بازگشت

مادة الكتاب


لاريب في أنّ الغالب علي كلّ مؤلَّفٍ ما هو الغالب علي شخصيّة مؤلِّفه الثقافيّة، إذ كلّ من يريد أن يؤلّف أثراً أو يشرح متناً أو يعلّق عليه، ينظر إلي موضوع أثره أو المتن المشروح و المعلّق عليه من الوجهة الّتي غلبت عليه و ظهرت فيه.

و هكذا الأمر فيما نحن فيه، فالأديب ينظر إلي الصحيفة نظراً أدبيّاً؛ و المحدّث نظراً حديثيّاً، و الحكيم نظراً حِكْميّاً؛ و كلٌّ يجد ضالّته فيها و يشرح منها ما هو الأهمّ في رأيه و نظره.

و قد مضي منّا في البحث عن حياة المؤلّف و شخصيّته انّ الموسويّ حكيمٌ عارفٌ غلب عليه الإعتناء بما يتعلّق بالعقليّات و المعارف الإلهيّة، فالسمة الغالبة علي شرحه هذا هي السمة الحكميّة العرفانيّة. و هذا مضافاً إلي ما أودع في كتابه و ملأه منه، يظهر من عبارتين جرتا علي قلمه الشريف. و هاتان العبارتان تناديا بأعلي صوتهما بأنّ شارحنا كان ينظر إلي المتن و كذا إلي الشرح ككتابين غلبت عليهما المباحث الحكميّة و المعارف الإلهيّة. فالمتن يحتاج حاجّةً ماسّةً إلي الشرح من هذه الجهة، و الشرح غلبت عليه هذه المعارف أيضاً من نفس الجهة؛ إليك العبارتان:

العبارة الأولي: و هي الّتي وقعت في مبتدء الكتاب عند التعريف بالصحيفة، فيقول الموسويّ فيها:

«لمّا كانت الصحيفة السجّاديّة مشتملةً علي أنوار حقائق المعرفة الربوبيّة و أسرار دقائق الحكمة الإلهيّة و أثمار حدائق البلاغة و الفصاحة البيانيّة ما لم يبلغ إلي أدني درجته لا فلسفة الفلاسفة السابقة و لا حكمة الحكماء اللاحقة و لافصاحة الفصحاء السالفة، حتّي تجري مجري التنزيلات السماويّة و تسري مسري الصحف اللوحيّة و العرشيّة الّتي يلقّبها العلماء و العظماء «زبورآل محمّدٍ» و «إنجيل أهل البيت» - عليه و عليهم صنوف الآلآء و التحيّة -، فلذا لايمسّها إلّا المطّهرون عن الأنجاس الطبيعيّة و الأرجاس البشريّة المتخلّصون من قيود هذه العلوم الرسميّة و المتجرّدون عن هذه الفنون البحثيّة، لأنّ شيئاً منها لايفيد للعقل بصيرةً إلّا غشاوةً علي غشاوةٍ و لاللقلب تنويراً إلّا ظلمةً بعد ظلمةٍ» [1] ؛

و العبارة الثانية هي الّتي أوردها في مختتم الكتاب في مقام التعريف بشرحه، فالعبارة تُسْدل الستار عن موقف المؤلِّف تجاه مؤلَّفه، و هي:

«الحمد للّه علي إعطاء هذه النعمة السنيّة و العطيّة البهيّة و المكرمة الفخيمة و الموهبة العظيمة، الّتي لايظفر بمثلها إلّا بعنايةٍ من الحضرة الأحديّة و إعانةٍ من الحضرة المحمّديّة و رعايةٍ من الحضرة الولويّة و أولاده الطيّبة الطاهرة، سيّما صاحب هذه الصحيفة السجّاديّة - عليهم صلوات اللّه مادام يتلو الصبح العشيّة -.

و المرجوّ من الإخوة المخصوصين بالأذهان الوقّادة و العُصبة الموصوفين بالأفهام النقّادة أن لايغفلوا عن دقائق مبانيه و حقائق معانيه و فنون بدائعه و أنواع صنائعه و ما رشّحت به عباراته و وشّحت به فقراته من المحاسن اللفظيّة و المعنويّة و النكات البيانيّة و البديعيّة، و ما اشتملت عليه من المسائل الكلاميّة و العقائد الإسلاميّة و العلوم الحكميّة و المعارف العرفانيّة، و ما انطوت عليه من الأسرار الجبروتيّة و الرموز الملكوتيّة و الدقائق التنزيليّة و الحقائق التأويليّة المتعلّقة بهذا التنزيل السماويّ؛ و لعمري! انّه نفائس تحقيقاتٍ كأنّهنّ اللؤلؤ و المرجان، و عرائس تدقيقاتٍ «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ» قبلي «وَ لَاجَانٌّ»، و مخدّرات أسرارٍ تتهادي في حلل الأطهار - تهادي البيض الحسان -، و مستورات رموزٍ يستشرف لكشف القناع عن محياها أعناق الأعيان» [2] .

