بازگشت

التذكير بمآل الحكام


ومن الشعر السياسي لعلي زين العابدين(عليه السلام) ذلك الوصف الجميل لحكام عصره، وقد تساقطوا الواحد تلو الاخر في شباك الموت. بعد ذلك الملك العظيم، والعزِّ القاهر.



أ ـ فمن ذلك قوله(عليه السلام) «بحر الوافر»(102):



اذا بلغ امرؤ عليا وعزاً تولي واضمحل مع البلاغِ



كقصر قد تهدم حافتاه اذا صار البناء علي الفراغِ



اقول وقد رأيت ملوك عصري الا لا يبغين الملك باغِ



وله ابيات شبيهة بهذه في الهدف الذي ترمي اليه. وان كان قد يوجد بينهما فارق واحد بسيط وهو أَن الابيات الغينية تصف حكام تلك الحقبة التأريخية التي عاصرها علي زين العابدين(عليه السلام) والابيات التالية تشير الي تاريخ الحكّام والزعماء الماضين. او قد تشمل الماضين والمعاصرين معاً في نفس الوقت من دون الاقتصار علي المعاصرين.



ب ـ قال(عليه السلام) «بحر الوافر»(103):



تفكر اين اصحاب السرايا وأرباب الصوافن والعشارِ



واين الاعظمون يداً وبأساً واين السابقون لذي الفخارِ



واين القرن بعد القرن منهم من الخلفاء والشمم الكبارِ



كأن لم يخلقوا او لم يكونوا وهل حيٌّ يصان عن البوارِ



لقد كان الامام زين العابدين(عليه السلام) يركز علي هذا المنحي السياسي التبصيري من ذكر مآل اصحاب القرار السياسي الاَعلي، وارباب الثروة والعزة والعظمة والمنعة. ولقد كان لا يألو جهداً في وصف ذلك سواء في تفسيره للقرآن الكريم، او في الوان اَدبه، ولطالما كان ينتزع من صفحات التأريخ ما يؤكد هذا المعني، ويلفت الانظار اليه.



ولم يكن ذلك سياسة ينتهجها لتبصير المعاصرين له فحسب بل سياسة تمتد في اعماق التأريخ. ان علي كل من يمكنه الله تعالي منا في الارض ان يختط المنهج الذي اختطه الامام زين العابدين(عليه السلام)، وهكذا ستبقي سياسته علي مر العصور، وامتداد الزمن.



جـ ـ ومما قاله(عليه السلام) في هذا المعني وهو من كلام طويل:



انظر الي الامم الماضية، والملوك الفانية، كيف افنتهم الايام، ووافاهم الحمام، فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها اخبارهم. «بحر الطويل»:



وأضحوا رميماً في التراب وعطلت مجالس منهم اقفرت ومعاصر



وحلوا بدار لا تزاور بينهم واني لسكان القبور تزاور



فما ان تري الا جُثيً قد ثووا بها مسطحة تسفي عليها الاعاصر



كم من ذي منعة وسلطان، وجنود واعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبني القصور والدساكر، وجمع الاعلاق والذخائر:



فما صرفت كف المنية إذ أتت مبادرة تهوي اليه الذخائر



ولا دفعت عنه الحصون التي بني وحف بها انهاره والدساكر



ولا قارعت عنه المنية حيلة ولا طمعت في الذب عنه العساكر



اتاه من الله ما لا يرد، ونزل من قضائه ما لا يصد، فتعالي الله الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين:



مليك عزيز لا يرد قضاؤه حكيم عليم نافذ الامر قاهر



عنا كل ذي عز لعزة وجهه فكل عزيز للمهيمن صاغر



لقد خضعتواستسلمتوتضاءلت لعزة ذي العرش الملوك الجبابر(104)

پاورقي





(102) بهاء الدين العاملي (ت 1031) الكشكول 3 / 150 ـ 151.



(103) بهاء الدين العاملي، الكشكول 3 / 13.



(104) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق 17 / 250، دار الفكر. وابن كثير، البداية والنهاية 9 / 129، دار إحياء التراث العربي.