بازگشت

علي الصعيد النفسي


من الميول الفطرية الانسانية التي تشير اليها الآية القرآنية (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) (الروم / 30) و التي لا تتبدل و لا تتغير من الميل الي الجمال و قد أشبعه الله بجمال ذاته و صفاته و فعله و تشريعه و ثوابه كما أسلفنا، و جعله منطلقا الي تذوق الجمال و التأثر به و انبثاق لون من ألوان الابداع البشري المسمي الفن. و من هنا كانت التوءمة بين الفن و الجمال في وصف الفنون بالجميلة.

و كان الأدب من بينها، مما له من حسن و تفوق في البيان و جمع بين خصائص الفنون المختلفة متميزا بخصوصية نوه بها الله في سورة الرحمن ممتنا علي الانسان (الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الانسان (3) علمه البيان (4) الشمس و القمر بحسبان (5) و النجم و الشجر يسجدان (6))

و نلمح في هذا المطلع القرآني الجمال يبدأ من الخالق الموصوف بالرحمن. و الرحمة الرحمانية من صفات الجمال و من أشمل صفات الأفعال ثم ينطلق الي القرآن المعجزة التكوينية الالهية الي الانسان المعجزة التكوينية الي البيان. بما له من جمال فني الي الشمس و القمر و النجم و الشجر و هي من معجزات عالم التكوين و تجليات جمال الله في السماوات و الأرضين.

هذا الميل الي الجمال يشفعه ميل فطري الي الحق و الحقيقة هو سر الاستطلاع و البحث و الظفر بالمعرفة بكل ألوانها من فلسفية و علمية و في الحقيقة جمال. و ميل فطري الي الخير هو منبع الأخلاق و الآداب و السير في معارج تهذيب النفس و تحليتها بالفضائل و تخليتها من الرذائل و نفع الناس و الخروج من الذات الي الآخر بذلا و عطاء و تكافلا، و في الخير جمال.

و الله وحده هو الجميل المطلق و الحق المطلق و الخير المطلق (ذلك بأن الله هو الحق و ان ما يدعون من دونه هو الباطل) (الحج /62) (فتعالي الله الملك الحق لا اله الا هو رب العرش الكريم) (المؤمنون /116)

و من هذه الميول الانسانية التي لم تفارق الانسان خلال تاريخه الميل التعبدي ففي داخله ميل الي أن يعبد قوة يستند اليها و يستمد منها و يخضع لها و يقوم نحوها بمراسم و شعائر.

و قد يخطي في تشخيص المصداق فيعبد نجما أو شمسا أو قمرا و قد يمثل معبوده في نار أو حجر أو تمر و قد يخضع لفرعون متجبر مستكبر متربب و قد يعبد ما يعتبره ولدا لله، و لكن هذا الشعور لا يشبع حق اشباعه الا بعبادة الله الواحد الأحد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.

و قد سلم أعدي أعداء الايمان بالله يهذه الحقيقة فهذا (كونت) حين رفض كل الفكر الديني و الميتافيزيقي و بشر بعصر العلم لم يستطع اغفال هذا البعد التعبدي في الانسان و لكنه جعل المعبود هو الانسان نفسه و دعا الي تشييد معابد لعبادة الانسان.

و لا شك في أن هذه الميول لم تكنت من صنع الانسان بل هي لا تصنع و لا تصطنع فهي اذن مما أودعه خالق الانسان فيه ليدله علي خالقه و ربه و ليتبعد له (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون) (الذاريات / 56) و في الانسان اذن حاجة حقيقة الي عبادة ربه عن وعي و اختيار و تناغم مع فطرته ليرقي في معارج انسانيته فيكون أجمل ما يكون و أكمل ما يكون.

و من فقرات بعض أدعية الصحيفة السجادية في هذا السياق: (أسألك يا رب سؤال من لا رب له غيرك)، (الحمدلله علي ما عرفنا من نفسه و فتح لنا من أبواب العلم بربوبيته و دلنا عليه من الاخلاص له في توحيده)، (و لو دل مخلوق من نفسه علي مثل الذين دللت عليه عبادك منك كان موصوفا بالاحسان و منعوتا بالامتنان و محمودا علي كل لسان).