بازگشت

مقدمة


يشترك البشر فيما بينهم بصفات جسدية و تكوينية و ميزات شاملة تؤلف مجتمعة صورة انسانية عامة لهم، و ليس في هذه الصورة للانسان ما يميز بين أفراد الناس في هذا المجال، كما أنه ليس ثمة ما يفاضل بينهم، فيستوي فيها المؤمن مع غير المؤمن، و يلتقي ضمنها المسلم و غير المسلم، كما يتجاوز بها أبناء الماضي و الحاضر.

واقع الحال، ان ما يمتاز به انسان من آخر، و ما يفضل به انسان انسانا أخر،انما يكون في حقيقة وجوده، و بالمواقف التي يعيشها هذا الانسان في حياته. و بما ينتج عن ممارسته لهذه المواقف من آفاق عيش و نضج حياتي و انساني. فسلوكية المرء هي الفيصل في أي تفاضل حقيقي للناس فيما بينهم، و هي الميزة التي تفصل بين وجود انساني و آخر، و بين صورة معينة للانسان عن سواها.

ان تحري قيام شخص ما بمواقفه في الحياة، هو الطريق الأساس لمعرفة جوهر شخصيته، و اكتناه الأسس التي تبني عليها. و من هنا، فكل واحد من البشر يقدم، عبر ممارسته لمواقف العيش التي تعرض له، أو لتلك التي يضع نفسه فيها عناصر تفصح عن حقيقة صورته الانسانية، بل تقود الي ما يمكن اعتباره كشافا لقوام هذه الشخصية و مدخلا لفهمها و التعامل معها.

و من هذه الرؤية لدلالة المواقف الانسانية علي ماهية الانسان في القائمين بها، يمكن استحضار منهجية علمية و عملية في آن لا ستكشاف صورة الانسان و عين حقيقته في أدعية الصحيفة السجادية للامام السجاد زين العابدين (ع). و واقع الحال، فان في أدعية الصحيفة السجادية، كثيرا من المواقف التي بامكانها أن تفصح عن جوانب جمة و متنوعة هي من أس صوغ الصورة الانسانية لصاحبها و لكثير ممن يتبعون هذه الأدعية و يسلكون مناهجها.

و اذا ما كان المواقف هو المحك في صياغة الصورة الانسانية، فلابد، هاهنا، من الاشارة الي أن الموقف يمر بحد ذاته بعدة مراحل تسبق ظهوره، بل تصنع هذا الظهور و تقود اليه. و يمكن ايجاز هذه المراحل بثلاث مراحل جذرية أو مفصلية هي: