بازگشت

الموقف العباسي


كان محمد العباس بن علي بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب الهاشمي (ت 100 ه) أول من دعي سرا للعباسيين مظالم الامويين، فانطلق من قرية الحميمة حتي مات عن 63 عاما في 100 ه، و قام بعده أبناؤه و كان عبدالله السفاح أول من أسس الدولة العباسية 132 بعد مقتل مروان الاموي، فقد دعي ثمانين من كبار الامويين الي الصلح في وليمة عامة و قتلهم جميعا و أكل فوق أجسامهم و هو يسمع أنينهم، و توفي في الانبار بمرض الجدري سنة 137 ه، فخلفه أخوه أبوجعفر المنصور العباسي، و هذا هو الذي نقل مركز الخلافة من الكوفة الي بغداد، و أعلن أبوجعفر المنصور العباسي قدسية الملك حيث قال: «أيها الناس انما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه و تسديده، و أنا خازن علي فيئه، أعمل بمشيئته و أقسم بارادته و أعطيه باذنه، قد جعلني الله عليه قفلا».

فدعا الي السلطنة لنفسه و أعلن أنها سلطنة الهية مقدسة، و كان من الطبيعي أن يثور في وجهه الذين رأوا سيرة الصالحين من المسلمين في عهد الخلفاء قبله، و كان المنصور أول من أحدث تقبيل الارض بين يديه و الاستعلاء علي الشعب المسلم و اتخاذ الحجاب و الحرائر علي غرار العادات المتبعة عند الاكاسرة.

و كان الموقف العباسي علي علم بأن العلويين هم أصحاب عقيدة، و لن يرضوا الا بتطبيق أسس الثقافة الاسلامية المستندة الي الكتاب و السنة، و أنهم لن يرضوا الا بالمهدي من أهل البيت عليهم السلام، و كذلك فقد أعلنوا في خطبهم بأن حق الخلافة هو لآل البيت عليهم السلام، و انهم يحاولون ارجاع الحق الي المهدي بعد اندحار الامويين، و لم تتأثر بهذه الدعايات و القيادات العلوية المختلفة، ولكنها أثرت في الشباب الذين لم يقفوا علي ما وراء هذه الدعايات.روي أبوالفرج باسناده قال: «بايع أبوجعفر (المنصور العباسي) محمدا (النفس الزكية) مرتين و أنا حاضر احداهما في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له الركاب، ثم قال: «أما انه ان أفضي اليكم الامر نسيت لي هذا الموقف» [1] .



[ صفحه 213]



و حج المنصور العباسي ظافرا و أخذ البيعة لنفسه عامة في مكة و المدينة، و تواري كل من محمد و ابراهيم ابنا عبدالله خوفا، و طالبهما من أبيه عبدالله المحض و أبعده من المدينة الي الهاشمية بالكوفة و قتله في محبسه عام 145 ه. و هو ابن خمس و سبعين عاما [2] .

و هذه القرية قائمة اليوم بين الحلة و القاسم في العراق.

و ظهرت نواياه الخبيثة في قتل محمد النفس الزكية في عام 145 ه حيث كان له ثلاث و خمسون سنة.

و خرج ابراهيم بالبصرة في نفس العام و كان جمهور المسلمين يجاهرون بمساندة ابراهيم، و كان أبوحنيفة قد أفتي الناس بالخروج معه و أنه دعاه في أن يقصد الكوفة، و قد ذكر أمر خروجه بالتفصيل في مقاتل الطالبيين: 296، و أعيان الشيعة 180:2، و قد انتهت ثورته بمقتله يوم الخميس 25 ذي القعدة 145 ه، و عمره ثمان و أربعون سنة.

و قد سأل أهل المدينة مالك عن بيعتهم للمنصور، فقال: «بايعتم مكرهين و ليس علي مكره يمين» [3] .

قال أبوالفرج (ت 356 ه): أخبرني محمد بن خلف اجازة عن وكيع، قال: حدثنا اسماعيل بن مجمع، عن الواقدي، قال: كان عبدالرحمن بن أبي الموالي مخالطا لبني الحسن، و كان يعرف موضع محمد و ابراهيم، و يختلف اليهما، فكان يقال: انه داع من دعاتهما، و بلغ ذلك أباجعفر، فأخذه معهم.

