الدعاء 20
[1] .
[39 / أ] و من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان
[1]يا من لا يرغب في الجزآء، و يا من من لا يندم علي العطاء، و يا من
[ صفحه 351]
لا يكافئ عبده علي السواء [2] ، هبتك ابتداء، و عفوك تفضل، و عقوبتك عدل، و قضاؤك خيرة [3] ، ان اعطيت لم تشب [4] عطاءك بمن، و ان منعت لم يكن منعك تعديا، تشكر من شكرك و أنت ألهمته شكرك، و تكافي ء من حمدك و انت عملته حمدك، تستر علي من لو شئت فضحته، و تجود علي من لو اردت منعته، و كلاهما منك اهل الفضيحة،و المنع، الا أنك بنيت افعالك علي التفضل، و اجريت قدرتك[39 / ب] علي التجاوز [5] ، و تلقيت من عصاك بالحلم، و امهلت من قصد لنفسه بالظلم، [6] .
تستطردهم بأناتك [7] الي الانابة [8] ، و تترك معاجلتهم الي التوبة [9] ، لكيلا يهلك عليك هالكهم، و لئلا يشقي بنقمتك شقيهم، الا عن طول الاعذار اليه [10] ، و بعد ترادف الحجة عليه، كرما من فعلك يا كريم، و عائدة [11] من عطفك يا حليم.
[2]أنت الذي فتحت لعبادك بابا الي عفوك، و سميته التوبة، و جعلت علي ذلك دليلا من وحيك لئلا يضلوا عنه، فقلت: (توبوا الي الله توبة نصوحا عسي ربكم
[ صفحه 352]
ان يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجري[40 / أ] من تحتها الانهار) [12] فما عذر من أغفل دخول المنزل بعد فتح الباب و اقامة الدليل.
[3]و انت الذي زدت في السوم [13] علي نفسك لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتك، و فوزهم بالزيادة عليك، فقلت: (من جاء بالحسنة فله عشر امثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي الا مثلها) [14] ، و قلت: (مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و الله يضاعف لمن يشاء) [15] و ما انزلت من نظائرهن في القرآن.
[4]و انت الذي دللتهم من غيبك الذي فيه حظهم علي ما لو سترته لم تدركه[40 / ب] أبصارهم، و لم تضمنه أسماعهم، و لم تغص [16] عليه أوهامهم [17] ، فقلت: (اذكروني اذكركم و اشكروا لي) [18] و قلت: (و لئن شكرتم لازيدنكم) [19] ، و قلت: (ادعوني استجب لكم) [20] ، و قلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له) [21] ، فذكروك، و شكروك، و دعوك، و تصدقوا لك، و فيها كانت نجاتهم من غضبك، و فوزهم برضاك.
[ صفحه 353]
[5]و لو دل مخلوق مخلوقا من نفسه، علي مثل الذي دللت عليه عبادك منك كان محمودا، فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب، و ما بقي للحمد لفظ يحمد به، و معني يصرف اليه.
[6]يا من تحمد الي عباده[41 / أ] بالاحسان و الفضل، و عاملهم بالمن و الطول [22] ، ما أفشي [23] فينا نعمك، و اسبغ [24] علينا مننك، و اخصنا ببرك؟ هديتنا لدينك الذي اصطفيت، و ملتك التي ارتضيت، و بسيلك التي سهلت، و بصرتنا ما يوجب الزلفة اليك [25] ، و الوصول الي كرامتك.
[7]اللهم و انت جعلت من تلك الوظائف و خصائص تلك الفروض، شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الشهور، و تخيرته من جميع الازمنة و الدهور، و آثرته [26] علي كل الاوقات بما انزلت فيه من القرآن، و فرضت فيه من الصيام، و احللت [27] فيه من ليلة القدر التي هي خير من الف شهر.
[41][8 / ب] ثم آثرتنا به علي سائر الامم، و اصطفيتنا بفضله دون أهل الملل، فصمنا بأمرك نهاره، و قمنا ليله، متعرضين [28] بصيامه و قيامه لما عرضتنا له من رحمتك، و سببتنا [29] اليه من مثوبتك. و انت الملي [30] بما رغب فيه
[ صفحه 354]
اليك، الجواد بما سئلت من فضلك، القريب الي من حاول قربك.
