بازگشت

ولادته و نشأته


ولد رحمه الله ليلة السبت الخامس عشر من جمادي الاولي سنة 1052 ه في المدينة المنورة [1] ، و لذا لقب بالمدني، و نشأ و ترعرع فترة طفولته و صباه فيها و بجوار مكة المكرمة، و قد سافر أبوه الفاضل الاديب السيد نظام الدين أحمد الي حيدر آباد في الهند بطلب من السلطان عبدالله قطب شاه حيث زوجه ابنته، و بقي السيد ابن معصوم في أحضان والدته، و هي كما في المحكي عن سلافة العصر [2] ابنة الشيخ محمد بن أحمد المنوفي، امام الشافعية بالحجاز المتوفي سنة 1044 ه، و قال صاحب رياض العلماء [3] نقلا عن المترجم له بخط بعض الافاضل من سلسلة السيد المدني في طي بعض المواضع حيث قال: «و أما نسبي من جهة الام فأكون ابن القانتة بنت غياث الحكماء بن صدر الحكماء».

و قد اشتغل السيد ابن معصوم (قدس سره) خلال فترة صباه بطلب العلم [4] الي أن سافر الي حيدر آباد بطلب من والده، اذ غادر مكة المكرمة في ليلة السبت السادس من شهر شعبان سنة 1066 ه، فوصل الي حيدر آباد يوم الجمعة لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة 1068 ه كما هو المحكي عن سبحة المرجان [5] .

و ظل السيد علي خان في رعاية والده الطاهر في حيدر آباد الي أن توفي، أبوه سنة 1086 ه [6] .

و المحكي عن سبحة المرجان [7] ، ان السيد المدني أمضي في حيدر آباد ثمان عشرة سنة، اغترف خلالها العلم، خاصة من رواد مجلس أبيه الذي كان منتدي يلتقي فيه العلماء و الادباء، و خلال هذه الفترة ألف كتاب الحدائق الندية في شرح الصمدية، و في ختام الكتاب قال كلاما يوحي ببعض ملامح العصر الذي عاش فيه خلال تلك الفترة حيث قال:«و كان الفراغ من تبييض هذا الشرح المبارك مع تشويش البال و كثرة الهم و البلبال، و كوني في زمان و بلاد قد كسدت فيها سوق الفضل و طلابه، و قامت دولة الجهل و أحزابه، فلم يعرف من العلم الا اسمه، و لم يبق منه أثر. و لو لا أن خشيت المبالغة قلت: الا رسمه، صبيحة يوم الاثنين لثلاث عشرة خلون من جمادي الاخرة احدي شهور سنة تسع و سبعين و ألف، أحسن الله ختامها و أكمل علي أحسن نسق نظامها و ذلك بالديار الهندية» [8] .

و تولي خلال هذه المدة مناصب هامة في الدولة الي أن توفي والده سنة 1086 ه، و توفي بعده السلطان عبدالله قطب شاه.

أما سبب خروجه من حيدر آباد فالمحكي عن سبحة المرجان: «لما علم أن خصوم أبيه يدبرون المكائد للقضاء عليه خرج من حيدر آباد سرا متوجها الي السلطان محمد أورنك زيب شاه في (برهان پور) فجدوا في طلبه ولكنهم لم يلحقوا به، و الي هذه الحادثة يشير بقوله:



و حثوا الجياد السابحات ليحلقوا

و هل يلحق الكسلان شأو أخي المجد



فساروا و عادوا خائبين علي رجا

كما خاب من قد بات منهم علي وعد [9] .



و أما في المستدرك فقد ذكر ان السيد المدني (قدس سره) وصل برهان پور باستدعاء من السلطان ولاقاه هناك [10] بينما المذكور في روضات الجنات هكذا «ثم لما غلب أورنگ زيب ملك الهند علي تلك البلاد سار الي الملك المذكور، و صار من أعاظم امراء دولة هذا السلطان» [11] .

و مهما كان السبب الذي دعا السيد ابن معصوم الي ترك حيدر آباد و التوجه الي برهان پور، فالمتفق عليه انه (قدس سره) عند وصوله الي السلطان رحب به، و قلده قيادة كتيبة من الجيش تعدادها ألف و ثلاثمائة فارس، و أعطاه لقب (الخان) فعرف بالسيد علي خان، و اصطبحه معه الي أرونك آباد، و لما ذهب السلطان الي بلدة (أحمد نكر) عينه حارسا علي أورنگ آباد فأقام فيها مدة، ثم جعله واليا علي حكومة «ماهور» و توابعها، ثم استعفي من منصبه بعد أن قضي فيها مدة طويلة، ثم ولي رئاسة الديوان في (برهان پور) و أشغل فيها منصة الزعامة مدة سنين، و استمر بعسكر ملك الهند حتي سنة 1114 ه.

و في أول هذه الفترة ألف كتابه «أنوار الربيع في أنواع البديع» و في ختامه يشرح شيئا من حاله و ظرفه الذي عاش فيه خلال هذه المدة فيقول رحمه الله: «و من أحسن الاتفاق أن جاء تاريخ عام التمام، موافقا لحساب طيب الختام، و هو عام ثلاث و تسعين و ألف، و قد وفق الله سبحانه للشروع فيه و الفراغ منه في وقت لا يتصور فيه صحبة قلم لبنان، و لا يتخيل فيه تصور مسألة في جنان، بل لا تقع العين الا علي لمع مهند و سنان، و لا تصحب اليدين الا قائم حسام، و جديل عنان، و ذلك حين المرابطة بثغر العدو من الديار الهندية، و المنازلة المنازلهم في كل صباح و عشية، و السمع لا يعي الا صارخا: يا خيل الله اركبي، أو صائحا لما دهمه: يا غلام قرب مركبي» [12] .

