بازگشت

الموقف الاموي


قال المقريزي (ت 845 ه) في كتابه «النزاع و التخاصم»: فاني كثيرا ما كنت أتعجب من تطاول بني أمية الي الخلافة مع بعدهم من جدم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قرب بني هاشم، و أقول: كيف حدثتهم أنفسهم بذلك، و أين بنوأمية و بنومروان بن الحكم طريد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لعينه من هذا الحديث، مع تحكم العداوة بين بني أمية



[ صفحه 202]



و بني هاشم في أيام جاهليتها، ثم شدة عداوة بني أمية لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مبالعغتهم في أذاه و تماديهم علي تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله عزوجل بالهدي و دين الحق الي أن فتح مكة شرفها الله تعالي، فدخل من دخل منهم في الاسلام كما هو معروف مشهور و أردد قول القائل:



كم من بعيد الدار نال مراده

و آخر داني الدار و هو بعيد [1]



ثم ذكر جمعا من الامويين الذين وقفوا في وجه الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم في الجاهلية و الاسلام، و اليك بعض كلامه فيهم قال:

حتي قام سيد بني هاشم أبوالقاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بمكة يدعو قريشا الي توحيد الله تعالي جلت قدرته و ترك ما كانت تعبد من دون الله، فانتدب لعداوته صلي الله عليه و آله و سلم جماعة بني أمية منهم أبوأحيحة سعيد بن العاص بن أمية، حتي هلك علي كفره بالله في أول سنة من الهجرة أو في سنة اثنين وهو يحاد الله و رسوله عليه السلام، و منهم عقبة بن أبي معيط، أبان بن عمرو بن أمية، و كان أشد الناس عداوة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ادا الي أن قاتل يوم بدر فأتي به الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد أسر، فأمر بضرب عنقه.

و قال: و منهم الحكم بن أبي العاص بن أمية، و كان عارا في الاسلام، و كان مؤذيا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بمكة يشتمه و يسمعه ما يكره، فلما كان فتح مكة أظهر الاسلام خوفا من القتل.

و قال: و هند هذه أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكة بقتلها فأسلمت، و لما حضرت مع النساء لتبايع بيعة الاسلام كان مما قال لهن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «و لا تقتلن أولادكن»، فقالت: ربيناهم يا محمد صغارا و قتلتهم كبارا. و هي أم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام، و أخذ الخلافة من الحسن بن علي عليه السلام، و استلحق زياد بن سمية من زنية، و استخلف علي الامة ابنه يزيد القرود و يزيد الخمور.



[ صفحه 203]



(و قال): و منهم: الوليد بن عتبة بن ربيعة، و قتل ببدر كافرا، قتله علي عليه السلام، والوليد هذا هو خال معاوية.

و منهم: شيبة بن ربيعة بن عبدشمس، عم هند أم معاوية، و كان يجتمع مع قريش فيما تكيد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الاذي، و قتله الله يوم بدر فيمن قتل من أعدائه.

و منهم: أبوسفيان صخر بن حرب بن أمية، قائد الاحزاب الذي قاتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم أحد، و قتل من خيار أصحابه سبعين ما بين مهاجري و أنصاري، منهم أسد الله حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم رضي الله عنه، و قاتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في يوم الخندق أيضا و كتب اليه: «باسمك اللهم، أحلف باللات و العزي و ساف و نائلة و هبل لقد سرت اليك أريد استئصالكم فأراك قد اعتصمت بالخندق فكرهت لقائنا و لك مني كيوم أحد».

و بعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشمي فقرأه علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم أبي بن كعب رضي الله عنه، فكتب اليه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «قد أتاني كتابك، و قديما غرك يا أحمق بني غالب، و سفيههم بالله الغرور، و سيحول الله بينك و بين ما تريد و يجعل لنا العاقبة، و ليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات و العزي و ساف و نائلة و هبل يا سفيه بني غالب».

و لم يزل يحاد الله و رسوله حتي سار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لفتح مكة فأتي العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد أردفه، و ذلك أنه كان صديقه و نديمه في الجاهلية، فلما دخل به علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سأله أن يؤمنه فلما رآه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال له: ويلك يا أباسفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا اله الا الله؟! فقال: بأبي أنت و أمي ما أوصلك و أجملك و أكرمك! و الله لقد ظننت أنه لو كان مع الله غيره لقد أغني عني شيئا.

