بازگشت

نماذج من آراء الموسوي الخاصة


و إذ جرت الكلام إلي أقوال المؤلّف المبكّرة الّتي أودعها في هذا الكتاب، فمحافظةً علي تبيين هذا الجزء من مادّة الكتاب لابأس بنا لوذكرنا بعض هذه الآراء. و لئلّايكون هذا سبباً لتطويل التقدمة نقتصر علي ما أودع منها في الجزء الأوّل من هذا الكتاب - حسب تجزءتنا - فقط؛ و إن كان لاضير في هذا التطويل حيث يظهر منه شخصيّة المؤلّف العلميّة و الثقافيّة أيضاً.

1 - القول بأن الِمحَن و البلايا الواردة علي الأنبياء و المعصومين - عليهم السلام - إنّما هي لأجل تحمّلهم ذنوب شيعتهم و محبّيهم؛ قال:

«بل كلّما ورد علي الأنبياء و الأوصياء و الأولياء من لدن آدم الي خاتم الأنبياء و أهل بيته المعصومين - عليهم السلام - من البلاء و الِمحَن و المصائب و النوائب إنّما هو لأجل تحمّلهم ذنوب شيعتهم و محبّيهم علي قدر وعاء نحو وجودهم و ظرفيّة هويّتهم. و لكن ختم ذلك في محمّدٍ - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - و أهل بيته، كسائر الكمالات.

و بهذا يظهر سرّ ما قال - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «البلآء مسلّطٌ علي الأنبياء و الأوليآء، ثمّ الأمثل فالأمثل» [1] ؛

2 - القول بأنّ إنكار المحقّق الطوسي ذهاب الشيعة إلي البداء ليس باطلاقه، بل هو - قدّس سرّه - أنكر وقوع البداء في إمامة إسماعيل بن مولانا الصادق - عليه السلام -، إذ الرواية الدالّة علي إمامته لاتقبل عند الشيعة الإماميّة؛ فليس لهذه الإمامة أصلٌ حتّي تبطل أو تنسخ بالبداء. قال - رحمه اللّه - بعد أن ذكر قول الطوسيّ و حكي تعجّب صدرالمتألّهين و العلّامة المجلسي عن قوله هذا:

«تعجّب صدرالحكماء في إنكار المحقّق الطوسي - رحمه اللّه - البداءَ و كذا اعتذار الفاضل المجلسي له في غاية البعد في حقّ من أحاط بالعلوم و ألّف في كلّ فنٍّ ما يعجز عنه علماء الرسوم!؛ فكيف يخفي عليه مثل تلك الأخبار مع عقد أبوابٍ و فصولٍ من المصنّفين المشهورين فيه بعد قطع النظر عن شيوعه و انشعابه في ساير الأبواب و الأصول بين علماء المعقول و المنقول؛ حتّي أفردوا له قديماً و حديثاً كتباً و رسائل؟!؛ و كيف اطّلع علي ماورد في حكاية إسمعيل مع كونه من النوادر و لم يطّلع علي غيره مع كونه من الشايعات الظواهر؟!.

فالأنسب بحاله - أعلي اللّه مقامه - أن يوجّه كلامه بأنّ مراده من نفيه و تبرّيه من القول به ليس هو المعني الحقّ للبداء الّذي قام بلزوم القول به الإجماعُ، و دلّت عليه نصوص الكتاب و السنّة بلانزاعٍ. بل غرضه الشريف و نظره المنيف إلي المعني الّذي أورده المورِد علي ظاهر الرواية المنقولة في حكاية إسمعيل، فانّ المنصوص المتواتر عند الاماميّة انّ أئمّتهم - عليهم السلام - هم المنصوبون من قبل اللّه - تعالي -؛ و من صريح قول رسول اللّه - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - حيث أخبرنا بأساميهم و أنسابهم واحداً بعد واحدٍ إلي إثني عشر إماماً. و هذا الخبر يكذّبه، فانّه لو كان ما عند الامامية صحيحاً لوجب أن يعرف جعفربن محمّد و يعرف خواصّ شيعته لئلّا يغلط هو و شيعته هذا الغلط. فكأنّ المحقّق - رحمه اللّه - قال: خبر الإثني عشر متواترٌ يفيد القطع، بخلاف خبر إسمعيل» [2] .

