بازگشت

مسألة النهج و المبدأ في المواقف


لم تكن مشكلة الامام علي بن الحسين عليه السلام و أهل البيت عموما مع بني أمية مشكلة شخصية، و لم يكن الصراع مع أشخاصهم، و الا لا نتقم من مروان بن الحكم الذي حرض والي يزيد بن معاوية علي المدينة علي أبيه الامام الحسين عليه السلام، ولو جدها فرصة للنيل من كل من حارب و شارك في قتله، و لكنه لم يفعل ذلك، لا لمروءته فقط بل لأن موقف أهل البيت عليهم السلام من بني أمية موقف مبدئي، انه صراع من أجل النهج و الفكر و المبدأ و المسلك، و ليس صراعا مع أشخاص من أجل السلطة أو غير ذلك من الدنيا، لقد كان صراعا ضد النهج الذي جعل طاعة الحاكم واجبة شرعا حتي في معصية الله عزوجل، و ضد النهج الذي يقلب الاسلام من دين و رسالة رحمة للعالمين الي دين يطوع الناس للحاكم الظالم و يذل الشعوب بمل ء ارادتها فتتجرع الظلم و هي مقتنعة بأن هذا يرضي الله عزوجل.

كل هذا كي يحكم الظالم بلا رادع أو معارض من أجل ارضاء نزواته و أهوائه، و يحكم من دون نظر لمصلحة الناس بل لأغراضه فقط [1] .

لقد جعل الله رفض الظلم و الوقوف ضد الظالمين و التصدي لهم واجبا شرعيا، و جعل هذا من صلب الدين و جوهره، و هو العمود الفقري لرسالة رسول الله محمد (ص)، فهناك أكثر من أربعمائة آية قرآنية نذكر منها قوله تعالي: (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار..) (سورة هود / 113).

لقد كان صراعا ضد مسخ الدين و الاسلام، و الانحراف به عن رسالة محمد بن عبدالله (ص)، و لم يكن أبدا صراعا شخصيا أو عشائريا أو عائليا، لقد كان صراعا من أجل المظلومين و المستضعفين من أجل الناس، كل الناس، و قد كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: (لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين و ان يكن جور بها علي خاصة) [2] .

انه نسيان الذات فلا يعيش في الوجدان سوي الدين و العقيدة و الأمة، أما الأمور الشخصية فليست ذات بال. و انظر الي الامام الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام حين كان واقفا في ساحة كربلاء أمام هذه الآلاف المؤلفة يريدون قتله و قد منعوه من الماء و أضحي أهل بيته عطاشي بسببهم، ينظر اليهم و هو يبكي، فقيل له: لم تبكي يا ابن رسول الله، و قد ظن البعض أنه من هول الموقف - فأجابهم: و الله ما عي نفسي أبكي، و لكني أبكي علي هؤلاء القوم فانهم سيدخلون النار بسببي.

و لا أدري، هل يوجد في التاريخ نكران للذات الي هذا المستوي، انه يبكي علي اليد التي ستقتله لأنها ستتعذب في نار جهنم بسببه، و أي نفس أعلي و أسمي، انه يعلمنا أن نحب الناس، كل الناس، و اذا كان لا بد من موقف، فليكن لله و للأمة.


پاورقي

[1] و هذا الموضوع بحثناه في كتاب مستقل عن حركة الامام الحسين (ع).

[2] نهج البلاغة، طبعة دار الأندلس، بيروت / 151.