بازگشت

السعيد من شهد علي نفسه بالتقصير


و الله يعلم أني أستشعر انعامه علي و أرجو عفوه و رحمته، و أخشي من غضبه و نقمته، لعلمي و يقيني بأنه تعالي يبتلي عباده بالسراء و الضراء ليميز الخبيث من الطيب، و لتظهر الأفعال التي يستحق عليها الثواب و العقاب... هذا الي أن نسيان العقاب من أكبر الكبائر عند الله.

و في دعاء عرفة لمولانا الامام الحسين (ع): «الهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرا في فقري! الهي أنا الجاهل في علمي. فكيف لا أكون جهولا في جهلي!» يقول (ع): مهما بلغت من الثراء فأنا في فقر دائم و حاجة مطلقة الي الله تعالي، لأن نفسي و مالي في قبضته و الاشياء كلها رهن بمشيئته، فكيف اذا كنت أفقر الفقراء!. و أيضا بالغا ما بلغت من العلم فأنا أجهل الواقع كما هو في علم الله، لأن علمي يقوم علي الحس و الفهم و الرأي الذي يخطي ء و قد يصيب، هذا ان درست وبحثت و اجتهدت، فكيف اذا أهملت و لم أجتهد!

أبعد هذا يسوغ لعاقل أن يقول: أنا سعيد بطاعة الله، أو بما ألفت و نشرت أليس من الأفضل عند الله و الأجدر بالمؤمن أن يتهم نفسه و يشهد عليها بالتقصير و يقول، ان مر بتصوره خيال أسود: هذا من رجس الشيطان أعوذ بالله منه؟. قال رجل لزاهد عابد حقا و صدقا: رأيت في منامي أنك في الجنة. فقال له: و يحك، أما رأي الشيطان غيري و غيرك يسخر منه؟.

و أي فرق بين من يعجب و يغتر بالمال و الجاه أو التأليف و النشر و بين من يزهو و يفخر بالطاعة و العبادة؟ كلاهما كرة بيد الشيطان. و كل أهل الأديان و المذاهب الباطلة يرون أنفسهم سعداء فيما يدينون. و الشمر رأي نفسه سعيدا بقتل سيد الشهداء، و من قبله ابن ملجم رأي نفسه أتقي الأتقياء. و بعدهما الحجاج. قال ابن الجوزي في كتاب صيد الخاطر: «رأي ابن ملجم قتل أميرالمؤمنين دينا... و لما أرادوا قطع لسانه قال: كيف أبقي ساعة لا أذكر الله! و كذلك الحجاج قال: والله لا أرجو الخير الا بعد الموت! و مثل هذا ما له دواء». و أينا يوقن و يجزم أنه في حرز حارز من الشيطان الذي عبث و لوث في قلب الحجاج و ابن ملجم و ما أشبه؟ أللهم الا الجهول الأحمق، و نعوذ بالله منه و من شيطانه.