بازگشت

صحيفة علي بن الحسين و كلامه في الزهد


محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي و علي بن ابراهيم، عن أبيه، جميعا عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهماالسلام الا ما بلغني من علي بن أبي طالب عليه السلام.



[ صفحه 29]



قال أبوحمزة: كان الامام علي بن الحسين عليهماالسلام اذا تكلم في الزهد و وعظ أبكي من بحضرته.

قال أبوحمزة: قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهماالسلام و كتبت ما فيها، ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه، فعرفه و صححه، و كان ما فيها:«بسم الله الرحمن الرحيم، كفانا الله و اياكم كيد الظالمين و بغي الحاسدين و بطش الجبارين، أيها المؤمنون لا يفتننكم [1] الطواغيت و أتباعهم [2] من أهل الرغبة في هذه [3] الدنيا، المائلون اليها، المفتتنون بها، المقبلون عليها و علي حطامها الهامد [4] و هشيمها البائد غدا، و احذروا [5] ما حذركم الله منها، و ازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها، و لا تركنوا الي ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار، و منزل استيطان. والله [6] ، ان لكم مما فيها عليها لدليلا و تنبيها [7] ؛ من تصريف [8] أيامها، و تغير انقلابها و مثلاتها [9] ، و تلاعبها بأهلها؛ انها لترفع الخميل، و تضع الشريف، و تورد أقواما الي النار [10] غدا، ففي هذا معتبر و مختبر و زاجر لمتنبه [11] .

ان الامور الواردة عليكم في كل يوم و ليلة من مظلمات [12] الفتن، و حوادث البدع، و سنن الجور، و بوائق الزمان، و هيبة السلطان، و وسوسة الشيطان، لتثبط [13] القلوب عن تنبهها [14] ، و تذهلها عن موجود [15] الهدي، و معرفة أهل الحق.



[ صفحه 30]



الا قليلا ممن عصم [16] الله، فليس يعرف تصرف [17] أيامها و تقلب حالاتها، و عاقبة ضرر فتنتها الا من عصم [18] الله، و نهج سبيل الرشد، و سلك طريق [19] القصد، ثم [20] استعان علي ذلك بالزهد، فكرر الفكر، و اتعظ بالصبر [21] فازدجر [22] ، و زهد [23] في عاجل بهجة الدنيا، و تجافي عن لذاتها، و رغب في دائم نعيم [24] الاخرة، و سعي لها سعيها، و راقب الموت و شنأ [25] الحياة مع القوم الظالمين.

نظر [26] الي ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر [27] ، و أبصر حوادث الفتن و ضلال البدع و جور الملوك الظلمة، فلقد [28] لعمري استدبرتم الامور [29] الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة و النهماك فيما [30] تستدلون به علي تجنب الغواة و أهل البدع و البغي و الفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله و ارجعوا الي طاعة الله [31] و طاعة من هو أولي بالطاعة ممن اتبع فاطيع [32] .

فالحذر الحذر من قبل الندامة و الحسرة، و القدوم علي الله، و الوقوف بين يديه، و تالله [33] ما صدر قوم قط [34] عن معصية الله الا الي عذابه، و ما آثر قوم قط الدنيا علي الاخرة الا ساء منقلبهم و ساء مصيرهم، و ما العلم [35] بالله و العمل [36] الا الفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، و حثه [37] الخوف علي العمل بطاعة الله، و ان أرباب



[ صفحه 31]



العلم و أتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له و رغبوا اليه و قد قال الله: (انما يخشي الله من عباده العلماء) [38] ، فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله، و اشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، و اغتنموا أيامها، واسعوا [39] لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله، فان ذلك أقل للتبعة و أدني من العذر، و أرجي [40] للنجاة.

فقدموا أمر الله [41] و طاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها، و لا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من [42] زهرة الدنيا بين يدي الله [43] و طاعته و طاعة اولي الأمر منكم.

و اعلموا أنكم عبيدالله و نحن معكم، يحكم علينا و عليكم سيد حاكم غدا، و هو موقفكم و مسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف و المساءلة و العرض علي رب العالمين (يومئذ لا تكلم نفس الا باذنه) [44] .

و اعلموا أن الله لا يصدق يومئذ [45] كاذبا، و لا يكذب صادقا، و لا يرد عذر مستحق، و لا يعذر غير معذور، له [46] الحجة علي خلقه بالرسل و الأوصياء بعد الرسل.

فاتقوا الله عباد الله، و استقبلوا في [47] اصلاح أنفسكم و طاعة الله و طاعة من تولونه فيها، لعل [48] نادما قد ندم فيما فرط [49] بالأمس في جنب الله، وضيع من حقوق [50] الله، و استغفروا الله، و توبوا اليه؛ فانه يقبل التوبة و يعفو عن السيئة [51] و يعلم ما تفعلون.