فقال: يا أباسفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال: بأبي أنت و أمي ما أوصلك و أجملك و أكرمك! أما هذه ففي النفس منها شي ء.

فقال له العباس: ويلك اشهد بشهادة الحق قبل أن تضرب عنقك، فشهد و أسلم، فهذا حديث اسلامه كما تري.



[ صفحه 204]



و اختلف في حسن اسلامه فقيل: انه شهد حنينا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كانت الازلام معه يستقسم بها، و كان كهفا للمنافقين و انه كان في الجاهلية زنديقا.

و في خبر عبدالله بن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم اذا ظهرت قال أبوسفيان: «ايه بني الاصفر» فاذا كشفهم المسلمون، قال أبوسفيان:



و بنوالاصفر الملوك ملك الر

وم و لم يبق منهم مذكور



فحدث به ابن الزبير أباه، فلما فتح الله علي المسلمين، فقال الزبير، قاتله الله يأبي الا نفاقا، أولسنا خيرا له من بني الاصفر.

و ذكر عبدالرزاق عن ابن المبارك، عن مالك بن مغول بالغين عن ابن أبجر، قال: لما بويع لابي بكر جاء أبوسفيان الي علي عليه السلام عنه، فقال: أغلبك علي هذا الامر أقل بيت في قريش؟ أما و الله لأملأنها خيلا و رجالا ان شئت؟

فقال علي عليه السلام: «ما زلت عدوا للاسلام و أهله فما ضر ذلك الاسلام و أهله شيئا».

و ذكر المدائني عن أبي زكريا العجلاني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: حج أبوبكر و معه أبوسفيان بن حرب فكلم أبوبكر أباسفيان فرفع صوته، فقال أبوقحافة: اخفض صوتك يا أبابكر عن ابن حرب، فقال أبوبكر: يا أباقحافة ان الله بني بالاسلام بيوتا كانت غير مبنية و هدم به بيوتا كانت في الجاهلية مبنية، و بيت أبي سفيان مما هدم.

فليت شعري بعد هذا بأي وجه يبني بيت أبي سفيان بعدما هدمه الله؟!

و روي عن الحسن: أن أباسفيان دخل علي عثمان حين صارت الخلافة اليه فقال: «صارت اليك بعد تيم و عدي فأدرها كالكرة و اجعل أوتادها بني أمية، فانما هو الملك و لا أدري ما جنة و لا نار».

فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك و فعل.

و أبوسفيان هذا هو أبومعاوية و لم يزل بعد اسلامه هو و ابنه معاوية من المؤلفة.



[ صفحه 205]



و منهم: معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، و هو الذي جدع أنف حمزة و مثل به فيمن مثل، فلما انهزم يوم أحد دخل علي عثمان بن عفان ليجيره، و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أمر بطلبه فأخرج من دار عثمان و أتي به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوهبه لعثمان، و أقسم لئن وجده بعد ثلاث بالمدينة و ما حولها ليقتلن، فجهزه عثمان و سار في اليوم الرابع.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان معاوية أصبح قريبا لم ينفذ فاطلبوه و اقتلوه، فأصابوه فأخذه زيد بن حارثة و عمار بن ياسر فقتلاه، و قيل: بل قتله علي عليه السلام.

و معاوية هذا هو أبوعائشة أم عبدالملك بن مروان، فعبدالملك بن مروان أعرق الناس في الكفر، لان أحد أبويه الحكم بن أبي العاص لعين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و طريده، و الآخر معاوية بن المغيرة.

و منهم: حمالة الحطب، و اسمها أم جميل بنت حرب بن أمية، كانت تحمل أغصان العضاه و الشوك فتطرحها علي طريق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

قال الضحاك عن ابن عباس، فقال مجاهد: حمالة االنميمة تحطب علي ظهرها و اياها عني الله تعالي بقوله في تبت: (تبت يدا أبي لهب)... (و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد).