قال الواقدي: فحدثني عبدالرحمن بن أبي الموالي قال: لما أخذ أبوجعفر بني الحسن، و أمر رياحا فجاء بهم الي الربذة قال له: ابعث الساعة الي عبدالرحمن بن أبي الموالي فجئني به. قال: فبعث رياح الي فأخذت وجي ء بي اليه، فلما صرت بالربذة رأيت بني الحسن مقيدين في الشمس، فدعاني أبوجعفر من بينهم فأدخلت عليه، و عنده عيسي بن علي، فلما رآني عيسي قال له المنصور: أهو هو؟



[ صفحه 214]



قال: نعم هو هو يا أميرالمؤمنين، و ان أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم. فذنوت فسلمت، فقال أبوجعفر: لا سلم الله عليك، أين الفاسقان ابنا الفاسق؟. أين الكذابان ابنا الكذاب؟

فقلت: يا أميرالمومنين هل ينفعني الصدق عندك؟

قال: و ما ذاك؟ قال: قلت امرأتي طالق ان كنت أعرف مكانهما، فلم يقبل ذلك مني، و قال: السياط، فأتي بالسياط، و أقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط، فما عقلت بها حتي رفع عني، ثم رددت الي أصحابي علي تلك الحال [4] .

قال أبوالفرج (ت 356 ه): حدثني عيسي بن الحسين، قال: حدثنا هارون بن موسي، قال: خرج مع محمد بن عبدالله، عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، الذي يروي عنه عبدالله بن مصعب، و الضحاك بن عثمان.

و كان امرأ صادقا، فأتي به أبوجعفر فقال له: أين المال الذي كان عندك؟

قال: دفعته الي أميرالمؤمنين (قال: و من أميرالمؤمنين؟ قال:) محمد بن عبدالله بن الحسن رحمة الله و صلواته عليه.

قال: أو بايعته؟ قال: اي و الله كما بايعته أنت و أخوك، و أهلك هؤلاء الغدرة.قال: يابن اللخناء.

قال: ابن اللخناء من قامت عنه مثل أمك سلامة.

قال اضربوا عنقه، فضربت عنقه [5] .

و نال العلويون من أنواع العذاب و التشريد و الحبس في غياهب السجون بكل غدر و مكر، و تتبع العباسيون آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جددوا كل المواقف الاموية و كان رد الفعل الوحيد من الشعب العلوي كثيرا ما يكون بالثورة المسلحة:

أولها: كانت ثورة النفس الزكية (ت 140 ه) و استمرت عليها جمع من القادة العلويين.



[ صفحه 215]



2- ثورة أخيه ابراهيم بن عبدالله المحض في البصرة، شهيد باخمري 145 ه.

3- ثورة يحيي بن الحسن المثلث في الحجاز، شهيد فخ 169 ه.

4- ثورة ابن طباطبا محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن الحسن المثني في الكوفة عام 199 ه.

5- ثورة ابراهيم ابن الامام موسي الكاظم عليه السلام في اليمن عام 200 ه.

6- ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر الاشرف باليمن عام 207 ه.

7- ثورة محمد بن القاسم بن عمر الاشرف ابن الامام زين العابدين عليه السلام بخراسان عام 219 ه.

8- ثورة القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن الحسن المثني بمكة عام 246 ه.

9- ثورة يحيي بن عمر بن يحيي بن حسين بن زيد بن علي بالكوفة عام 250 ه.

10- ثورة الحسن بن زيد بن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد ابن الامام الحسن عليه السلام بالديلم، عالم 250 ه.

و لم تخمد هذه الثورات علبي العباسيين و كلما ازداد الموقف العباسي ابتعادا عن الثقافة الاسلامية و انهماكا في الظلم و المجون ازداد نشاط العلويين في الموقف المعارض تقية أو علانية.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين: 188.

[2] مقاتل الطالبيين: 171.

[3] ابن الاثير 532:5.

[4] مقاتل الطالبيين: 235.

[5] مقاتل الطالبيين: 252.