بازگشت

فئة العلاقة بين الانسان و الوجود


برزت هذه العلاقة من خلال الأدعية المختارة، عبر موقف واحد، يمكن تسميته بالموقف الانساني في صميم تحركه الحي عبر مجالات المواقف و فئاتها كافة.

يمكن للمرء أن يلاحظ أن الموضوعات الواردة في الفئة الأولي، «فئة تحديد الموقف» من هذه التقسيمات، هي موضوعات لا تشترط لتنفيذ صاحبها لها سوي نيته علي تنفيذها فقط. و من هنا فان هذه الموضوعات، و ان كانت تبدو في ظاهرها أنها مقيدة بفعل صاحبها، فهي مقيدة به لجهة النية فقط، أما فيما يخص التحقيق الفعلي لها، فهي مشروطة بفعل الله (جل شأنه). فالاقبال علي الله لا يستوجب من المقبل، و كما يتضح من نص دعاء الامام (ع)، أكثر من نيته علي الاقبال؛ آملا أن يتفضل سبحانه و تعالي عليه بقبول هذا الاقبال. و الاختيار لا يتطلب من العبد سوي وعي بموقعه مما هو حوله من أمور و مغريات، و الرجاء أن يلهمه الله (جل جلاله) حسن هذا الاختيار. و الحال لا يتبدل في موقف التوبة اذ ان الموقف يتمحور برمته فيها حول جعل رب العالمين لها في الموقع أو المضمار الذي يختاره لها من نفس صاحبها و طالبها. و اذا ما كان من كلام عن الحمد فما هو، في نهاية المطاف، غير تصرف لا يكتمل فعله من دون قبول المحمود بما يتوجه اليه الحامد به [1] . لعل بالامكان الخلوص، هاهنا، الي أن صورة الانسان، في الصحيفة السجادية، تبدو في هذه المواقف بالذات صورة من ليس له من نفسه سوي النية، و قد فوض ذاته بكليتها الي الله (جل و علا)، مقرا بعجزه لأنه مخلوق، و معترف بسيادة خالقه عليه و قدرة هذا الخالق علي أن يفعل به ما يشاء أن يفعله.

جدول رقم (3)

فئة تحديد الموقف

الفئة: تحديد الموقف، الموقف: الاقبال - الاختيار - التوبة - الحمد، الشاهد: يحدوني علي مسائلتك (يا الله) تفضلك علي من أقبل بوجهه اليك - لاتخل (يا الله) في ذلك (التنفيذ) بين نفوسنا و اختيارها فانها مختارة للباطل - (اللهم) اجعل التوبة في أطولهما (النقصان) بقاء - أنا واقف بباب عزك (يا الله) وقف المستسلم الذليل / سائلك (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني يا الهي اقراري عنك بسوء ما اكتسبت / هل ينجيني منك (يا الهي) اعترافي لك بقبيح ما ارتكبت، الدعا: الاعتراف - الاشتياق -الاشتياق - التوبة.

و يمكن للمرء أن يلاحظ في فئة تنفيذ الموقف أنها تنهض بكليتها علي تسليم مطلق و شامل بارادة الله و قدرته. انها جميعها مواقف لا يحقق الانسان فيها ايمان انسانية و جوهر هذه الانسانية الا بخضوعه المطلق و الراضي، بل بتسليمة المؤمن، بما يقدره ربه عليه و يهديه اليه و يمنحه اياه. فالسلامة لا تكون للانسان الا اذا ما أرادها ربه له، و المسؤولية الانسانية لا تتحقق الا أمام الله و تجاه جلاله، و الاحتجاب لا يكون الا بتقصير تجاه ما أعطاه الله؛ و في الاختبار تأكيد لخضوع الانسان لبارئه، فالله هو المختبر للعالمين، و ما بيد الانسان الا أن يبقي محط اختبار الله. و اذا ما كان للانسان أن يسعي الي رتبة أو يري أنه مستحق لها، فالتراتب مرتبط بالله، و ليس الانسان فيه أية مركزية استقطابية علي الاطلاق، بل ان هذا التراتب لا يتحقق بغير الله و لا يكون الا أمام عزته. و أما التسليم فهو الاقرار الواضح و الصريح بأن الانسان لا يكون في كل أحواله و صفاته و أوضاعه و نعمه بغير الله. و اذا ما ذكر التقصير في دعاء الامام السجاد (ع)، فهو دلالة بعد عن الله و اعتراف بعجز تجاه صفاته (عزوجل). بل تأكيد علي دونية المخلوقية الانسانية تجاه ربوبية الخالق. و ذكر الحاجة و صفات الدونية و رغبات الرجاء و التماس الشفاعة كما تأكيد الضعف و الأنقياد و النقص الانساني، ليست سوي ملامح تزيد من وضوح صورة التسليم الانساني لرب العالمين في أدعية الامام (ع) [2] .

