بازگشت

الامر (1)


لسنا هنا في معرض توثيق نصوص (الصحيفة)، فهذه مسألة قائمة في ذاتها، اهتم بها الأستاذ المحقق (علي أنصاريان) اهتماما واسعا. يكفينا هنا أن نذكر بما لا يجهله أحد:

شرف النسب: الذي يصل الامام بدوحة النبوة، فهو كما نعلم ابن حفيد النبي (ص)، الذي استشهد في كربلاء و ادخره الله، بعد مأساة أبيه الامام الحسين و أخيه علي الأكبر، لما ندب له من شرح حقائق الرسالة التي بعث بها جده (ص) و لسنا في حاجة الي أن نطيل الكلام في الأثر الذي خلفته في نفسه مأساة أبيه و أخيه و أهل بيته، و قد شهد فصولها الدامية بعينيه، ففي دعواته و ابتهالاته التي تجمعها (الصحيفة) احساس عميق بحركة الموت، و ما يقتضيه لقاء الله القريب من صدق التقوي، و تأدية الحقوق، و نزاهة الجوارح، و امتلاء النفس برهبة هذه الساعة و التهيؤ لها، حتي ليندر أن تقرأ فيها دعاء لا يرد فيه ذكر الموت، علي نحو يتعذر معه الفرح الصافي بالحياة.

و في (الصحيفة) في مجموع الدعوات و الابتهالات و المناجات، حزن عميق سحيق القرار، هو حزن الممتازين من أهل الله، و حزن الأئمة من آل البيت خاصة، لما عانوا من عنت و ارهاق، «دعوتك يارب مسكينا، مستكينا، مشفقا، خائفا، وجلا، فقيرا، مضطرا اليك. أشكو اليك يا الهي ضعف نفسي... و كثرة همومي، و وسوسة نفسي... وضعت عندك سري فلا أدعو سواك، و لا أرجو غيرك. لبيك لبيك، تسمع من شكا اليك، و تلقي من توكل عليك، و تخلص من اعتصم بك، و تفرج عمن لا ذبك» [1] .

فمن مجموع هذا التكوين، في هذه الظروف التاريخية الصعبة، خلصت نفس الامام بسماتها و صفاتها، و خوفها و رجائها، و خشوعها و تبتلها، و وقوفها خارج أسوار الدنيا الفانية، علي مشارف عالم الغيب الذي تلوح أنواره لأصحاب النفوس الكبيرة التي تطول ما يطوله حملة الرسالات الروحية. كان «اذا قام الي الصلاة، أخذته رعدة. فقيل له، فقال: تدرون بين يدي من أقوم و من أناجي؟» [2] .

فهذه هي النفس التي ناجت و ابتهلت و سمت في عبادتها حتي سموا صاحبها (زين العابدين)، و خلفت من مجموع مناجاتها و دعائها و ابتهالها، (الصحيفة السجادية) التي نقف، في هذه الكلمة الصغيرة، علي ملامح من صفاتها الفنية.


پاورقي

[1] الصحيفة السجادية، دعاء رقم / 51 /.

[2] مقدمة الصحيفة السجادية / ابن سعد: 216 / 5.