بازگشت

بين يدي الكتاب، المؤلف و المؤلف


من الواجب علي كلّ محقّقٍ يحقّق كتاباً أو دارسٍ يدرّس رأياً، أن يرسّم ما يعرّف صاحب الكتاب أو الرأي، ليكون الناظر في التحقيق أو الدراسة علي بصيرةٍ حولهما؛ و هذا أمرٌ لابدّ منه.

و لكن - مع الأسف! - لاعلم لي بحياة المؤلّف، و كلّ ما نعلم منه - مع قرب عهده بنا - لايتجاوز عن نكتٍ مبثوثةٍ في بعض المصادر؛ و هذه النكت لاتعطي صورةً جامعةً تتمثّل في أذهاننا مثالاً عن شخصيّته و حياته و ثقافته. و هذه المعلومات مع تضارب بعضها بعضاً في شتّي النواحي، أكثر ماتكون حول ثقافته، أمّا حول سوانح حياته و مايرجع إليها فعلمنا أقلّ من القليل.

و هذه القلّة تبعث الحزن في نفسي، و في نفوس كلّ الّذين يرون بعض علمائنا - ولو من المتأخّرين! - كأنّهم لم يعيشوا بين المسلمين، و لم يكونوا أحياء حتّي يُذكروا أو يدوّن ما يرجع إليهم في ما يختصّ بالتراجم و طبقات العلماء.

و هيهنا أدوّن و أولّف ما وجدت حول حياته و ثقافته، و هذا و إن كان فيه شي ءٌ من التكرار و لكن «هو المسك ما كرّرته يتضوّع»؛ سائلين من العليم القدير أن يعصمنا من الخطأ و الزلل.

أمّا اسم المؤلف و لقبه، فهو - كما كتبه بعض أحفاده علي ظهر نسخةٍ من شرح الصحيفة [1] -: «الحاج ميرزا محمّد باقر الموسويّ الشيرازيّ الملقّب بالملاباشي».

و لاعلم لنا بأنّه هل كنّاه أبوه بكنيةٍ؟ أم لا، و ما هذه الكنية؟؛ لانعلم. كما لانعلم شيئاً عن تأريخ ولادته.

نعم!، هناك عبارةٌ تفيدنا في المقام، و هي ما ذكره الشيخ عبدالنبي القزوينيّ في «تتميم أمل الآمل» بما نصّه:

«شابٌّ حصّل في مقتبل عمره... و هو - دام ظلّه - مع حداثة سنّه يدرّس...» [2] .

علماً بأنّ التتميم - كما قيل - ألّف في سنة 1191 ه ق؛

و علماً أيضاً بأنّ الموسويّ عاش بعد هذا التأريخ إلي مايقرب من نصف قرنٍ. فلوفرضنا انّ مدّة حياته تستغرق مدّةً لاتقصر عن حياةٍ عادّيّةٍ و لاتطول عنها - و هذا الفرض يؤيّد حين نري أنّ مترجميه و منهم حفيده، لم يشيروا إلي حياةٍ غير عادّيةٍ له -، نحصّل علي نتيجةٍ، و هي: انّ ولادته كانت في العشر السادس من القرن الثاني عشر، أي حوالي سنة 1160 أو مايزيد عليها بسنين قليلة.

و هذا يوافق التعبيرين اللذَين وقعا في كلام القزويني، و هما قولاه: «شابٌّ»، و: «مع حداثة سنّه»؛ إذ علي ما قلنا يكون سنّه عند ما كتب عنه القزويني ما يقلّ عن ثلاثين سنة.

أمّا أسرته - رحمه اللّه -، فقد كان من أسرةٍ ثقافيّةٍ جمعت بين علوّ النسب و شرافة العلم و الفضيلة. فنسبه - رحمه اللّه - يتّصل إلي الإمام الهمام موسي بن جعفرٍ الكاظم - عليهما السلام - بثلاثٍ و أربعين واسطة [3] . و كانت آباؤه منذ ستّة طبقات من أهل الطبابة حاذقين فيها.