3 - القول بأنّ علوم الأئمّة - عليهم السلام - شرعيّةً كانت أو غيرها كشفيّةٌ لامجال للإجتهاد و السمع فيه. و هذا خلافاً لبعض العلماء حيث ذهب إلي أنّ علومهم - عليهم السلام - الشرعيّة يمكن أن تكون سمعيّة أو إجتهاديّةً. قال بعد أن حكي الأقوال في المسألة:

«كون علومهم شرعيّةً لاينافي أن لا تكون اجتهاديّةً و لا سمعيّةً، كما توهّمه هذا القائل؛ لأنّ معني كون علومهم كشفيّةً لدنّيّةً أنّهم - صلوات اللّه عليهم - يتّصلون بالحقيقة المحمّديّة و يأخذون العلوم منها بلاواسطةٍ. فكأنّ هذا القائل لم ينظر في قول بعض المحقّقين: «انّهم - عليهم السلام - كالمرايا المتحاذية ينطبع في كلّ واحدٍ منها ما ينطبع في الأخري»؛ و هذا بيّنٌ لمن له معرفةٌ بالعلوم الحِكْميّة و العرفانيّة» [3] .

4 - القول بتقديم نصّ المعصوم علي القواعد النحويّة لو وقع التعارض بينهما. و هذا لايتمّ إلّا بثبوت مقدّمتين:

الأوّل: ثبوت التعارض بحيث لايمكن الجمع بينهما؛

الثاني: ثبوت انّ المنقول إلينا هو نصّ كلام المعصوم لااختلاف بينهما و لو في حرفٍ واحدٍ. فمثلاً يخالف المدني القائل بأن لفظة «الواو» قبل «إذا» المفاجاة الواقعة في موضعٍ من السند تصحيفٌ و الصحيح «الفاء»؛ فنراه يقول:

«كلام المعصوم حجّةٌ و إن كان مخالفاً لجماعة النحويّة، لأنّ النحو تدوينه منهم - عليهم السلام -؛ و نحن نصحّ كلام النحويّين من كلامهم، لابالعكس» [4] .

و هو ملتزمٌ بهذه القاعدة و إن كان موضعها هذه العبارة من السند الّتي ليست من كلام المعصوم!، بل هو كلام راوي الصحيفة.

5 - قوله في تفسير «الأمانة» الواردة في كريمة 72 من سورة الأحزاب الشريفة، حيث فسّرها بالأسماء و الصفات الإلهيّة. فانّه بعد ما مهّد مقدّمةً طويل الذيل قال:

«المراد من الأمانة المودعة هي الأسماء و الصفات الإلهيّة و المرتبة التماميّة الجمعيّة و الحقائق الفعليّة الوجوبيّة و الدقائق السرّيّة الربوبيّة المودعة في الهيا كل البشرية الّتي تتصرّف النفس الناطقة الانسانيّة في عالمها الصغير - و هو أعضائها و جوارحها البدنيّة -، أو في عالمها الكبير - و هو العوالم الامكانيّة - إذا كان لها مرتبة التماميّة الجمعيّة؛ لما قلنا لك انّ الكامل يدبّر العالم و يتصرّف فيه بواسطة الأسماء الإلهيّة الّتي أودعها فيه و علّمها إيّاه و ركّبها في فطرته؛ فانّها بمنزلة القوي من الروح، إذ العالم بمنزلة الأعضاء و الجوارح له، فهو كلّ العالم؛ فلذلك اتّسع لما يسعه العالم. و انّما امتاز عن العالم بقبوله جميع أسرار العالم» [5] .

6 - قوله في تفسير رؤيا النبي - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - حيث ورد في بعض الأخبار انّه «رءاي رجالاً من نارٍ علي منابر من نارٍ يردّون الناس علي أعقابهم القهقري». فانّه فسّر القهقري بالخروج عن الإسلام شيئاً فشيئاً و علي التدريج. قال بعد أن نقل تلك الروايات:

«و إنّما أري - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - ردّ الناس عن الإسلام القهقهري، لأنّ النّاس كانوا يظهرون الاسلام و كانوا يصلّون إلي القبلة، و مع هذا كانوا يخرجون من الاسلام شيئاً فشيئاً، كالّذي يرتدّ عن الصراط السويّ القهقهري و يكون وجهة الحقّ حتّي إذا بلغ غاية سعيه رأي نفسه في الجحيم» [6] .

7 - قوله في تفسير ما ورد من «انّه لورفعت ليلة القدر لرفع القرآن»، فانّه فسّره بنزول ما يتعلق بتلك السنة من تفسير القرآن في هذه الليلة إلي صاحب الأمر - عليه السلام - في تلك السنة. قال بعد أن نقل الرواية:

«و ذلك لأنّ في ليلة القدر تنزل في كلّ سنةٍ من تبيين القرآن و تفسيره ما يتعلّق بأمور تلك السنة إلي صاحب الأمر، فلو لم يكن ليلة القدر لم ينزل من أحكام القرآن ما لابدّ منه في القضايا المتجدّدة. و إنّما ينزل ذلك إذا لم يكن من ينزل عليه، و اذا لم يكن من ينزل عليه لم يكن قرآنٌ، لانّهما متصاحبان لن يفترقا حتّي يردا علي رسول اللّه - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - الحوض» [7] .

8 - قوله في سبب محبّة الشيعة و متابعتهم لمواليهم - عليهم صلوات اللّه -، بخلاف أهل السنّة. حيث فسّر تلك المحبّة و المتابعة بالمجانسة بين طينتهم و طينة مواليهم، فانّه بعد نقل الحديث الدالّ علي ذلك التجانس قال:

«قد ظهر من هذا الحديث سبب المحبّة و المتابعة للشيعة، بخلاف أهل السنّة» [8] .

9 - قوله في الفرق بين القضاء و المقضيّ، و هو من دقائق الحكمة الإلهيّة. فانّه بعد أن نقل كلام صدرالمتألّهين بطوله - المشتمل علي مبانيه و مباني أستاذه السيّد الداماد قدّس سرّهما و نقده من وجهة نظره - قال:

«التّحقيق في ذلك: أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ الوجود كلّه خيرٌ محضٌ و حسنٌ ليس بشرٍّ و لا قبيحٍ، و هو المجعول. و لكن من حيث نقصه عن التمام شرٌّ و من حيث منافاته لخيرٍ آخر قبيحٌ. و كلٌّ من ذلك راجعٌ إلي نحو عدمٍ، و العدم غير مجعولٍ إلّا بالعرض و التبعيّة: لأنّ المهيّات غير مجعولةٍ إلّا بالتبع للوجودات، فالخيرات داخلةٌ في قدرة اللّه و قضائه بالأصالة و الشرور اللازمة للخيرات داخلةٌ فيها بالتبع. فمراد من قال: «انّ اللّه - تعالي - يريد الكفر و المعاصي الصادرة عن العباد، لكن لا يرضي به»، هو هذا. علي قياس من لسعت الحيّة إصبعه يختار قطعها بارادته، لكن بتبعيّة ارادة سلامة الشخص، و لولاها لم يرد القطع أبداً؛ فيقال: هو يريد السلامة و يرضي بها، و يريد القطع و لايرضي به؛ إشارةً إلي هذا الفرق الدقيق.إذا علمت هذا فاتّضح لك الفرق بين القضاء و المقضي، و صحّة قول من قال بأنّ الرضاء بالقضاء واجبٌ لابالمقضي؛ و صحّة قول السيّد السند الداماد - رحمه اللّه -، إذ قال بأصالة الوجود» [9] .

