بازگشت

علي الصعيد الفلسفي


معرفة و توحيد للجميل في ذاته من كله جمال و هو أصل الجمال و جمال الجمال و منبع كل جمال، هذا الجمال الذي كان يناغيه و يناجيه الامام الصادق عليه السلام في دعاء البهاء بقوله: «اللهم اني أسألك من جمالك بأجمله و كل جمالك جميل اللهم اني أسألك بجمالك كله» و لذا يؤول كل حب الي حبه و يندغم فيه: (و الذين آمنوا أشد حبا لله..) (البقرة / 165).

و الجميل في صفاته فله كل صفات الجمال و الجلال و كمال الكمال بما تعبر عنه أسماؤه التي قال عنه سبحانه في الذكر الجميل (و الله الأسماء الحسني فادعوه بها..) (الأعراف / 180) (تبارك اسم ربك ذي الجلال و الاكرام) (الرحمن / 78).

و الجميل في فعله فلا يصدر عنه الا الجميل و بتعبير القرآن الكريم (الذي أحسن كل شي ء خلقه) (السجدة / 7).

هذاالجمال المتجلي تكوينيا في عوالم الغيب و الشهادة و خلق الملائكة و الجن و الانس و تسوية السماوات و الأرضين و ما فيهما علي أحسن نظام (فتبارك الله أحسن الخالقين..) (المؤمنون / 14).

و المتجلي تدوينيا في هذا القرآن الذي قال عنه ربه (الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم الي ذكر الله..) (الزمر / 23).

والمتجلي في هذا الانسان المعجزة (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) (التين / 4)، و المتجلي فيما شرع لهذا الانسان من منهج هو الأحسن و الأجمل و الأكرم و الأقوم، (و اتبعوا أحسن ما أنزل اليك من ربكم..) (الزمر / 55) (و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة / 50).

و المتجلي فيما أعد لعباده الصالحين من ألوان الجمال الأخري الخالد (متكئين علي رفرف خضر و عبقري حسان) (الرحمن / 76) (و أما من آمن و عمل صالحا فله جزاء الحسني..) (الكهف / 89) (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا و أحسن مقيلا) (الفرقان / 24).

هذه المعرفة التوحيدية الجمالية لله عزوجل أساس و مرتكز و منبع لهذه الجمالية التي تغشي هذه الصحيفة السجادية و لنستمع الي طرف من هذه المناجاة الملحقة بالصحيفة و المسماة بمناجاة العارفين: (الهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجمالك و عجزت العقول عن ادراك كنه جمالك و انحسرت الأبصار دون النظر الي سبحات وجهك و لم تجعل للخلق طريقا الي معرفتك الا بالعجز عن معرفتك الهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق اليك في حدائق صدورهم و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم فهم الي أوكار الأفكار يأوون و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون و من حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون و شرايع المصافاة يردون).

هذه المعرفة النظرية العقلية القلبية بل الوجودية الانسانية تختزن في كلمة التوحيد التي و صفت في القرآن بالكلمة الطيبة (ألم تركيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين باذن ربها..) (ابراهيم / 25 - 24).

و أما أكلها فهو التوحيد العملي الذي يبدأ بالعبادة الي الاستعانة (اياك نعبد واياك نستعين) (الحمد / 5) الي التوكل (و من يتوكل علي الله فهو حسبه) (الطلاق / 3) الي الرجاء (أولئك يرجون رحمة الله) (البقرة / 218) الي الخوف (و لا يخشون أحدا الا الله) (الأحزاب / 39) الي قمة هذا التوحيد العملي و هي الحب الذي ينبثق منه كل حب (و الذين آمنوا أشد حبا لله..) (البقرة / 165).

و هو في الحقيقة رجع و استجابة لحب الله الذي لم يكن لولاه خلق و لا كون و لا انسان (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق).

و من دعاء له عليه السلام: (اللهم صل علي محمد و آل محمد و فرغ قلبي لمحبتك و اشغله بذكرك.. وهب لي الأنس بك).

هذا الحب الانساني لله الجميل يتدفق منه لمح للناس جميعا و حدب علي المخلوقات كلها و تعاطف مع الكون بأجمعه و هو ما سيظهر من استعراضنا فيما بعد لموضواعات الصحيفة السجادية.

و في دعاء للامام عند دخول شهر رمضان «اللهم اشحنه بعبادتنا اياك و زين أوقاته بطاعتنا لك و أعنا في نهاره علي صيامه و في ليله علي الصلاة و التضرع و الخشوع لك و الذلة بين يديك حتي لا يشهد نهاره علينا بغفلة و لا ليله بتفريط اللهم و اجعلنا في سائر الشهور و الأيام كذلك ما عمرتنا واجعلنا من عبادك الصالحين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أنهم الي ربهم راجعون و الذين يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون».