بازگشت

تقديم الواجبات علي الحقوق


غالباً ما يهفو المجتمع الي الحقوق مطالباً بها في الوقت الذي ينسي او يتناسي الواجبات التي يتعين عليه القيام بها تجاه رسالته أو تجاه ابناء جنسه.



كلما كان المجتمع اوسع اِدراكاً وثقافةً، واكثر تطوراً كان المرجّي منه القيام بالواجبات بما لا يقل عن المطالبة بالحقوق.



كما ان للتربية الروحية والنفسية والسياسية الصائبة آثارها البعيدة في العمق الاستراتيجي للمجتمع في الموازنة بين الواجبات والحقوق. بل في تقديم اَداء الواجبات علي التّلفت المشتاق الي الحقوق. اي تقديم العطاء علي الاخذ و الاستلام وهذا من معاني الايثار الذي بينه سبحانه وتعالي في القرآن الكريم بقوله: (ويؤثرون علي انفسهم ولو كان بهم خصاصة).



فماالكرم في مفهومه القويم الا التقديم السمح للواجبات علي الحقوق.



إن أولي الناس بتقديم الواجبات علي الحقوق، في كل زمان ومكان، هم قادة الامم، ولكن الواقع ـ عبر التاريخ ـ خلاف هذه الحقيقة في اكثر الاحايين.



القائد اَب وقدوة للمجتمع ولا خير في اَب لا يضحي في سبيل ابنائه ولا في قدوة تقودها الانانية والشهوات.



ولذا كان علي زين العابدين(عليه السلام) ـ باعتباره اِماما هادياً وقائداً رسالياً ـ متفانياً في سبيل الامة مقدِّماً مصلحتها العامة علي مصلحته الخاصة. لقد كانت تحزن قلبه تلك المآسي الدامية التي تحلّ بالامة جماعات واَفراداً فكان يسعي جاهداً لتضميد الجراح النازفة في قلوب المستضعفين والمحرومين. وكم كانت تؤلمه تلك الحالات التي لا يَستطيع اِزاءها ان يكون جبراً للكسور، او بلسماً للجراح. ولقد روي أنه جاءه رجل عليه دين ثقيل ولما لم يستطع الامام رفع كابوس الفقر في تلك الساعة عن المسكين لم يكن منه الا ان ينفجر باكياً وحربة الالم تحزّ في قلبه اَن لا يستطيع انتشال ضعيف نكيب اَزرت به الدنيا الفجوع.



واذا كان تألمه وشجنه لفرد من الامة قد حل بساحته الخطب الجلل، فما هو مقدار تألمه(عليه السلام) وشجنه وتفكيره للبشرية جمعاء وهي تكتنفها النوائب الشداد؟