[ صفحه 32]



و اياكم و صحبة العاصين [52] ، و معونة الظالمين، و مجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، و تباعدوا من ساحتهم، و اعلموا أنه من خالف أولياء الله و دان بغير دين الله و استبد بأمره دون أمر ولي الله كان [53] في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها [54] ، و غلبت عليها شقوتها، فهم موتي لا يجدون حر النار و لو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار.

و اعتبروا يا اولي الأبصار، و احمدوا الله علي ما هداكم، و اعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله الي غير قدرته، و سيري الله عملكم و رسوله [55] ثم اليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة، و تأدبوا بآداب الصالحين [56] .

و روي الشيخ الصدوق (ت / 417 ه) باسناده عن سعيد بن المسيب ما كتبه من موعظة الامام زين العابدين عليه السلام في ايام الجمع في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فراجع الأمالي [57] .

و روي علي بن الحسن بن عساكر (ت / 571 ه) موعظة للامام عليه السلام تتخللها مقاطع شعرية، و اليك مطلعها:

«أخبرنا أبوالقاسم هبة الله بن محمد بن عبدالواحد، نا أبومنصور محمد بن محمد بن عبدالعزيز العسكري، نا أبومحمد عبدالله بن مجالد بن بشر البجلي بالكوفة، أنا أبوالحسن محمد بن عمران، أنا محمد بن عبدالله المقري ء، حدثني سفيان بن عينية، عن الزهري، قال: سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه و يناجي ربه و يقول:

يا نفس حتي م الي الدنيا غرورك؟ و الي عمارتها ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضي من أسلافك، و من وارته الأرض من الافك؟، و فجعت به من اخوانك، و نقل الي



[ صفحه 33]



البلاء من أقرانك؟



فهم في بطون الأرض بعد ظهورها

محاسنهم فيها بوال دواثر



خلت دورهم منها واقوت عراصهم

و ساقتهم نحو المنايا المقادر



خلو عن الدنيا و ما جمعوا لها

و ضمتهم تحت التراب الحفائر



و علي هذا المنوال في 18 مقطعا [58] .

و رواها أيضا ابن شهر آشوب (ت / 588 ه) في المناقب [59] ، و ابو الفداء الدمشقي (ت / 774 ه) في البداية و النهاية [60] و العلامة الحلي (ت / 726 ه) في اجازته لبني زهرة [61] .

و هكذا نجد الامام عليه السلام يؤدي رسالته بمختلف الطرق المتيسرة له آنذاك، في أحلك الظروف التي مر بها التأريخ الاسلامي في القضاء علي كلمة أهل البيت عليهم السلام.


پاورقي

[1] «مصيبتكم» بدل «لا يفتننكم».

[2] «أتباعهم» لا توجد هذه الكلمة.

[3] «هذه» لا توجد.

[4] «الهامد» لا توجد.

[5] فاحذروا.

[6] و بالله.

[7] من زينتها.

[8] و تصرف.

[9] «و سيلانها» بدل «و مثلاتها».

[10] «و تورد النار أقواما» بدل «و تورد أقواما الي النار».

[11] للنبيه.

[12] مضلات.

[13] لتنذر.

[14] تنبيهها.

[15] وجود.

[16] عصمه.

[17] بصرف.

[18] عصمه.

[19] سبيل.

[20] ممن.

[21] بالعبر.

[22] وازدجر.

[23] فزهد.

[24] نعم.

[25] سائم.

[26] فعند ذلك نظر.

[27] النظر.

[28] فقد.

[29] من الامور.

[30] فيهما ما.

[31] طاعته.

[32] بالطاعة من طاعة من اتبع و اطيع.

[33] و تا الله.

[34] «قوم قط» لا توجد.

[35] العز.

[36] و العمل بطاعته.

[37] فحثه.

[38] الأحزاب: 28.

[39] و اوسعوا.

[40] و ارجي.

[41] و طاعته و طاعة من.

[42] «و فتنة» بدل «من».

[43] يدي أمر الله.

[44] الزمر: 39.

[45] «يومئذ» لا توجد.

[46] بل لله الحجة.

[47] من.

[48] فعل.

[49] و قد ندم علي ما فرط.

[50] حق.

[51] السيئات.

[52] الغاصبين.

[53] «كان» لا توجد.

[54] «قد غابت أرواحها» لا توجد.

[55] «و رسوله» لا توجد هذه الكلمة.

[56] الكافي 17: 8.

[57] أمالي الشيخ المفيد: 452 (ط النجف 1389).

[58] تاريخ مدينة دمشق 408: 41 الاكتفاء: 850.

[59] المناقب 253: 2.

[60] البداية و النهاية 109: 9.

[61] المناقب 253: 2.