[9]و قد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد، و صحبنا صحبة سرور، و اربحنا افضل ارباح العالمين، ثم قد فارقتنا [31] عند تمام وقته، و انقطاع مدته، و وفاء عدده [32] فنحن مودعوه و داع من عز فراقه علينا، و أوحشنا انصرافه عنا، و لزمنا له الذمام [33] المحفوظ[42 / أ] و الحرمة المرعية، و الحق المقضي، و نحن قائلون:
السلام عليك يا شهر الله الاكرم، و يا عيد أوليائه الاعظم.
السلام عليك يا اكرم مصحوب من الاوقات، و يا خير شهر في [34] الايام و الساعات.
السلام عليك يا شهر [35] قربت فيه الأموال [36] ، و يسرت فيه الأعمال، و نشرت فيه الامال [37] .
السلام عليك من قرين جل قدره موجودا، و فجع فقده مفقودا.
السلام عليك من أليف انيس [38] آنس مقبلا فسر، و اوحش مدبرا فمض [39] .
السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب، و قلت فيه الذنوب.
[ صفحه 355]
السلام عليك من ناصر أعان علي الشيطان، و صاحب سهل[42 / ب] سبل الاحسان [40] .
السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك، و ما أسعد من راعي حرمتك بك.
السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب، و أسترك لانواع العيوب.
السلام عليك ما كان أطولك علي المجرمين، و أهيبك في صدور المؤمنين.
السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام، من شهر هو من كل امر سلام.
السلام عليك غير كريه المصاحبة، و لا ذميم الملابسة. [41] .
السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات، و غسلت عنا دنس الخطئيات. [42] .
السلام عليك غير مودع برما [43] ، و لا متروك صيامه سأما.
السلام عليك من مطلوب قبل وقته[43 / أ] و محزون عليه بعد فوته.
السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا، و كم خير قد اقبض [44] بك علينا.
السلام عليك و علي ليلة القدر التي جعلها الله خيرا من الف شهر.
السلام عليك و علي فضلك الذي حرمناه، و علي بركتك التي سلبناها.
السلام عليك ما كان احرصناها [45] بالامس عليك، و ما أسبغ [46] شوقنا
[ صفحه 356]
اليوم اليك.
[10]اللهم انا اهل هذا الشهر الذي شرفتنا به، و وفقتنا بمنك له حين جهل الاشقياء وقته، و حرموا - لشقائهم - فضله، انت ولي ما آثرتنا به من معرفته، و هديتنا له من سنته، و قد تولينا صيامه و قيامه علي تقصير[43 / ب] و أدينا من حقك فيه قليلا من كثير.
[11]اللهم فلك اقرارنا بالاساءة، و اعترافنا بالاضاعة [47] ، و لك من قلوبنا عقدة [48] الندم، و من ألسنتنا تصرف [49] الاعتذار، فآجرنا علي ما اصبنا به من التفريط اجرا يستدرك به المفضل المرغوب فيه، و نعتاض [50] به احراز الذخر المحروص عليه، و أوجب لنا عذرك علي ما قصرفنا فيه من حقك، و أبلغ باعمارنا ما بين ايدينا من شهر رمضان المقبل، فاذا بلغتناه فاعنا علي تناول ما أنت أهله من العبادة، و أدنا الي القيام بما تستحقه من الطاعة، و احز [51] لنا من صالح العمل ما يكون دركا [52] بحقك في الشهرين[44 / أ] و في شهور الدهور.
[12]اللهم و ما ألممنا [53] به في شهرنا هذا من لمم [54] ، أو واقعنا فيه من ذنب، او كسبنا فيه من خطيئة عن تعمد منا، او علي نسيان ظلمنا به انفسنا،
[ صفحه 357]
او انتهكنا به حرمة من غيرنا، فاستره بسترك، واعف عنا بعفوك، و لا تنصبنا فيه لاعين الشامتين، و لا تبسط فيه علينا ألسن الطاعنين، و استعملنا بما يكون حطة [55] و كفارة لما أنكرت منه، برأفتك التي لا تنفد [56] ، و فضلك الذي لا ينقص.
