بازگشت

الامر (4)


الي جانب هذا الغني اللغوي الذي وصفناه، نجد القدرة علي التصوير الحسي الذي يجسد الفكرة أو الاحساس و يحركهما حتي يشخصها في العين، و تمتلي بهما الحواس الأخري. و نكاد نقع علي أمثلة له في سائر صفحات (الصحيفة): «اللهم فارحم وحدتي بين يديك، و وجيب قلبي من خشيتك، و اضطرب أركاني من هيبتك... و ابسط علي طولك، و جللني بسترك» [1] «اللهم اني أعوذبك من نار تغلظت بها علي من عصاك... و أعوذبك من عقاربها الفاغرة أفواهها، و حياتها الصالقة [2] بأنيابها، و شرابها الذي يقطع أمعاء و أفئدة سكانها و ينزع قلوبهم...» [3] .

و تبدو الصورة أحيانا حارة علي نحو تمتلي به النفس خوفا و رهبة. و يكثر ذلك في مواقف التذلل و الاستغفار و الخوف من جبروت الألوهة، علي نحو ما عرضنا لأمثلة كافية منه. و يكاد الانسان يعجب من رجل زينته العبادة حتي كان يلقب بالسجاد ذي الثفنات [4] و (زين العابدين) و حبب اليه السجود حتي برح جبينه. و أحب الحق حتي سأل الله أن يقود منه المظلوم اذا وقع عليه ظلم منه.

أقول: يعجب أن يجد احساسه بالذنب يبلغ منه هذا المبلغ. و يجده يعدد عيوب نفسه و يجسدها في مثل هذه الصور التي مثلنا لها، كأنه لا يكفيه من حرارة وجدانه الديني، و تخشعه أمام جلال الألوهة و روعة الربوبية، حقائق التقوي التي حققها في نفسه.

و يجدها، مهما سما فيها، قليلة في جنب الله، حتي ليسأل الله أن يخفف من عقاب من يسي ء اليه! «اللهم و أيما عبد نال مني ما حظرت عليه، و انتهك مني ما حجرت عليه، فمضي بضلامتي ميتا، أو حصلت لي قبله حيا، فاغفرله ما ألم به مني، واعف له عما أدبر به عني، و لاتففه علي ما ارتكب في، و لا تكشفه عما اكتسب بي، و اجعل ما سمحت به مت العفو عنهم، و تبرعت به من الصدقة عليهم أزكي صدقات المتصدقين، و أعلي صلات المتقربين، و عوضني من عفوي عنهم عفوك، و من دعائي لهم رحمتك، حتي يسعد كل واحد منا بفضلك...» [5] .


پاورقي

[1] الصحيفة: دعاء رقم / 31 / دعاؤه بالتوبة.

[2] الصلق: الصياح و الولولة.

[3] الصحيفة: دعاء رقم / 32 / في صلاة الليل.

[4] الثفنة: ركبة البعير.

[5] الصحيفة: دعاء رقم / 39/ في طلب العفو.