10 - قوله بأنّ الإدراك بجميع أقسامه يستلزم الإحاطة، بل الإتّحاد. و من أقسام الإدراك في رأيه هو الإبصار، فلهذا نراه يسجّل علي أنّ الإبصار أيضاً يستلزم الإحاطة و الإتّحاد. قال بعد أن نقل قول علاءالدولة السمناني في مقام الجمع بين قول اللّه - تعالي -:

«وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»، و قوله الآخر - سبحانه و تعالي -: «لَاتُدرِكهُ الْأَبصَارُ» القائل بأنّ الثاني في مقام نفي الإحاطة و الأوّل في صدد إثبات الرويّة:

«إنّ الإدراك مطلقاً يستلزم الإحاطة، بل الإتّحاد؛ فلافرق بين الإدراك و الإبصار» [10] .

11 - قوله بأنّ النبيّ - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - في مقام قاب قوسين أو أدني رأي نفسه المقدّسة. فانّه بعد ما نقل السؤال الوارد علي الكريمة: «لَقَدْ رَءَاي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبرَي»، القائل بأنّ في هذا المقام - و هو مقام خلوة النبيّ مع ربّه تعالي - لم توجد آية حتّي يراه النبيّ؛ قال:

«رأي نفسه المقدّسة الّتي ليس آية أعظم منها». [11] .

12 - قوله بحصول المشاهدة للحضرة الإلهيّة بسبب قرب الفرائض و النوافل. و ذلك بالتوجّه إلي تلك الحضرة الرفيعة المستلزم لفناء الجهة البشريّة في الجهة الربّانيّة، فإذا حصل هذا الفناء يظهر سلطان اسم الظاهر - سبحانه و تعالي -، فتحصل المشاهدة؛ قال:

«بسبب قرب الفرائض و النوافل أيضاً يحصل لنا المشاهدة للحضرة الإلهيّة بقدر وعائنا الوجوديّة و استعداداتنا الفطريّة. فانّ تجلّيه - سبحانه - بأيّ صفةٍ كان ليس إلّا بمقدار استعداد المتجلَّي له، لا علي ما هو عليه في حدّ ذاته؛ ذلك لا يسعه مجليً و لايضبطه مظهرٌ.

اعلم! أنّ قرب الفرائض و النوافل باصطلاح العرفاء هو أنّ وجود الحقّ هو الأصل الواجب و هو الفرض؛ و وجود العالم - و هو العبد - نفلٌ و فرعٌ عليه. فاذا ظهر الحقّ بسلطان الاسم الظاهر و يكون التجلّي له خفي فيه العبد؛ فكان العبد سمع الحقّ و بصره و سائر قواه و جوارجه. و هو قرب الفرائض الّذي يعبّر عنه بالفناء في اللّه و البقاء باللّه - كما قال: «انّ اللّه قال علي لسان عبده: سمع اللّه لمن حمده»؛ و قال - سبحانه -: «وَ مَا رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَ لَكِنَّ اللَّهَ رَمَي»، لنفيه الرمي عن محمّدٍ - صلّي اللّه عليه و آله و سلّم - في قوله: «وَ مَا رَمَيتَ» و اثباته لنفسه في قوله: «وَ لَكِنَّ اللَّهَ رَمَي». و إذا بطن بسلطان الاسم الباطن و تكون التجلّي له ظهر الخلق و خفي فيه الحقّ، فكان الحقّ سمع العبد و بصره و سائر قواه و جوارحه. و هو قرب النوافل المدلول عليه بقوله: «لا يزال العبد يتقرّب إليَّ بالنوافل».