[13]اللهم اجبر مصيبتنا بشهرنا، و بارك لنا في يوم عيدنا، و اجعله من خير يوم مر علينا، أجلبه لعفو[45 / أ] و أمحاه لذنب، و اغفر لنا ما خفي من ذنوبنا و ما علن.
[14]اللهم اسلخنا [57] بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا، و اخرجنا بخروجه عن سيئاتنا، و اجعلنا من أسعد اهله به، و اوفرهم قسما فيه.
[15]اللهم و من رعي حرمة هذا الشهر حق رعايتها، و حفظ حدوده حق حفظها، او تقرب اليك بقربة أوجبت رضاك له بها، و عطفت برحمتك عليه، فهب لنا بمثله من وجدك [58] ، و أعطنا اضعافه من فضلك، فان فضلك لا يغيض [59] ، و ان خزائنك لا تنقص، و ان معادن احسانك لا تقوي [60] .
[16]اللهم و اكتب لنا مثل اجوره من صامه أو تعبد لك فيه الي يوم القيامة.
[45][17 / ب]اللهم و انا نتوب اليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمؤمنين
[ صفحه 358]
عيدا و سرورا، و لأهل ملتك مجمعا و محتشدا [61] ، و لمحمد صلي الله عليه و آله ذخرا و مزيدا، من كل ذنب أذنبناه، أو سوء أسلفناه، أو خطرة [62] شر أضمرناها و عقيدة سوء اعتقدناها، توبة من لا ينطوي [63] علي رجوع الي ذنب، و لا عود [64] في خطيئة، توبة نصوحا، خلصت من الشك و الارتياب، فتقبلها منا، وارض بها عنا، و ثبتنا عليها.
[18]اللهم و ارزقنا خوف عقاب الوعيد، و شوق ثواب الموعود، حتي نجد لذة ما ندعوك، و كآبة ما نستجير بك منه، و اجعلنا عندك من التوابين[45 / ب] الذين أوجبت عليهم محبتك، و قبلت منهم مراجعة طاعتك، يا أعدل العادلين.
[19]اللهم تجاوز عن آبائنا و امهاتنا و أهل ديننا جميعا، من سلف منهم و من غبر [65] الي يوم القيامة.
[20]اللهم و صل علي محمد نبينا كما صليت [علي] [66] ملائكتك المطهرين، و أنبيائك المرضيين و عبادك الصالحين، صلاة تبلغنا بركتها، و ينالها [67] نفعها، و يغمرنا يسرها، و يستجاب بها دعاؤنا.
انك أكرم من رغب اليه، و أعطي [68] من سئل من فضله، و أنت علي كل شي ء قدير.
[ صفحه 359]
پاورقي
[1] لم يرد هذا الدعاء في «ط»، و ورد في المشهورة بالرقم (45).
[2] السواء: مصدر بمعني الاستواء، أي أنه يكافي ء عبده علي عمله بالسوية بل يضاعف للمحسن و يعفو عن المسي ء.
[3] أي حكمك اختيار.
[4] تشب: تخلط و تمزج، و المن: التعيير و تكدير النعمة.
[5] أي جعلتها جارية مستمرة علي العفو.
[6] أي أنظرت من ظلم نفسه و لم تعاجله بالانتقام لظلمه نفسه.
[7] الأناة: اسم من تأني في الأمر، أي تمهل و تمكث و لم يعجل، و اطرد الامر: تبع بعضه بعضا، و وردت الكلمة في المشهورة هكذا: «تستنظرهم».
[8] الانابة: التوبة و الرجوع الي الله.
[9] تترك معاجلتهم: تمهلهم و لا تعجل عليهم الي حين الرجوع اليك بالتوبة.
[10] أي: لان لا يهلك عليك هالكهم و لا يشقي بنعمتك شقيهم الا بعد طول الاعذار - و هو المبالغة في العذر - اليه.
[11] العائدة: كل نفع يرجع الي الانسان من شي ء.
[12] التحريم: 8.
[13] السوم: مصدر سام البائع البضاعة اذا عرضها للبيع و ذكر ثمنها.
[14] الأنعام: 160.
[15] البقرة: 261.