و العبارتان و إن كفتا في تبيين المراد و لكن نثلّثهما بثالثٍ، و هي ديباجة الكتاب المشتملة علي صنعة براءة الإستهلال، و هي:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

و به نستعين

الحمد للّه الّذي كان مختفياً في غيب الهويّة في مرتبة الأحديّة و بالحبّ طلع شمس الحقيقة من أفق الأسمآء و الصفات في مرتبة الواحديّة، ثمّ من لوامع أنوارها الساطعة ظهر الموجودات الأمريّة و الخلقيّة، سيّما روح الانسان الكامل الّذي جعله صحيفةً كاملةً للأسماء و الصفات الجماليّة و كتاباً مختصراً من أمّ الكتاب الّتي هي الحضرة الجمعيّة الإلهيّة المتفرّد في ذاته المقدّسة و المتوحّد في صفاته المتكثّرة عن المثل و الضدّ و الندّ و المشاركة. هو الأوّل الآخر الظاهر الباطن في مراتبه الأوّليّة و الأبديّة، المتعالي عن الاشارات العقليّة و المتقدّس عن التحديدات الإمكانية. لا خلقه فيه و لا هو في خلقه، علا و دني و ظهر و تجلّي و هو بالمنظر الأعلي، غيرمحسوسٍ و لا محبوسٍ، لا تدركه الأبصار و لا تمثّله الأفكار. احتجب بالأنوار قبل خلق الليل و النهار، العزيز الجبّار القويّ القهّار العظيم الغفّار. عصي فغفر و أطيع فشكر، لاتحويه أرضه و لا تقلّه سماواته، الّذي كلّت عن ادراك صفاته ألسن الواصفين و قصرت دون بلوغ ذاته أفكار المتفكّرين. فانظر - أيّها الطالب للحقّ و اليقين! - في أمر حقائق المهيّات الامكانيّة حيث أثبتها أوّلاً بعلمه الذاتيّ الأزليّ علي نفسه المقدّسة الإلهيّة، ثمّ أبدعها ثانياً بقوله و كلامه في عالَم قضائه و قدره الإجماليّة و التفصيليّة، ثمّ حكم برجوع كلّ شي ءٍ إليه و عروجه إلي ما لديه في النهاية علي عكس ترتيب الصدور منه في البداية، لأنّه الفاعل و الغاية؛ فسبحان الّذي منه المبدء و إليه المعاد في قوسي النزول و الصعود من الدائرة المعلوليّة.

و الصلوة و السلام علي أشرف بني النوع الإنسانية، الّذي هو البرزخ الجامع بين الوجوب و السلسلة الامكانية و واسطة ايجاد النفوس و الأرواح الفلكية و الحيوانية، و الثمرة الحاصلة من وجود الأجسام و الأجرام الأثيريّة و العنصريّة و السبب في رجوع الكثرة إلي الوحدة الحقيقيّة، الّذي عرج بجسده إلي العالم الأعلي فجاز طبقات السماوات العُلي «ثُمَّ دَنَي فَتَدَلَّي - فَكَانَ قَابَ قَوسَيْنِ أَو أَدْنَي - فَأَوحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوحَي» فتلقّي من ربّه الأعلي كلماتٍ و حِكَم شتّي، به تمّ كمال مرتبة نبوّته و صار خاتماً للأنبيآء، و له السلطنة الصغري و الكبري؛

و بوصيّه - الّذي نصبه يوم الغدير و نصّ عليه بالنصوص الخفيّة و الجليّة - كملت دائرة الولاية؛ و بآله المطهّرين عن الأرجاس الطبيعية - بنصّ الآية الشريفة - انتهت سلسلة العصمة و الإمامة، و بأمّته - الّذين هم خير الأمم السالفة - قامت القيامة».

و لذلك نري الكتاب يصفه العلّامة الطهراني بقوله:

«أدقّ من شرح ابن ميثم كما حكاه جماعةٌ» [3] .

و لاريب في أنّ الجامع بين هذا الشرح و «شرح» ابن ميثم البحراني علي «النهج» هو الغور في الحكميّات و النظر فيما يتعلّق بالمعارف الإلهيّة.

هذا من جهةٍ.