و بالجملة لا يحصل هذا المقام إلّا بفناء الجهة البشريّة في الجهة الربّانيّة؛ و ذلك لايحصل إلّا بالتوجّه التامّ إلي جناب الحقّ خالق الأنام، إذ به يقوي جهة حقيقته، فتغلب جهة خلقيته إلي أن يقهرها و تفنيها؛ كالقطعة من الفحم المجاورة للنار، فانّها بسبب المجاورة و الاستعداد لقبول الناريّة تشتعل قليلاً قليلاً إلي أن تصير ناراً، فيحصل لها ما يحصل من النار من الاحراق و الانضاج و الاضائة و غيرها، و قبل الاشتعال كانت مظلمةً كدرةً باردةً.

و ذلك التوجّه لايمكن إلّا بالمحبّة الذاتيّة الكامنة في العبد. و ظهورها لايكون إلّا بالاجتناب عمّا يضادّها و يناقضها، و هو التقوي ممّا عداها. فالمحبّة هي المركب، و الزاد التقوي. و هذا الفناء موجبٌ لأن يتعيّن العبد بتعيّناتٍ حقّانيّةٍ و صفاتٍ ربّانيّةٍ، و هو البقاء بالحقّ. فلايرفع التعيّن من العبد مطلقاً.

فليس المراد من الفناء هيهنا فناء ذات العبد - لأنّ فناء ذات الشي ء ممتنعٌ -، بل المراد بالفناء فناء الصفات، ففناء الممكن في الواجب عبارةٌ عن اضمحلال آثاره، لا انعدام حقيقته - كما توهّمه بعضٌ -، ليلزم المفاسد الشنيعة. وذلك مثل انعدام نور الكواكب و نور السراج في نور الشمس».

13 - قوله بأنّ النزاع القائم بين الأشاعرة و المعتزلة في أنّ الحرام هل يسمّي رزقاً أم لا؟ نزاعٌ لغويٌّ لامحصّل له في العقليّات. فانّه بعد أن نقل قول الفريقين و ما استدلّوا به و ما ردّوا به علي الآخر قال:

«و الحقّ انّ النزاع في هذه المسألة يرجع إلي محض اللغة، و هو انّ الحرام هل يسمّي رزقاً أم لا؟؛ و لامجال للدليل العقليّ في الألفاظ» [12] .

14 - القول بأنّ الإدراك انّما يحصل بتصوّر المدرِك بصورة المدرَك، و هذا ينبي ء عن نحو اتّحادٍ؛ قال:

«السرّ فيه إن إدراك الشي ء إنّما يكون بتصوّر المدرِك بصورة المدرَك حين إدراكه - سواءٌ كان بطريق الإحساس أو التخيّل أو التعقّل -. و ذلك لأنّ الإدراك لابدّ فيه من نيل المدرِك لذات المدرَك، فلو لم يتّحدا فنيله:

إمّا بخروجه من ذاته إلي أن يصل إليه؛

أو بادخاله إيّاه في ذاته؛

و كلاهما محالٌ» [13] .

15 - القول بأنّ الرحمة ذاتيّةٌ و الغضب عرضيٌّ، تبعاً لما عليه قاطبة العرفاء و خلافاً لما عليه جلّ المتكلّمين. قال:

«كلّ نعيمٍ و لذّةٍ و راحةٍ من آثار الرحمة، و كلّ ألمٍ و عذابٍ و نقمةٍ من آثار الغضب. و لكن يجب أن يُعلم انّ الرحمة ذاتيّةٌ و الغضب عرضيٌّ، فلولا الكفر و المعصية لم يكن غضبٌ و لم يخلق جحيمٌ» [14] .

هذا بعض أقواله و آرائه. و حذراً من الإطالة ذكرنا خمسة عشر منها فقط، و هي من آرائه المبثوثة في مطاوي المجلد الأوّل - حسب تجزئتنا -؛ و من تفحّص الكتاب بأسره يحصّل علي قسطٍ وافرٍ منها.

