بازگشت

ثلاث نظرات


هناك ثلاث نظرات فيما يتعلق بالبعد الشخصي للدعاء وفي تفسيره. ونعتقد ان النظرة الثالثة هي الصحيحة.



النظرة الاولي: ان الداعين بما فيهم القادة الرساليون كالرسول واهل بيته، انما يدعون من اجل انفسهم لا اكثر باعتبارهم بشراً تكتنفهم مختلف الاحتياجات الشخصية لله عزّوجلّ فدعاؤهم اذاً دعاء شخصي خالص.



النظرة الثانية: ان دعاء الرسول واهل بيته وغيرهم من القادة الرساليين انما هو من اجل المجتمع فحسب، ولا صلة لاشخاصهم في ذلك باعتبارهم قد وصلوا الي درجة عليا من الوعي الرسالي والاجتماعي وتحمل اعباء المسؤولية الجماعية ونكران الذات، فهم يفكرون بالمجتمع لا غير، غافلين اومتغافلين عن ذواتهم اي ان الغاية الوحيدة من الدعاء هي التربية غير المباشرة والمباشرة احياناً للمجتمع وتعليمه كيفية الدعاء وعمليات التطهير لشوائب النفس وصورة الادب مع الله.



النظرة الثالثة: وهي النظرة الجامعة بين النظرتين، ألا وهي الدعاء من اجل النفس ومن اجل المجتمع ايضاً.



في كثير من الاحيان كانت تصحب ادعية زين العابدين وغيره دموع ساخنة، ولهفات لاذعة. فاذا كان دعاؤهم من اجل المجتمع لا غير فهذا يعني ان تلك الدموع واللهفات مجرد قضية تمثيلية فقط، وزين العابدين واولئك الداعون أجلّ وازكي من ذلك كما هو واضح.



واذا كانت جميع ادعية زين العابدين وغيره من اجل نفوسهم لا اكثر من ذلك، فلماذا كانوا يعلّمون المجتمع ألواناً من الدعاء والمناجاة؟.



وعلي سبيل المثال، لماذا أملي الامام زين العابدين(عليه السلام) الصحيفة السجادية الكاملة جميعها علي ولده ابي جعفر محمد الباقر(عليه السلام).



كما ان تلك الادعية في حالة الانفراد وفي حالة الاجتماع تصحح النظرة الثالثة الجامعة ما بين النظرتين.



دلائل العموم:



يعرف عمومها من جهة صيغ الجمع كقول الامام زين العابدين(عليه السلام): «الهي فاجعلنا من الذين ترسخت اشجار الشوق اليك في حدائق صدورهم»(7). ونحو ذلك كثير. ويعرف كذلك من جهة المدعو لهم كقوله: «اللهم لا تغلق علي موحديك ابواب رحمتك...»(8) فهو دعاء لمطلق الموحدين من الاولين والاخرين.



ومن هذا القبيل ما مرّ من الاشارة الي مصاديق من ادعيته التي تتصف بالصيغ العمومية.



ينبغي لفت النظر والقول بكل تأكيد الي ان نفس الادعية التي تتسم بالطابع الشخصي في مواضيعها او صيغها وتعبيرها، هي ايضاً ادعية عامة من زاوية اخري، إذ انها سياسة تربوية ومنهج نفسي يرتفع بالمجتمع ـ في حالة استلهامه وتطبيقه عملياً ـ الي حيث المواقع المتقدمة التي تنفع النفع الكبير علي صعيد الحياة الدنيا والاخرة.



يرتفع بالمجتمع الي حيث:



سمو الذات



والثراء الروحي



وسعة الافاق السياسية



والتحرر من الجمود

پاورقي

(7) العلامة المجلسي / الشيخ محمد باقر (ت 1111 هـ) / بحار الانوار ج 94 / ص 51.



(8) بحار الانوار 94 / 143.