلّ من حالك في صدور العامة، وكلفهم بك، اذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بامرك. ان احللت احلّوا وان حرّمت حرّموا، وليس ذلك عندك، ولكن اظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحبّ الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم.



اما تري ما انت فيه من الجهل والغرّة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم الي ان يبلغوا من العلم ما بلغت، او يدركوا به مثل الذي ادركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدّر قدره، فالله لنا ولك وهو المستعان.



امّا بعد، فاعرض عن كل ما انت فيه حتي تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا، ولا يفتنون فيما رغبوا، فما لبثوا ان لحقوا.



فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنّك، ورسوخ علمك، وحضور اجلك، فكيف الحدث في سنّه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله. انّا للّه وانّا اليه راجعون، علي من المعوّل؟ وعند من المستعتب؟ نشكو الي الله بثّنا، وما نري فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك.



فانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً، وكيف اعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً، وكيف قربك او بعدك ممن امرك ان تكون منه قريبا ذليلاً.



ما لك لا تنتبه من نعستك، ولا تستقيل من عثرتك فتقول: والله ما قمت للّه مقاماً واحداً احييت به ديناً، او امتّ له به باطلا. فهذا شكرك من استحملك؟ ما اخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: (اضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً)(131). استحملك كتابه، واستودعك علمه، فاضعتهما، فنحمد الله الذي عافانا ممّا ابتلاك به. والسلام(132).



رسالته التاريخيّة الي اتباعه:



عن ابي حمزة الثمالي قال : كتب الامام السجّاد(عليه السلام) الي اصحابه :



بسم الله الرحمن الرحيم



كفانا الله وايّاكم كيد الظالمين، وبطش الجبارين أيّها المؤمنون مصيبتكم الطواغيت واتباعهم من اهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون اليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلي حطامها وهشيمها البائد غداً. فاحذروا ما حذّركم الله منها، وازهدوا فيما زهّدكم الله فيه منها، ولا تركنوا الي ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، وبالله ان لكم مما فيها عليها دليلاً من زينتها، وتصرف ايّامها، وتغير انقلابها ومثلاتها(133) وتلاعبها باهلها. انّها لترفع الخميل، وتضع الشريف، وتورد النار اقواماً غداً. ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه.



ان الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة، من مظلمات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان، لتثبّط القلوب عن نيّتها، وتذهلها عن موجود الهدي، ومعرفة اهل الحق، الاّ قليلاً ممن عصم الله. وليس يعرف تصرف ايامها وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها الاّ من عصم الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد، ممّن استعان علي ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتّعض بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافي عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الاخرة، وسعي لها سعيها، وراقب الموت، و شَنَأ الحياة مع القوم الظالمين. فعند ذلك نظر الي ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة النظر، وابصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور الملوك الظلمة.



فقد لعمري استدبرتم من الامور الماضية، في الايام الخالية، من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلّون به علي تجنّب الغواة واهل البدع والبغي والفساد في الارض بغير الحق. فاستعينوا بالله وارجعوا الي طاعته وطاعة من هو اولي بالطاعة من طاعة من اتبع واُطيع.



فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم علي الله، والوقوف بين يديه، وبالله ما صدر عن معصية الله الاّ الي عذابه، وما آثر قوم قط الدنيا علي الاخرة الاّ ساء منقلبهم وساء مصيرهم، وما العز بالله والعمل بطاعته الا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه فحثّه الخوف علي العمل بطاعة الله، وان ارباب العلم واتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له، ورغبوا اليه، وقد قال الله: (انّما يخشي الله من عباده العلماء) فلا تلتمسوا شيئاً ممّا في هذه الدنيا بمعصية الله، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، واغتنموا ايامها، واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله، فان ذلك اقل للتبعة، وادني من العذر، وارجي للنجاة.



فقدموا امر الله وطاعته وطاعة من اوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت، وفتنة زهرة الحياة الدنيا بين يدي امر الله وطاعة أولي الامرِ منكم، واعلموا انكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً وهو موقفكم ومسائلكم فاعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة، والعرض علي رب العالمين (يومئذ لا تكلّم نفس الا بإذنه)واعلموا ان الله لا يصدق كاذباً ولا يكذب صادقاً، ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور، بل للّه الحجة علي خلقه بالرسل والاوصياء بعد الرسل، فاتقوا الله عباد الله.



واستقبلوا من اصلاح انفسكم وطاعة الله، وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم علي ما قد فرّط بالامس في جنب الله، وضيّع من حق الله، واستغفروا الله وتوبوا اليه فانه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون.



واياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا من فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم، واعلموا انه من خالف اولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبد بامره، دون امر ولي الله، كان في نار تلتهب، تأكل ابداناً قد غابت عنها ارواحها، وغلبت عليها شقوتها، فهم موتي لا يجدون حر النار، ولو كانوا احياء لوجدوا مضض حر النار، واعتبروا يا اولي الابصار، واحمدوا الله علي ما هداكم، واعلموا انّكم لا تخرجون من قدرة الله الي غير قدرته، وسيري الله عملكم ثمّ اليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدبوا بآداب الصالحين(134).



لفت نظر:



ان باستطاعة العالم الديني ان يحتل دوراً كبيراً في التربية والاخلاق ونشر الفضيلة ومقاومة الظلم والاستبداد.