جدول رقم (4)

فئة تنفيذ الموقف

الفئة: تنفيذ الموقف، الموقف: السلامة - المسؤولية - الاحتجاب - الاختيار - التراتب، الشاهد: يا الله من تقيه يسلم / من تهده يعلم / من تقربه اليك يغنم - لا يسأل (الله) عما يفعل وهم (الخلق) يسألون - يحجبني عن مساءلتك (يا الله) خلال ثلاث: أمر أمرت به فأبطأت عنه / نهي نهيتني عنه فأسرعت اليه / نعمة أنعمت بها علي قصرت في شكرها - أمرنا ليختبر طاعتنا / نهانا ليبتلي شكرنا - فارفعه (يا الله) بما كدح فيك الي الدرجة العليا من جنتك، الدعاء: الدعاء - حمدالله - الاعتراف و طلب التوبة - حمدالله و الثناء عليه - الصلاة علي رسول الله و آله.

الفئة: تنفيذ الموقف، الموقف: التسليم - التقصير- الحاجة - الدونية - الرجاء - الشفاعة - الضعف - الانقياد - النقص - الهم، الشاهد: لا حول لنا الا بقوتك / لا قوة لنا الا بعزتك و عونك / اللهم ان تشأ تعف عنا فبفضلك / ان تشأ تعذبنا فبعدلك- الحمدلله.. الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين و عجزت عن تعته أوهام الواصفين / لا يملكون (الخلق) تأخيرا عما قدمهم اليه و لا يستطيعون تقدما الي ما أخرهم عنه - يا الله:

احجبنا عن الالحاد / اعتق رقابنا / اجعل لنا نصيبا في الرحمة / لا تفضحنا لديك / اغننا عن هبة الهابين / اكفنا وحشة القاطعين / كد لنا / امكر لنا / اذل بنا / فنا منك / احفظنا بك / اهدنا اليك / لا تباعدنا عنك / أنا واقف بباب عزك (يا الله) وقوف المستسلم الذليل / سائلك (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني يا الهي اقراري عنك بسوء ما اكتسبت / هل ينجيني منك (يا الهي) اعترافي لك بقبيح ما ارتكبت - فافعل بي ذلك و ان لم استوجبه منك - سبحانك لا أيأس منك - عرفه (يا الله) في أهله الطاهرين و أمته المؤمنين من حسن الشفاعة - انك (يا الله) من الضعف خلقتنا و علي الوهن بنيتنا / لا طاقة لنا بعدلك / لا نجاة لأحد منا دون عفوك / نزل بي ما قد تكأدني ثقله / ألم بي ما قد بهظني حمله / ضقت لما نزل بي ذرعا - فكل خليقته (الله): منقادة لنا بقدرته / صائرة الي طاعتنا بعزته - اللهم متي وقفنا بين نقصين في دين أو دنيا فأوقع النقص بأسرعهما فناء - اللهم اذا هممنا بهمين يرضيك أحدهما عنا و بسخطك الآخر علينا فمل بنا الي ما يرضيك عنا و أوهن قوتنا عما يسخطك علينا. الدعاء: اللجأ (اللجوء) الي الله - حمدالله و الثناء عليه - الدعاء للنفس و أهل الولاية، و الاعتراف و طلب التوبة - عند الكرب - الاعتراف و طلب العفو - الصلاة علي رسول الله و آله - الاشتياق، و اللجوء الي الله، و الكرب - حمدالله و الثناء عليه - الاشتياق - الاشتياق.

