بازگشت

نص تطبيقي


الصحيفة السجادية نصوص في الدعاء، ليس فيها ما ورد في النصوص العرفانية المتأخرة من ملامح فلسفية تدور حول الذات و الصفات، حول الماهية أو الزمن أو المصير، هي نصوص بعيدة عن الشطحات الصوفية المتداولة، ملتزمة بمنطوق الظاهر الاسلامي المعروف و المقبول لدي جميع فئات المسلمين، حتي أنها لم تتضمن الكثير مما ورد في نهج البلاغة عن اشكالية الذات الالهية و الصفات، أهي داخلة فيها أم خارجة عنها.

و يمكن القول أن الامام، و هو الحافظ لكلام جده، تعمد هذا المنهج في صياغة الدعاء كي يكون مقبولا من الجميع، ترسيخا لمدرسة أهل البيت التي أرادها، بعيدة فكريا عن أية تعقيدات كلامية عقلية، قريبة من مستوي الجميع، فلم يخاطب الامام بها الصفوة من المجتمع الاسلامي. الشكل الصياغي للجملة - بالتحليل النبوي - يلائم بالفعل اللغة المتداولة في صدر الاسلام، و لعله أكثر بساطة من ناحية المعاني و المفردات المستخدمة، و ان تحليل المضمون يضل هدف اكتشاف أثرها في ترسيخ انتشار مدرسة أهل البيت بين جماهير المسلمين في أنحاء العالم الاسلامي الذي أصبح مترامي الأطراف في عهده.

عبر النظر في أدعية الصحيفة السجادية يمكن اختيار بعضها الذي اختص بمناجاة الذات الالهية، كالدعاء الأول: التحميد لله عزوجل، أو الثاني: الصلاة علي محمد و آله، أو الصلاة علي حملة العرش، أو دعاؤه في التذلل لله عزوجل، أو دعاؤه في الالحاح..

لننظر الي النص الأول كمثال: «الحمدلله الأول بلا أول كان قبله، و الآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين و عجزت عن نعته أوهام الواصفين..

ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا، و اخترعهم علي مشيئته اختراعا، ثم سلك بهم طريق ارادته و بعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيرا عما قدمهم اليه، و لا يستطيعون تقدما الي ما أخرهم عنه...»

اختار الامام سبيل الظاهر الاسلامي المطلق، بل ربما بدا النص مضمونا - أقرب الي القدرية خاصة حين يتحدث عن تقسيم الأرزاق و الأجل و فتح أبواب العلم، و الحمدلله ليصل أخيرا الي أن الحياة الدنيا مجرد دار ابتلاء حين يقول: «ثم أمرنا ليختبر طاعتنا، و نهانا ليبتلي شكرنا.. فخالفنا عن طريق أمره، و ركبنا متون زجره، فلم يبتدرنا بعقوبته و لم يعاجلها بنقمته... و الحمدلله الذي دلنا علي التوبة... لقد وضع عنا، و لم يكلفنا الا وسعا... فالهالك منا من هلك عليه، و السعيد منا من رغب اليه».

النص يدرج في كلاسيكيات الدعاء الاسلامي العادي الدارج، هو ابن مرحلته التي اختار سبيل الوصول الي قلوب مجتمعها عبر خطاب بالغ.

و بالعودة الي نص الدعاء الخاص بالصلاة علي محمد و آله نجد الامام ينحو الي ربط الصلاة علي الرسول بأهله، و هو تأكيد أدت الصراعات السياسية الدامية الي النفاذ نحو الصلاة البتراء، بفصل النبي عن آله في الصلاة عليه.

و كان أن أعاد الامام طقس الصلاة علي الرسول و آله الي مكانته في الحياة الاسلامية و العبادة، خاصة في صلب طقوس الصلاة اليومية: «اللهم صل علي محمد و آل محمد كما صليت علي ابراهيم و آل ابراهيم». و هذه الخطوة بحد ذاتها تعد نهجا بالغ الأهمية في سعي الامام الي اعادة الاعتبار لأهل البيت لتصبح الصلاة عليهم جزءا أساسيا من حياة المسلمين الدينية، بربطهم بالعبادة مباشرة بما يرفع مكانتهم الي الدرجة التي أرادها الله سبحانه.

يقول: «اللهم فارفعه بما كدح منك الي الدرجة العليا من جنتك حتي لا يساوي في منزلة و لا يكافا في مرتبة و لا يوازيه لديك ملك مقرب و لا نبي مرسل، و عرفه في أهله الطاهرين و أمته المؤمنين..».

و ببساطة دمج الامام مجددا بين الرسالة و الرسول و أهل البيت، و المؤمنين، و بهذا أوضح تماما من هم أولئك الذين يصح اطلاق لفظ المؤمنين عليهم، أولئك المناصرين لمنهج مدرسة أهل البيت.

و مثل ما ذكرنا في الدعاءين السابقين ينطبق القول علي الدعاء الثالث الخاص بالملائكة الذين سماهم الامام بأسمائهم و بما عرف عن مهماتهم كما وردت في الأثر النبوي بدقة لم يتجاوز ذلك الي أي تفسير يتعلق بهم، و قد حافظ بذلك علي المنطوق الحرفي للمتداول في عهده كما يقول الامام الصادق عليه السلام: حديثي حديث أبي و حديث الحسين و حديث الحسين، حديث الحسن و حديث الحسن حديث أميرالمؤمنين عليه السلام و حديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله (ص) و حديث رسول الله قول الله عزوجل).(اصول الكافي الجزء الأول)

هذا الحديث يثبت بما لا يقبل الشك أن رسول الله (ص) تطرق و لو بالايجاز الي لاكثير من النواحي العقلانية و العرفانية التي وردت في أحاديث الأئمة بعد السجاد عليه السلام، و لكن الثابت أيضا عبر النظر في الصحيفة أن الامام لم يتطرق اليها بتبرير وحيد هو أنه سعي لكي يخاطب الناس علي قدر عقولهم من جهة و حسب ظروف المرحلة. و بتخطيط، واضح للنفاذ الي أوسع قطاع من الجماهير الاسلامية المناهضة لما هو قائم من ظلم و ملك عضوض و سحق لأهل البيت و تهميشهم في الحياة الاسلامية، بل و محاولة استئصالهم.

و هنا يمكن التأكيد أن الامام السجاد نجح في سعيه هذا الي أبعد الحدود. ان في تأسيس المدرسة، أو في حماية الذات من الاستئصال، متمكنا من النفاذ و اختراق كل الأسوار التي وضعتها السلطة في وجهه. و ساهمت الصحيفة السجادية في القيام بهذه المهمة بانتشارها و تداولها لتصبح كما وصفت، زبور آل محمد.

لقد مضي الامام للقاء وجه ربه في نهاية القرن الأول الهجري، و كانت المدرسة قد تأسست ليقوم الامام الباقر عليه السلام باكمال مهمة التأسيس عبر نشر علمه الواسع - و لكن صعود المدرسة كان مهمة الامام الصادق جعفر بن محمد سلام الله عليه، لينتسب اليه كل أتباع المدرسة من شيعة أهل البيت حتي اليوم.