بازگشت

الامام و الايمان


ان ايمان الامام علي بن الحسين عليه السلام الذي لم يتزعزع هو الذي كان يطلق لسانه علي من يعتذر لمطلق التصرف و يدافع عن الزيغ، فقد رأي أن حرية القول قد يكون خيرها أحيانا أن تقيد أو تسلب و ذلك اذا تعارضت الفردية و مصلحة الجماعة.

مثال ذلك أنه عليه السلام سبه رجل مرة فسكت الامام عنه، فقال له الرجل اياك أعني أجابه الامام قائلا: (و عنك أغضي)، كان هذا التصرف الرائع من الامام عليه السلام نتيجة لايمانه القوي بالله تعالي و هي أعظم ما حفلت به شخصيته من حميد المزايا و كريم الصفات.

لقد كان هذا الامام العظيم مع الايمان روحي في روح شامخين راسخين أمام الحادثات لا يمل واحد منهما - و هما واحد - كلا و لا يلين. و بفضل هذا الايمان القوي كانت نفسه في جميع حالاته كالدولاب ذاتي الحركة تصنع من البغض حبا، و من المرض سلامة، و من الفقر ميسرة، و من الاضطهاد و تحمل الأذي و نكران الجميل قوة و احتمالا.

أجل، كان الامام الزاهد علي بن الحسين عليه السلام مؤمنا بربه مؤمنا بدينه، مؤمنا بنفسه، مؤمنا بأهله، مؤمنا بأصدقائه و مؤمنا بانسانيته، و ايم الحق لو عد أثرياء المكارم في عصر هذا الامام العظيم لكان عليه السلام أعرضهم ثراء و أكثرهم سخاء. و المكرمة لا تكون مكرمة الا اذا أقفلت عليها قلبك و نفسك و عقدت عليها لسانك. فهي مكرمة في تقديمها للعامة و تقديمها للناس. و لقد كان هذا الامام الجليل مناحا للخير يعمل بما فطر عليه من سمو في الغرض و ترفع في الوسيلة.

فعن أبي جعفر قال: (انه كن يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علي ظهره حتي يأتي بابا فيقرعه ثم يناول من كان يخرج اليه، و كان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا يعرفه لئلا يعرفه [1] .

روي عن ابن اسحق أنه قال: (كان بالمدينة كذا و كذا أهل بيت، يأتيهم رزقهم، و ما يحتاجون اليه، لا يدرون من أين يأتيهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك) [2] .

و عن عمرو بن ثابت: (لما مات علي بن الحسين و غسلوه، جعلوا ينظرون الي آثار سواد في ظهره، و قالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جراب الدقيق ليلا علي ظهره يعطي فقراء أهل المدينة [3] .

و عن عمرو بن دينار قال: (حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة، فجعل يبكي. فقال له علي بن الحسين عليه السلام، ما يبكيك؟ فأجابه ما يبكيني أن علي خمسة عشر ألف دينار، و لم أترك لها وفاء: قال: فقال علي بن الحسين عليه السلام لا تبك فهي علي و أنت منها بري ء فقضاها عنه [4] .

و كان عليه السلام اذا قصده سائل يقول له: مرحبا بمن يحمل زادي الي الآخرة. [5] .


پاورقي

[1] مناقب آل أبي طالب ج 3) في صدقته).

[2] الارشاد للمفيد (سلوكه و سيرته (ع) ص 242.

[3] تذكرة الخواص... سبط بن الجوزي ((فضائل علي بن الحسين (ع))).

[4] المرجع السابق نفسه.

[5] المرجع السابق نفسه.