فجدّ جدّ جدّه الحكيم سلمان الموسويّ وُلد بجهرم، ثمّ سافر في تحصيل الطبّ فبرز في جزئيه العلميّ و العمليّ، ثمّ لبّي دعوة السلطان الصفوي العبّاس الأوّل فهاجر إلي إصفهان و نال إقبالاً شديداً من قبله و حظي منه حظّاً وافراً حتّي لُقِّب ب: «حكيم باشي» - أي: الطبيب الخاصّ -. و كان يقوم بأمر طبابة السلطان و ذويه.

و من بعده إبنه المسمّي الميرزا أحمد وقع في محلّه و نال ما نال؛

و من بعده إبنه الميرزا محمّد رضا؛

و من بعده إبنه الميرزا محمّد عليّ؛

و من بعده إبنه الميرزا محمّد حسين، و هو الّذي هاجر من إصفهان و رجع إلي شيراز بعد فتنة أفغان الهائلة، و كان هناك في خدمة النوّاب محمّد تقي خان الشيرازي حاكم فارس؛

و إبنه الفاضل الميرزا سيّد محمّد - و الّذي ورث لقب آبائه (: حكيم باشي)، و لذا كان يُدعي ب: ميرزا محمّد حكيم باشي - كان من عمّال سلطان السلسلة الزنديّة كريم خان، ثمّ اتّصل بالسلطان القاجاري محمّد خان، فكان محترماً عنده حتّي توفّي سنة 1215 في مدينة شيراز.

و كان له ثلاث بنين:

أرشدهم و أعلمهم هو الميرزا محمّد باقر الّذي نحن بصدده الآن، و سنرجع إلي الكلام حوله؛

ثمّ الحاج الميزا محمّد حسين، الّذي لُقِّب بعد أخيه الأكبر ب: ملّاباشي، و قد مات سنة 1265؛

و الثالث: الحاج الميرزا رحيم الملقّب بلقب أجداده، فكان يُدعي ب: ميرزا رحيم حكيم باشي. و كان يُدعي في بعض الأحيان ب: منشي الممالك أيضاً. و له نظمٌ رائقٌ تخلّص فيه ب «بيدل». مات سنة 1230 بقم.

قلنا انّ آباء الموسوي منذ ستّة طبقات كانوا مشتغلين بعلم الطبّ و عمله، و لكنّه - رحمه اللّه - انصرف عمّا اشتغل به آباؤه و فارغ نفسه عن الطبابة، بل اشتغل بغير الطبّ من العلوم؛ قال العلّامة الحسيني الفسائي في هذا الشأن بما هو نصّه:

«اگر چه آباء و اجداد او به حذاقت در طبابت معروف بودند و مواظبت مزاج سلاطين و امرا مي فرمودند، ولي خاطر جناب او از عمل طبابت رميد و اوقات را اشرف از آن ديد، پس در خدمت محقّقين از حكما و مدقّقين از فضلا استفاده نمود...» [4] .

و لكن - مع الأسف! - لاعلم لنا بأساتذته، كما لانعلم شيئاً عن مدّة تعلّمه و كيفيّته. نعم! قال بعض أحفاده في ترجمته:

«... و كان - عليه الرحمة - من أفاضل تلامذة أستاد المجتهدين مجدّد الملّة في رأس المأة الثالثة عشر الأستاذ الأعظم آقا محمّد باقر البهبهاني - قدّس سرّه -، و بعد تكامله رجّ إلي شيراز و توطّن...».

و العبارة تفيد بأنّه استفاد من البهبهاني في العتبات في ما نبغ و برع فيه البهبهاني، و هو الفقه و الأصول؛ و لكن العلّامة الشيخ الدواني ذكره في عداد معاصري البهبهاني، لاتلامذته، قال:

«و از معاصران استاد اكبر آقا باقر بهبهاني و سيّد مهدي بحرالعلوم بوده است» [5] .

و يؤيّد هذا: عدم ذكره في قائمة تلامذة البهبهاني [6] ؛

و عدم إشارة كلّ من ترجم له إلي هذه الإستفادة؛

و عدم اشتهاره بمدارسة الفقه و أصوله.