[16] من غاص يغوص: اذا هجم عليه.
[17] الأوهام: جمع وهم، و هو ما يقع في القلب من الخاطر.
[18] البقرة: 152.
[19] ابراهيم: 7.
[20] غافر: 60.
[21] البقرة: 245.
[22] الطول: الفضل و العطاء و القدرة، و المن: النعمة.
[23] أفشي: أظهر.
[24] أسبغ: أفاض و أوسع.
[25] أي عرفتنا القربة و المنزلة لديك لنطلبها.
[26] آثرته: فضلته.
[27] أي جعلت.
[28] أي متصدين و طالبين.
[29] سببتنا: وصلتنا.
[30] أي المضطلع القادر علي ذلك.
[31] كذا في «ك»، و في الرضوية: «فارقنا».
[32] الوفاء: بلوغ التمام.
[33] الذمام: العهد: سمي به؛ لأن الرجل يذم علي اضاعته.
[34] كذا صحح في «ك»، و كانت الكلمة في «ك» هكذا: «من».
[35] كذا في «ك»، و في الرضوية: «من شهر».
[36] الاموال: جمع مال، و هو ما يميل اليه الانسان بطبعة، و المراد: أن ما يميل اليه الانسان من الفوز بالجنة و الرضوان قد قربت في شهر رمضان.
[37] نشر الامال: عبارة عن بثها و بسطها؛ لكثرة ما يعمل فيها من اعمال البر.
[38] عطف بيان علي «أليف».
[39] أي آلم و أحزن.
[40] شبهه عليه السلام بمصاحب لطرق الاحسان؛ لكثرة تحقق الاحسان فيه، و العبارة في المشهورة هكذا: «و صاحب سهل سبل الاحسان».
[41] الملابسة: المخالطة.
[42] دنس: و سخ، و الخطيئات: جمع خطيئة، و هي الذنب و الاثم أو ما تعمد منهما.
[43] البرم: الضجر، و السأم: الملل.
[44] كذا في «ك»، و في الرضوية هكذا: «افيض»، و الظهر أن ناسخ النسخة التفت الي عدم استقامه المعني، فكتب فوق كلمة «خير» كلمة اخري، و كتب بعدها: «صح»، و الكلمة غير واضحة، و لعلها: «شر» أو «سوء».
[45] كذا في «ك»، و في الرضوية: «أحرصنا».
[46] أي ما أتم.
[47] الاضاعة: الاهمال.
[48] العقدة: موضع العقد، و هو ما عقد عليه و ما يمسك الشي ء و يوثقه.
[49] التصرف في الأمر: الاحتيال و التقلب فيه.
[50] اعتاض: أخذ العوض.
[51] من حاز يحوز، اذا جمع.
[52] الدرك: اسم من أدركت الشي ء، اذا لحقته و وصلت اليه.
[53] ألممنا: باشرنا و أحطنا و هو الفعل من اللمم أي مقاربة الذنب.
[54] اللمم: صغار الذنوب.
[55] الحطة: اسم من استحط، و أصلها: الحط، و هو انزال الشي ء من علو، و معناه ما يوجب لنا الذنوب.
[56] أي لا تنفي و لا تنقطع.
[57] أي أنزعنا مع مضي هذا الشهر من خطايانا.
[58] الوجد: الغني.
[59] أي لا ينضب و لا يقل أو ينقص، من غاض الماء: اذا نضب و غار.
[60] كذا في «ك»، من قوي المطر: اذا احتبس، أو من القي، و هو قفر الارض و الخلأ، و الكلمة في الرضوية هكذا: «لا تكدي».
[61] المحتشد: محل الاحتشاد و الاجتماع.
[62] الخطرة: ما يعرض في الفكر.
[63] انطوي علي شي ء: اذا اشتمل عليه قلبه و ضميره.
[64] العود: الرجوع: الي الشي ء بعد الانصراف.
[65] غبر: أي بقي، و قد يستعمل فيمن مضي، و هو من الاضداد.
[66] الزيادة من المشهورة.
[67] كذا في نسخة «ك»، و في المشهورة: «و ينالنا».
[68] أعطي: اسم تفضيل من أفعل، أي أكثر عطاء.