و في سنة 1114 ه حيث طلب من السلطان اعفاءه و السماح له مع عائلته بزيارة الحرمين الشريفين فأذن له، فغادر الهند بعد أن قضي فيها ست و أربعون عاما، و في هذه الفترة أيضا ألف كتابه النفيس «رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين» خلال اثنا عشر عاما، و في ختام كتابه هذا يقول مشيرا الي الظروف و الاوضاع التي كتب خلالها شرحه المذكور فقال: «تم الشرح المسمي برياض السالكين لتسع بقين من شوال المبارك سنة ست و مائة و ألف و لله الحمد» [13] ثم قال: «و الثقة باعدادهم (أي أهل البيت) كنت آيسا من اكماله و اتمامه و اجتلاء بدره من افق تمامه، و ذلك لما منيت به بعد الشروع فيه من تقحم أخطار و أهوال، و تقلب شؤون و أحوال، و تجشم تنقلات و أسفار، و قطع مهامه و قفار.



لا أستقر بأرض أو أسير الي

اخري بشخص قريب عزمه نائي



يوما بخروي و يوما بالعقيق

و يوما بالعذيب و يوما بالخليصاء



و تارة أنتحي نجدا و آونة

شعب العقيق و طورا قصر بتماء



و اني مع تفاقم شروي هذه المصائب، يسدد لمثل هذا الغرض سهم صائب، و متي يتسع مع مثل هذه الاخطار فراغ خاطر لمطالعة أسفار و مراجعة قماطر، لو لا ما ذكرت من أسعافهم عليهم السلام» [14] .

و بعد أن غادر الهند توجه الي مكة المكرمة، فأدي مناسك الحج كما في آخر النسخة الحجرية لكتاب أنوار الربيع [15] ، ثم قصد المدينة المنورة فتشرف بزيارة قبر النبي الاكرم (صلي الله عليه و آله) و قبور ائمة البقيع (عليهم السلام)، ثم عرج علي العراق فحظي بزيارة العتبات المقدسة في النجف و كربلاء و الكاظمية و سامراء.

ثم توجه الي ايران لزيارة مرقد الامام الرضا (عليه السلام) في خراسان، رحل بعدها الي اصفهان عاصمة الدولة الصفوية آنذاك، فوصلها سنة 1117 ه في عهد السلطان حسين الصفوي فأكرمة السلطان و عظمه [16] ، و قد أهدي السيد المدني كتاب «رياض السالكين» الي السلطان حسين الصفوي فمجده و أطراه فيه بعبارات قل نظيرها [17] .

و بعد أن أقام في اصفهان سنين، لم يجد في العاصمة المقام الذي ترتاح اليه نفسه، اختار مدينة شيراز مقرا لسكناه كما هو المحكي عن سبحة المرجان [18] و أصبحت شيراز محط رحله الاخير، و أقام بالمدرسة المنصورية التي بناها جده العلامة غياث الدين منصور، فكان في شيراز زعيما مدرسا مفيدا [19] ، و مرجعا للفضلاء [20] و انصرف بكليته للتدريس و التأليف، و لكن لم يمده الاجل الا سنوات قليلة.


پاورقي

[1] الغدير: ج 11، ص 349، و المحكي عن سبحة المرجان: ص 86، و المحكي عن الدرجات الرفيعه للمترجم له: ص 4، و الذريعة: ج 9 ص 754، و مستدرك الوسائل: ج 3، ص 386.

[2] ص 124 نقلا عن مقدمة أنوار الربيع: ج 1، ص 6.

[3] رياض العلماء: ج 3، ص 364.

[4] الغدير: ج 11، ص 349.

[5] سبحة المرجان ص 86 نقلا عن مقدمة أنوار الربيع: ج 1، ص 6.

[6] الغدير: ج 11، ص 349، و قال الشيخ النوري في مستدرك الشيعة: ج 3، ص 386 «فهاجر ولده اليه في سنة 1066 ه، و لما توفي والده بعد سنة»، و علق علي ذلك صاحب الغدير بقوله: فيه تصحيف [انظر المصدر السابق].

[7] مقدمة أنوار الربيع: ج 1، ص 7.

[8] الحدائق الندية في شرح الصمدية للمؤلف: ص 583.

[9] مقدمة أنوار الربيع: ج 1، ص 7.

[10] راجع مستدرك الشيعة: ج 3، ص 386.

[11] روضات الجنات: ج 4، ص 394.

[12] أنوار الربيع للمؤلف: ج 1، ص 332.

[13] رياض السالكين خاتمة الكتاب.

[14] رياض السالكين: خاتمة الكتاب.

[15] أنوار الربيع: النسخة المطبوعة ج 1، ص 8.

[16] مستدرك الوسائل: ج 3، ص 386.

[17] رياض السالكين: ج 1، ص.

[18] أنوار الربيع: ج 1، ص 8.

[19] الغدير: ج 11، ص 349.

[20] مستدرك الوسائل: ج 3، ص 386.