و له رأيٌ خالف به كثيراً من المثقّفين المسلمين، و لقدره البالغ بين آرائه يجب علينا الاكتراث به؛ و هو القول بأنّ حقيقةً واحدةً لها عوالم متعدّدة و أحكام مختلفة. و هذا القول من مبانيه الّتي جري عليه في جميع شرحه، بل هو من آرائه الأساسيّة البنّاء. إليك تفصيله من كلامه:

«انّ حقيقةً واحدةً لها عوالم متعدّدة و أحكامٌ مختلفةٌ، بل لكلّ موجودٍ في هذا العالم من الجواهر و الأعراض عوالم متعدّدة فوق هذا العالم، نسبة الأسفل إلي الأعلي نسبة الشهادة إلي الغيب و نسبة البدن إلي الروح و نسبة الظلّ إلي الشخص. مثاله صورة المحسوس في الخارج، فانّها كثيفٌ مادّيٌّ قابلٌ للانقسام، فإذا ارتسم في القوّة الباصرة زال عنه كثيرٌ من النقائص و بقي الكثير - كأصل المقداريّة و اللون و الحاجة إلي المحلّ المركّب من الأضداد و شرائط المقابلة و الوضع إلي ما أخذ منه أو ما في حكمه -؛ و إذا ارتفع إلي عالم الخيال خلص عن بعض النقائص و العيوب و بقي البعض؛ ثمّ إذا جاء إلي عالم العقل تجرّد و تطهّر عن النقائص و العيوب كلّها إلّا الإمكان و الحدوث؛ فإذا رجع إلي ما في عالم اللّه و عالم الأسماء الإلهيّة و صور الأعيان الثابتة الّتي غير مجعولةٍ مقدّسةٍ عن جهات الكثرة و الإمكان كلّها - فانّ صورة علم اللّه من حيث هي صورةٌ علميّةٌ واجبةٌ بوجوبه، و كذا الحال في جميع الذوات و الصفات؛ لأنّ العوالم المترتّبة في الشرف و الدناءة كلّها صور ما في علم اللّه و منازل صفاته و آياته، و هذه النقائص و الشرور انّما لحقتها في هذا العالم و في المراتب النازلة لبُعدها عن منابع الخيرات. و بالجملة ما من شي ءٍ في هذا العالم إلّا و ينتهي أصله و سرّه إلي حقيقةٍ إلهيّةٍ و سرٍّ سبحانيٍّ و أصلٍ ربّانيٍّ و مطلعٍ أسمائيٍّ و شرفٍ قيّوميٍّ، و يكون نحو وجوده في عالم الوحدة الجمعيّة الإلهيّة معرّاً عن كلّ كثرةٍ و شوبٍ مبرّاً عن كلّ نقصٍ و عيبٍ؛ و هكذا في جميع ما ينسب إليه - تعالي - من الصفات التشبيهيّة - كالحياء و الغضب و الانتقام و الرحمة و الرضا و الصبر و الشكر و القبض و البسط و السمع و البصر و الشوق و اللطف و ما أشبهها، و كذلك اليد و اليمين و القلم و اللوح و الكتابة و الذهاب و المجي ء و الجنب و القدم و الوجه و العين و ما يجري مجراها -. فمن عرف ما ذكرناه فتح علي قلبه بابٌ عظيمٌ من علوم المكاشفة» [15] .


پاورقي

[1] راجع: نصّ الكتاب ج 1 ص 28.

[2] راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 35.

[3] راجع: نفس المصدر و المجلّد 55.

[4] راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 63.

[5] راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 74.

[6] راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 110.

[7] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 117.

[8] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 124.

[9] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 163.

[10] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 254.

[11] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 259.

[12] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 357.

[13] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 487.

[14] راجع: نفس المصدر و المجلّد أيضاً ص 550.

[15] راجع: نفس المصدر ج 3 ص 12.