و كيف كان، فإنّه كان يعدّ من مدرّسي الحكمة و ما إليها من الكلام و غيره؛ قال حفيده:

«و بعد تكامله رجّ إلي شيراز و توطّن، و بقي مشغولاً بنشر العلوم و المعارف».

و قال معاصره القزويني:

«... يدرّس الكتب الكبار بأحسن تقريرٍ قد تَوَلَّهَ الطلبة من حسن تقريره و بديع بيانه».

ثمّ وصفه بقوله:

«له مهارةٌ في الحكمة و الكلام و العربيّة» [7] .

و له دربةٌ بهذه العلوم و غيره؛ قال الشيخ القمّي في ترجمته:

«حاوي فروع و اصول و جامع معقول و منقول، سالك مسالك شريعت و طريقت و حقيقت... مجموعه فضل و دانش» [8] ؛

و عن العلّامة الطهراني:

«... عالمٌ متبحّرٌ... كان من خيار العلماء و أفاضلهم» [9] ؛

و وصفه التبريزيّ أيضاً بقوله:

«از افاضل عهد فتحعلي شاه قاجار... بود» [10] .

و هذه المكانة العلميّة تسبّب أنْ يدعي إلي محضرالحكّام، فكان حيناً من دهره معاشراً لفرمان فرما حسين علي ميرزا، الّذي كان والياً علي ناحية الفارس؛ قال العلّامة الفسائي:

«و مدّتها بلقب و منصب ملّاباشي نواب اشرف والا فرمان فرما حسين علي ميرزا برقرار بود» [11] .

و حكي العلّامة الشيخ الطهراني عن بعضهم: انّ الشيرازي كان

«يعرف بالمعلّم، و لعلّ ذلك تعريب لقبه ملّاباشي». [12] .

و هذا اللقب لم أعثر عليه بين مصادر ترجمته.

فكيف كان، فانّ لقبه الخاصّ به (:الملّاباشي) بقي عليه ما كان حيّاً، ثمّ لُقِّب به أخوه الحاج الميرزا محمّد حسين، ثمّ لقِّب به أهله و أسرته؛ قال الشيخ القمّي:

«و اين سيّد بزرگوار سلسله او بلقب ملّاباشي ملقّبند» [13] .

أمّا وفاته، فقد أجمع مترجموه علي أنّها وقعت في سنة أربعين و مأتين بعد الألف من الهجرة النبويّة - علي مهاجرها الآف السلام و التحيّة -، و قال حفيده:

«دفن في السراب الخاصّ بمرقده الشريف الواقع في وسط الصفة الشماليّة من الدكّة الحافظيّة».

هذا كلّ ما نعلم منه. و قد ورد ذكره في بعض الكتب المتأخّرة و لكن من دون تفصيلٍ [14] .


پاورقي

[1] نأتي بتوضيحٍ جامعٍ حول هذه النسخة و ما كتبه هذا الحفيد علي ظهرها، فانظر: نهاية هذه التقدمة، فصل نسخ الكتاب و طبعه.

[2] راجع: «تتميم أمل الآمل» ص 80 الرقم 34.

[3] هذا كما ذكره حفيده في عمود نسبه؛ و هو يحتاج إلي التدقيق.

[4] راجع: «فارس نامه ناصري» ج 2 ص 113.

[5] راجع: «وحيد بهبهاني» ص 167.

[6] فانظر مثلاً: «الفوائد الحائريّة» المقدّمة ص 19، مبحث تلامذة البهبهاني.

[7] راجع: «تتميم أمل الآمل» ص 80 الرقم 34.

[8] راجع: «فوائد الرضويّة» ص 425.

[9] راجع: «الكرام البررة» ج 1 ص 190 الرقم 393.

[10] راجع: «ريحانة الأدب» ج 1 ص 303.

[11] راجع: «فارس نامه ناصري» ج 2 ص 113.

[12] راجع: «الذريعة» ج 13 ص 347.

[13] راجع: «فوائد الرضويّة» ص 425.

[14] فانظر مثلاً: «تحرير ثاني تاريخ حكماء و عرفاء متأخّر بر صدرالمتألّهين» ص 135 الرقم 15، «حكيم متألّه بيدآبادي احياگر حكمت شيعي در قرن دوازدهم هجري» ص 83.