و تأتي الفئة الأخيرة من نوعية التعامل مع المواقف الانسانية في الأدعية من الصحيفة السجادية، و هي فئة العلاقة بين الايمان و الوجود، لتؤكد أن الانسان فيها لا يحقق انسانيته و لا تقوم له فيها قائمة، من دون ما حمده لله رب العالمين علي ما أسبغه عليه من أفضال و نعم؛ بل ان الامام (ع) يري في هذا الحمد الانساني لربوبية الله مجال تأكيد لأمرين أساسيين في الوجود الانساني و محط تثبيت لهما. أول الأمرين أن الحمدلله شرط جوهري لتحقيق الانسانية، و ثانيهما أن الحمد هبة من الله و نعمة من لدنه. و الانسان مسؤول، أمام الله، عن هذه النعمة التي أسبغها عليه، و الهبة التي منحه اياها.

و هكذا تؤكد هذه الفئة الأخيرة من نوعية التعامل مع المواقف الانسانية عبر الصحيفة السجادية أساسية المسؤولية في العلاقة التسليمية الايمانية التي يتوجه بها العبد الي ربه. [3] .

جدول رقم (5)

فئة العلاقة بين الانسان و الوجود

الفئة: العلاقة بين الانسان و الوجود، الموقف: الانسان، الشاهد: لوحبس عن عباده معرفة حمده... لخرجوا من حدود الانسانية الي حد البهيمية، الدعاء: حمدالله و الثناء عليه.

تفصح جميع هذه النماذج من المواقف المأخوذة من أدعية الامام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية عن صورة انسان تتوزع اهتماماتها علي محاور ثلاثة:

- ايماني - اعتقادي، - اجتماعي، - ذاتي - باطني

و تتجسد هذه المحاور فعل ممارسة لمواقف عيش حياتي من خلال نوعين من مساعي ممارسة هذا العيش، هما:

، التحديد، - التنفيذ.

و لا يمكن لأي من هذين المسعيين و تلكم المحاور أن يتحقق الا بمفهوم جوهري أساسي قوامه: - مسؤولية ايمانية.

يمكن... التاكيد، بكل ما سبق، أن مفهوم العلاقة بين الانسان و الله هي ما ينتظم جميع مجالات الوجود الانساني و آفاقه في النماذج التي تم عرضها من أدعية الامام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية. و من الواضح أن الامام لا يري أي تحقيق لحضوره الانساني و أي تجل لصورته الانسانية، عبر هذه العلاقة، الا من خلال ارتباطه التسليمي بالله...

لقد أسلم الانسان، عبر ما تشف عنه الأدعية، جماع أمره لله تعالي، تاركا قياد نفسه اليه. فالتسليم الايماني المطلق قوام صورة هذا الانسان؛ بيد أن هذا التسليم ليس من باب التواكل أو التخاذل تجاه المسؤوليات الحياتية التي تجبهه و التي ألزم نفسه بمواجهتها و الارتفاع الي مستوي مسؤوليتها. انه تسليم يرتبط ارتباطا صميميا بكنه هذا الانسان متمثلا بحقيقة نواياه المضمرة كما المعلنة.

و من الواضح أن الانسان في هذه الأدعية يدرك أن نواياه هذه، أكانت تجاه نفسه أو تجاه الآخرين، هي مفتاح ممارسته للعيش؛ و هو يدرك، يقينا و ايمانا، أن علي هذه النوايا ألا تتوجه لغير الله، و ألا تكون الا من منطلقات الايمان الكلي و الشمولي له.

انسان دعاء «الصحيفة السجادية» انسان النية التي أخلصت جهرها و سرها لرب العالمين، و هو الانسان الذي أسلم ذاته بجميع طاقاتها، أقوالا و أفعالا و آمالا و رؤي، الي الله سبحانه و تعالي [4] .

شكل رقم / 6 /

صورة الانسان في الصحيفة السجادية

الله

النية - الانسان - التسليم الايماني المسؤول


پاورقي

[1] ينظر الجدول رقم (3).

[2] ينظر الجدول رقم (4).

[3] ينظر الجدول رقم (5).

[4] ينظر الشكل رقم (6).