و أمّا من جهةٍ أخري فانّ «اللوامع» لايقتصر علي تبيين معضلات المتن الفلسفيّة و الحكميّة فحسب، بل فيه ما يبتغيه طالبوا الأدب و الفقه و الحديث و غيرها من فنون العلوم الإسلاميّة. و لاغرو! فانّ الظروف الأساسيّة الّتي دعت الموسويّ إلي تدوين هذا الشرح قضت بأن تكون مادّة الكتاب جامعةً لما بُثّ في غيره من الشروح. و هذه الظروف الأساسيّة يبيّنها الموسويّ نفسه حيث يقول في مبتدأ الكتاب معلناً لما دعاه إلي تدوين هذا الشرح مشتكياً من زمانه و أهله:

«انّ في زماننا هذا دفاتر العلوم مطويّةٌ و رسومها مندرسةٌ و ألوية الجهل مرتفعةٌ - فصار الجهل مطلوباً و النقص كمالاً و الحمق جمالاً و الكمال وبالاً و الحكمة ضلالاً و الفضل فضولاً و الهزل مقبولاً و البدعة سنّةً و الضلالة حكمةً و الغواية درايةً و السعاية روايةً و المهانة فطانةً و الخيانة أمانةً و السفاهة نباهةً و الاباحة إزاحةً؛ و مع هذا ألهمم قاصرةٌ و الأزمنة غير مساعدةٍ و الدهور مفسدةٌ و الإخوان بلامودّةٍ، بل خائنة و كلّهم مبتلي بالأمراض النفسانيّة و الدواعي الشهوانيّة و العلائق الدنيويّة، غافلين عن المؤاخذات الأخرويّة قاصرين علي العلوم الرسميّة ذاهلين عن المعالم الحقيقيّة و المعارف الربّانيّة و الحكم الإلهيّة؛ و لم يكن لهم خوضٌ في الآيات القرآنية و بطونها و أسرارها المطويّة و لا في الأحاديث النبويّة و فيما روي عن أهل بيت العصمة من الأحاديث و الخُطَب و الأدعية. و عادتهم العناد وشدّة العصبية و دأبهم اللداد و الحميّة الجاهليّة، و بالجملة صفاتهم رديّةٌ و أفعالهم دنيّةٌ و شيمتهم غير مرضيّةٍ، فبالحقيقة هم عبدة الهوي النفسانية و خدمة أصنام القوي الغضبيّة و الشهويّة، كالكفّار الّذين يعبدون الأصنام الخارجية -» [4] ؛

ثمّ بعد الإشتكاء من هذه الظروف القاسية الّتي اشتدّت علي نفسه، يحكي لنا كيف فزع إلي اللّه - سبحانه و تعالي - و التجأ إلي مرتبته العلويّة فتداركته الرحمة الربّانيّة و أفاضت عليه أنوار العلوم الحقيقيّة، فبعد ما وجد ضالّته شرع في شرح الصحيفة الشريفة؛ و هذا نصّه:

«و لمّا أحسست منهم هذه الصفات الخبيثة و الملكات الخسيسة اشتعلت نفسي لكثرة الاضطرار اشتعالاً قويّاً و التهبت فؤادي لشدّة الانضجار التهاباً نوريّاً حتّي كادت أن تكون فانيةً بالمرّة؛ فتوجّهت مضطرّةً إلي الحضرة الأحديّة، فتداركَتْه العنايةُ الأزليّة و نظرتْ إليه العطوفةُ الربّانيّة؛ فأفاض عليها مفيض الخير و الجود أشيآء كثيرةً من أسرار الوجود و أفادها مظهر الأمور الخفيّة و منوّر المهيّات المظلمة بعضاً من الكنوز العرشيّة و الرموز الفرشيّة المودَعة في هذه الصحيفة؛ فشرعت - خيرةً من الحضرة الأحديّة و الحقيقة المحمّديّة و أهل بيته الطاهرة؛ سيّما صاحب هذه الأدعية - في شرحٍ لها يذلّل منها الألفاظ الصعبة و المعاني الدقيقة، و يكشف منه الأسرار الجبروتيّة و الرموز الملكوتيّة و الدقائق التنزيليّة و الحقائق التأويليّة المتعلّقة بهذا التنزيل السماويّ» [5] .

و العبارة إن دلّت علي شي ء فهي تدلّ علي أنّ الموسويّ كان ينظر إلي الصحيفة و تدوين شرحٍ عليه كمفرٍّ يفرّ إليه من هجمة جهلالة أهل زمانه، بل أهله و إخوانه. فلذا نراه يطالع في مصنّفات أكابر المسلمين ليلتقط دررها و ينتظمها في سلكٍ واحدٍ يجعله كشرحٍ علي هذا المتن المبارك. كلّ ذلك إضافةً إلي آرائه الخاصّة الّتي أودعها في كتابه.

