بازگشت

مقدمة


الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد، و علي آله و صحبه الطيبين الطاهرين و بعد:

فرسالالت السماء نزلت لتخرج الناس من الظلمات الي النور، كما أن غايات الفلاسفة و المصلحين انحصرت في بناء مجتمع قوي، صالح، متماسك، يعمه العدل، و تسوده المساواة.

لكن الفرق بين رسالة السماء و رسالة الفلاسفة هو كالفرق بين السماء و الأرض، أو بين المشرق و المغرب... اذ كل من الرسالتين ينحو منحي مختلفا عن الآخر، و ينظر بمنظار يختلف عن منظار صاحبه. و يحدثنا تاريخ الفكر و الفلسفة في العالم أن اليونان أول من تحدثوا عن سبيل اسعاد العالم، و رسم فلاسفتهم مدنا و صفوها بالفاضلة، ثم ظنوا أنههم جاؤوا بما لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و روجوا لتلك المدن بكل دعوي و مديح، و أحاطوا فكرتهم بكل قداسة و تقدير، حتي لقد زعموا أن أبا الفلسفة، و سيد المثل أفلاطون بلغ بجمهورية، أو بمدينة الفاضلة، مبلغا يعجز عن ايجاد مثيله أي عالم أو فيلسوف، بل انه جاء بما لم تستطعه الأوائل، و لن تستطيعه الأواخر.

و دارت الأيام، و ظلت في العالم الغربي جمهورية أفلاطون المثل الأعلي لبناء كل مجتمع، و اذا كان من تعديل علي هيكلها فانما هو جزئي و محدود، لا يؤثر في جوهرها، و لا يغير من أساسها.

و من هؤلاء الذين ترسموا خطي الفيلسوف اليوناني القديم القديس أو غسطين المتوفي سنة 430 م، و قد عنون مدينته الفاضلة باسم (مدينة الله)، و فرنسيس بيكون المتوفي سنة 1626 م سماها (اطلنطس الجديدة)، و تومازو كامبانيلا المتوفي سنة 1639 م سمي مدينته الفاضلة الشيوعية (مدينة الشمس)، و هربرت جورج ويلز المتوفي سنة 1946 من سماها (اليوتوبيا الجديدة).

و العجيب أن الفارابي المسلم الذي كان فيلسوف بلاط سيف الدولة الحمداني بحلب تبني آراء أفلاطون و مدينته الفاضلة، و لم يغير في هيكلها شيئا يستحق الذكر، اللهم الا أنه نص علي ألا خلاف بين وحي النبي و عقل الفيلسوف، بل النبي و الفيلسوف علي حد سواء، و تبقي المدينة الفاضلة محتاجة في تدبير شؤونها المدنية و الاجتماعية و الأخلاقية الي واحد منهما.