بازگشت

تدل الصحيفة بذاتها علي ذاتها


من تتبع سيرة الأئمة من آل الرسول المختار (ص)، يجد الصورة الكاملة لهدي القرآن الكريم و صراطه القويم في علومهم و أخلاقهم و أقوالهم و أفعالهم و قد أعلن النبي (ص) هذه الحقيقة في العديد من الأحاديث، منها - علي سبيل المثال - أهل بيتي أمان لأمتي... علي مع الحق، و الحق مع علي... و حديث الثقلين الذي جعلهم عدلا للقرآن، و حث علي التمسك به و بهم... الي سائر الأحاديث المدونة في كتب السنة، و قد جمعها السيد الفيروز آبادي في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة بأجزائه الثلاثة.

و ليست أحاديث هذا الباب و آياته انشاءا و جعلا لحكم نزل من السماء كوجوب الصوم و الصلاة، و انما هي صورة تعبيرية عن واقع عياني محسوس ينطق بكل وضوح أن أهل البيت مع الحق، و الحق معهم بصرف النظر عن كل آية و رواية تماما كما ينطق شعر المتنبي بشاعريته، و مسرحيات شكسبير بعبقريته، و مخترعات اديسون بنبوغه و تفوقه و عليه فلا سبب موجب للبحث عن سند روايات الولاية و الفضائل ما دام متنها و مدلولها ثابتا بالحس و العيان، يقتنع به كل عاقل و يؤمن اذا نظر اليه نظرة محايدة.

و كل ما في الصحيفة السجادية تعظيم و تقديس لجلاله تعالي و كماله، و حمد و شكر لفضله و كرمه، و طلب لتوفيقه و هدايته، و النجاة من غضبه و عذابه و التعوذ من الشيطان و اغوائه، الي كل ما يدخل في موضوع الدعاء و الرجاء. فهل شي ء من ذلك يقبل الجدل و النقاش حتي يستدل عليه بآية محكمة أو رواية معنعنة.

و قد يقال: أجل المتن و المدلول في الصحيفة حق كما قلت. و لكن الشك في النسبة الي شخص معين. الجواب: كل ما في الصحيفة السجادية يدل بذاته علي أنها لزين العباد و الامام السجاد (ع) لفظا و معني، لأن كلماتها تحمل أنفاسه الذكية، و تعكس روحه الصافية الطاهرة النقية، و لو نسبت الي سواه لكانت النسبة محل الكلام و الاستفهام. ثانيا: المهم القول و ليس القائل، و كل الحكم و المواعظ الخالدة تتلقاها الأجيال كمسلمات أولية، و في طليعة هذه الحكم الحكمة القائلة: «خذ الحكمة أني كانت» لأنها كالضالة يأخذها صاحبها حيث وجدها عند تقي أو شقي.

و في كتاب قيم أخلاقية في فقه الامام جعفر الصادق (ع) قلت: ان أي حكم و مبدأ لا تناله يد الجعل و التشريع وضعا و رفعا - يعمل به اطلاقا، سواء أسكت عنه الشارع أم نص عليه من باب الاقرار و النصيحة و الارشاد، و مثله لا يبحت عن سنده لأنه تماما كالأمر بتقوي الله و طاعته، و من هذا الباب «اقرار العقلاء علي أنفسهم جائز... علي اليد ما أخذت حتي تؤدي... من غشنا فليس منا.. لا ضرر و لا ضرار» و اذا امتنع في حق الشارع أن يضع حكما ضرريا، يمتنع أيضا في حقه أن يرفعه. فيتعين حمله علي مجرد الارشاد كما أشرنا. و هكذا كل حكم لا تتم الحياة الا به، و يختل نظامها بدونه.

و قد يقول قائل: تحدثت في المقدمة من جملة ما تحدثت عن نفسك، و المفروض أن يكون الحديث عن الكتاب لا عن صاحبه؟.

الجواب: ان علاقة المقدمة بالكتاب لا تحدد بالحديث عنه من كل جهاته و محتوياته، و لا بجهة معينة منه، بل يترك ذلك لميول المؤلف و مشاعره التي تنبع من أعماقه و أفكاره. ثانيا: هل الكتاب الا نفس الكاتب و الكلام لا عين المتكلم؟. أللهم الا مجموعة الأعضاء و الأمعاء. و لا شي ء في الحديث عنها في هذه المقدمة. [1] .


پاورقي

[1] بحث علماء الشيعة في سنة الصحيفة السجادية و اثبتوا صحته بادليل القاطع و من أحب الاطلاع عليه فليرجع الي مقدمة الصحيفة طبعة الشيخ الاخندي.