فإذن يمكن لنا أن نحصّل علي نتيجةٍ؛ و هي: انّ مادّة «اللوامع» تتشكّل من نقاطٍ رئيسيّةٍ يمكن حصرها في نقاطٍ أربع:

1 - الشروح و التعاليق المدوّنة علي الصحيفة الشريفة المتقدّمة علي شرحه؛

2 - متون اقتبس منها أشياء و لكن لم تُذكر أساميها؛

3 - متون أخري اقتبس منها أيضاً مع المحافظة علي ذكر أساميها؛

4 - انتاجاته العمليّة و آراؤه الخاصّة الّتي أظهرها في هذا الكتاب و أودعها فيه في صورٍ شتّي، كنقدٍ علي قولٍ، أو بيان نكتةٍ حول عبارةٍ، أو تدوين فصلٍ خاصٍّ لتبيين ما هو المهمّ في تلك المسألة.

و هذا الترتيب - في رأيي - يمثّل لنا مادّة الكتاب كمّاً؛ فأكثر موادّ الكتاب مأخوذٌ من الشروح المتقدّمة عليه - و سنفصّل هذا القول عند الكلام علي منهجيّة الكتاب -، و من بعده فالغالب ما هو المأخوذ من بعض مصنّفات علماء المسلمين الحكميّة و الكلاميّة مع عدم المحافظة علي ذكر أساميها. فنراه يتجوّل في آثار الحكماء و المتكلّمين لاصطياد ما هو الصائب في نظره.

و أشير - كنموذجٍ فقط - إلي ما التقطه من «تفسيري» فخرالدين الرازي و صدرالدين الشيرازي، و «شرحي» صدرالدين و ثاني المجلسيّين علي «الأصول من الكافي» الشريف.

و الثالث: ما أورده في كتابه مقتبساً من مسفورات علماء المسلمين مع ذكر أساميها، و الغالب عليها الزبر الحكميّة و العرفانيّة و الكلاميّة.

إليك قائمةٌ أبتثيّةٌ تشتمل علي أسامي هذه الكتب:

1 - إحياء علوم الدين.

2 - الأربعين للرازي.

3 - الأسفار (:الحكمة المتعالية).

4 - الإشارات و التنبيهات.

5 - إصطلاحات الصوفيّة.

6 - اعجاز البيان.

7 - الإقتصاد في الإعتقاد.

8 - الإقتصاد الهادي إلي طريق الرشاد.

9 - تجريد الإعتقاد.

10 - تحقيق اللذّات للرازي.

11 - تعليقات الخفري علي الشرح الجديد.

12 - التفسير الكبير للرازي.

13 - التلويحات.

14 - تنزيه الأنبياء.

15 - جامع الأسرار.

16 - حكمة الإشراق.

17 - الحكمة المشرقيّة.

18 - حلية الأولياء.

19 - حواشي الدواني علي التجريد.

20 - رسالة المحقق الطوسي الّتي بعثها إلي بعض معاصريه.

21 - رسالة اثبات الواجب للتبريزي.

22 - الشجرة الإلهيّة.

23 - شرح الإشارات للطوسي.

24 - شرح اصول الكافي للشيرازي.

25 - الشرح الجديد للقوشجي.

26 - شرح حكمة الإشراق.

27 - شرح عيون الحكمة للرازي.

28 - شرح الفصوص للقيصري.

29 - شرح المقاصد.

30 - شرح منازل السائرين.

31 - شرح المواقف.

32 - الشفا.

33 - عوارف المعارف.

34 - الفتوحات المكّيّة.

35 - فصوص الحكم.

36 - كتاب رسالةٍ في التقيّة و الإذاعة.

37 - اللمعات.

38 - المباحث المشرقيّة.

39 - المبدأ و المعاد لابن سينا.

40 - المثنوي.

41 - المحصّل.

42 - مشارق أنوار اليقين.

43 - مفاتيح الغيب للشيرازي.

44 - نبراس الضياء.

45 - النجاة.

46 - نقد المحصّل.

مضافاً إلي ما اقتبسه من «أثولوجيا».

و الرابع ما هي حصيلة مطالعاته و تحصيلاته في شتّي العلوم و الفنون؛ و هي آراؤه الخاصّة و أقواله المبكّرة الّتي أودعها بين حينٍ و حينٍ في مطاوي كتابه.


پاورقي

[1] راجع: نصّ الكتاب ج 1 ص 4.

[2] راجع: نصّ الكتاب أيضاً ج 5 ص 591.

[3] راجع: «الذريعة» ج 13 ص 347 ذيل الرقم 1286.

[4] راجع: نصّ الكتاب أيضاً ج 1 ص 5.

[5] راجع: نفس المصدر.