ليس حمل العلم الاّ مسؤولية كبري ترهق الحامل وتثقل العاتق والكاهل. يقول زين العابدين في الرسالة التي وجهها لاحد كبار العلماء: ولا تحسبنّ الله قابلا منك بالتعذير، وراضياً منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك اخذ الله علي العلماء في كتابه اذ قال: (لتبيننّه للناس ولا تكتمونه).



وقد يستطيع العالم الديني تحقيق المطالب الايجابية ـ في حالات استثنائية ـ حتي وان انضمّ الي السلطة غير الشرعية من اجل اصلاحها من الداخل، وتوجيهها لما فيه الصالح الحقيقي للاسلام والمسلمين والمستضعفين كما وقع ذلك لعلي بن يقطين في الدولة العباسية ولكن النظام الحاكم إبّان حياة الامام زين العابدين لم يكن بالذي يستجيب للناصح الشفيق. او كانت لسياستهِ قابلية الهضم والتمثيل لكلمات العالم او المربّي.



وهذا احد المربين والعلماء الرسميين ومن المقربين جداً للنظام ـ قبيصة بن ذؤيب ـ المعاصر لزين العابدين يذكر عدم قبول النظام لاي مشروع او انجاز يتقدم به الاّ ذلك الذي يعبر عن مقررات النظام او تطلعاته او ينسجم مع وجهة نظره.



ولسنا نعتقد ان يتنكر الامام زين العابدين للدور الايجابي الاستثنائي للعالم الديني فيما اذا اراد التحرك النبيل ضمن سلطة ما وان كانت ظالمة عاتية في سبيل الاهداف والمبادئ العليا.



بيد انّ العالم الديني الذي خاطبه الامام زين العابدين(عليه السلام) كان علي خلاف ذلك، انه بدل ان يذيب الباطل ذاب فيه، وبدل ان يوجّهه انقاد لتوجيهاته «ودنوت ممّن لم يردّ علي احد حقاً، ولم ترد باطلاً حين ادناك »، «فلم يبلغ اخصّ وزرائهم ولا اقوي اعوانهم الاّ دون ما بلغت من اصلاح فسادهم، واختلاف الخاصّة والعامّة اليهم». اي ان وجوده في اروقة النظام الحاكم قد اصبح تبريراً للسياسة القمعية، والسيادة القبلية، وطريقة تغريريّة يستزلّ بها الواهن والجهول.



وما اكثر الواهن والجهول في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان.



رفع التعارض:



من الواضح ان الامام زين العابدين(عليه السلام) قد خاطب برسالته رجلاً من العلماء وذلك بقوله: اخذ علي العلماء في كتابه اذ قال: (لتبيننّه للناس ولا تكتمونه)(135). وقوله: وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وعرفك من سنَّة نبيك محمد(صلي الله عليه وآله وسلم). وقوله: فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنّك، ورسوخ علمك (وفي نسخة خطية من الكافي: ورسوخ عقلك).



بيد ان بين اقواله هذه وبين قوله: ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك. وقوله كذلك: اما تري ما انت فيه من الجهل والغرة، تعارضاً. فتارة يصفه بالعلم والفقه بل يفهم ان المخاطبة لاحد كبار العلماء، وتارة يصفه بالجهل.



والجواب:



في الواقع انه لا تعارض بين هذه الاقوال اذ ان للعالم من بعض الوجوه معنيين.



المعني الاول الذي قد اخذ من العلم الديني بحظ وافر بقطع النظر عن الممارسة والتطبيق اي انه عالم ديني سواء اعمل بعلمه ام لم يعمل.



ويا رب عالم جعل العلم خزانة مقفلة لا ينفق منها علي اصلاح النفس او تربية الجيل.



المعني الثاني العالم هو خصوص من يعمل بعلمه، ويستمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها نظرياً وتطبيقياً. وكثيراً ما تطلق الروايات لفظة العالم علي خصوص المعني الثاني.



ان احد كبار العلماء الذي وجّهت الرسالة اليه هو ممن يشمله المعني الاول فهو عالم بالمنطلقات الفكرية والفقهية، وله القدرة علي الاستيعاب للنظرية الاسلامية من القرآن والسنّة المطهرة.



وهو في نفس الوقت جاهل من جهة عدم تحقيق الانسجام والتناغم بين النظرية والتطبيق.



ومن كان عمله عمل الجاهل فهو جاهل وان كثر علمه.



انّها التقوي التي تميّز بين البر والفاجر، لا النظريات وارتقاء المنابر.

پاورقي





(126) سورة ابراهيم / آية 7.



(127) سورة آل عمران / آية 187.



(128) الاعراف / الاية 168.



(129) عزب : بعد.



(130) الذاريات / آية 55.



(131) مريم / آية 59.



(132) ابن شعبة الحراني ـ تحف العقول / ص 198 ـ 200، والشيخ المجلسي ـ بحار الانوار 17 / 213.



(133) مثلاتها : عقوباتها.



(134) الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، روضة الكافي 8 / 14 ـ 17، وتحف العقول / 182 ـ 184، والشيخ المفيد، الامالي / ص 125 ـ 127 المطبعة الحيدرية النجف، وورّام الاشتري ـ مجموعة ورّام 2 / 37 ـ 39.



(135) آل عمران / آية 187.