بازگشت

تدهور الاخلاقية السياسية والاجتماعية


طالما يتلازم التدهور او التطور بين الاخلاقية السياسية وبين الاخلاقية الاجتماعية، اذ إن لسياسة الدولة لا سيّما اذا طالت بها المدة اعظم التأثير علي المجتمع سلباً او ايجاباً لانها المربّي الاكبر للمجتمع بما تمتلك من خطط واهداف معينة، وبما لها من الوسائل الاعلامية المختلفة ناهيك عن استحواذها علي الكثير من مصادر الثروة «طبقاً للنظرية الاقتصادية للدولة» كما ان للمجتمع بما له من اهداف وعقائد ورؤيً صالحة او غير صالحة ذلك الاثر العميق في رسم سياسة الدولة قهراً او اختياراً حسب ما هو المعتاد ما بين الدولة والمجتمع.



ولكن يبقي اثر الدولة علي المجتمع اعمق وابعد غوراً من اثر المجتمع علي الدولة ـ في الاعم الاغلب ـ لانها تمتلك من الوسائل والمؤثرات ما لا يمتلك او اقوي واشد مما يمتلك، ولان الناس علي دين ملوكهم.



في التاريخ السياسي مادة خصبة لتوضيح التاثير المتبادل ما بين الدولة و المجتمع لا سيما أثر الدولة عليه.



ففي حكومة العدل النبوي نلحظ كيف تطورت اخلاقية الحياة الاجتماعية في البلدان الاسلامية لا سيما في المدينة المنورة عاصمة الاسلام آنذاك. وكيف نري الانعكاس الرائع للاخلاقية السياسية للرسول محمد(صلي الله عليه وآله وسلم)علي المجتمع الذي اصبح المجتمع الامثل في العالم.



بينما في زمن لاحق يخاطب احد الاعلام المعنيين بشؤون الامة الخليفة قائلاً: ملت فمالت الرعية. فاعتدل تعتدل.



وفي العصر الراهن ما يؤكد هذا المنحي من التأثير المتبادل بين الدولة والمجتمع أيّما تأكيد.



وان هذه الظاهرة من التأثير المتبادل واضحة للعيان في العصر الاموي. وان شعر الامام زين العابدين(عليه السلام) الاتي خطاب للطرفين معاً أعني الدولة والمجتمع. اي ان الفاظه تبقي علي عمومها، من غير حاجة الي التخصيص، او الاقتصار علي المجتمع او الدولة.



لقد بلغ تدهور الاخلاقية السياسية والاجتماعية في عصر الامام زين العابدين(عليه السلام) حدّاً جعل المصلحين في حالة من القلق والاهتمام والدهشة. ولقد مرّ علينا قول زين العابدين(عليه السلام):



يا أمة السوء لا سقياً لربعكمُ يا أمة لم تراعِ جدّنا فينا



فلما لم ترع الدولة ولم تهتم بحقوق المجتمع لا سيما حقوق اهل البيت انكفأ المجتمع علي اهل البيت النبوي ظلماً واعتداءً.



ثم صارت سنة جاريةً كل من امكنه الظلم ظلم(112)



وتسابقت الدولة والمجتمع إلي الصفة الهجينة، صفة الغدر، ونكث العهود.



فقد غدر قائد الدولة معاوية بن أبي سفيان بالامام السبط الحسن بن علي(عليه السلام)قائلاً: وقد اعطيت الحسن بن علي عهوداً كلها تحت قدمي.



وغدر قائد الدولة الاخر عبد الملك بن مروان بابن عمه عمرو بن سعيد الاشدق وذبحه بيده كما تذبح الشاة.



وغدرت أمة من المجتمع بالامام الحسين بن علي(عليه السلام) بعد تلك المراسلات الكثيرة، والوعود السرابية بالنصر والتأييد.



كما غدرت بمصعب بن الزبير حتي قُتل واحتزّ رأسه.



غدرت به مضر العرا قِ وامكنت منه ربيعه(113)



علي ان الامر في تدهور الاخلاقية السياسية والاجتماعية لا يقتصر علي الظلم والغدر علماً بان الظلم وحده ينطوي علي شعب كثيرة من التدهور والامراض النفسية والصفات المستهجنة.



واضافة الي الظلم والغدر هناك اتباع الاهواء والشهوات، ومخالفة القوانين السماوية. وكان امراً ساري المفعول قيادة وشعباً. وعلي سبيل المثال من القادة السياسيين من كان يقول: لا يأمرني احد بتقوي الله الاّ ضربت عنقه.



وقال الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يذكر الذين يطوفون حول قبر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): انما يطوفون حول اعواد ورمّة. هلا يطوفون حول قصر امير المؤمنين الوليد بن عبد الملك.



ومن أمثلة الشعر السياسي لزين العابدين(عليه السلام) فيما يخص تدهور الاخلاقية السياسية والاجتماعية قوله من أبيات «بحر الطويل»:(114)



أ ـ



ألم تر أن العرف قد مات أهلهُ وان الندي والجود ضمَّهما قبر



علي العرف والجود السلام فما بقي من العرف الاالرسمُ في الناسوالذكر

پاورقي





(112) البيت لعبد المحسن الصوري.



(113) البيت لقيس الرقيّات.



(114) مناقب ال ابي طالب 4 / 166.