قيل: عني أن في جيدها سلسلة من نار، أي من سلاسل جهنم، و الجيد: العنق، و لما نزلت سورة (تبت يدا أبي لهب و تب ما أغني عنه ماله و ما كسب سيصلي نارا ذات لهب و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) قالت امرأة أبي لهب: قد هجاني محمد و الله لأهجونه، فقالت: مذمما قلينا. و دينه أبينا. و أمره عصينا.

و أخذت فهرا لتضربه به فأعشي الله عينها عنه وردها بغيظها، و لم تزل علي كفرها حتي هلكت.

و ما أحد من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم الا و قد بذل جهده في عداوة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بالغ في أذي من اتبعه و آمن به، و نالوا منهم من الشتم و أنواع العذاب حتي فروا منهم مهاجرين الي بلاد الحبشة، ثم الي المدينة، و أغلقت أبوابهم بمكة. فباع أبوسفيان بن حرب بعض دورهم و قضي من ثمنها دينا عليه.



[ صفحه 206]



و هموا بقتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم غير مرة و تناظروا في أمره ليخرجوه من مكة، أو يقيدوه و يحبسوه حتي يهلك، أو يندبوا لقتله من كل قبيلة رجلا حتي يتفرق دمه في القبائل.

و بالغ كل أحد منهم في ذلك بنفسه و ماله و أهله و عشيرته، و نصب لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الحبائل بكل طريق سرا و جهرا ليقتله، فلما أذن الله له في الهجرة و خرج من مكة و معه صاحبه أبوبكر الصديق الي غار ثور، جعلوا لمن جاء بهما أو قتلهما ديتهما و يقال: جعلوا له مائة بعير، و نادوا بذلك في أسفل مكة و أعلاها.

كل ذلك حسدا منهم لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بغيا، و يأبي الله الا تأييد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اعلاء كلمته حتي صدق الله وعده، و نصر عبده، و أعز جنده، و هزم الاحزاب وحده، و ظهر أمر الله و هم كارهون كما ذكرت ذلك ذكرا شافيا في كتاب امتاع الاسماع بما للرسول من الانباء و الاحوال و الحفدة و المتاع: و لله در من قال:



عبدشمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد



فابن حرب للمصطفي، و ابن هند

لعلي، و للحسين يزيد [2]



و لخص المقريزي (ت 845 ه) جملة من شنائعهم بعد واقعة كربلاء، فقال:

و قتلوا يحيي بن زيد، و سموا قاتله ثائر آل مروان و ناصرالدين.

و ضربوا علي بن عبدالله بن العباس بالسياط مرتين علي أن تزوج بنت عمه الجعفرية التي كانت عند عبدالملك بن مروان، و علي أن نحلوه قتل سليط.

و سموا أباهاشم بن محمد بن علي، و ضرب سليمان بن حبيب بن المهلب أباجعفر المنصور بالسياط قبل الخلافة، و قتل مروان الحمار الامام ابراهيم بن محمد بن علي أدخل رأسه في جراب نورة حتي مات. و قتلوا يوم الحرة عون بن عبدالله بن جعفر، و قتلوا يوم الطف مع الحسين أبابكر بن عبدالله بن جعفر، و قتلوا يوم الحرة الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب و العباس بن عبتة بن أبي لهب و عبدالرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب.



[ صفحه 207]



و مع ذلك كله فان عبدالملك بن مروان أبوالخلفاء من بني مروان أعرق الناس في الكفر، لان جده لابيه الحكم بن أبي العاص لعين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و طريده و جده لامه معاوية بن المغيرة بن أبي العاص طرده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم قتله علي و عمار صبرا.

و لا يكون أميرالمؤمنين عليه السلام الا أولادهم بالايمان و أقدمهم فيه.

هذا و بنوأمية قد هدموا الكعبة، و جعلوا الرسول دون الخليفة، و ختموا في أعناق الصحابة، و غيروا أوقات الصلاة، و نقشوا أكف المسلمين، و منهم من أكل و شرب علي منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نهبت الحرم و وطئت المسلمات في دار الاسلام بالبقيع في أيامه [3] .

قال الجلالي: ان ما ذكره المقريزي و غيره من المؤرخين من الموقف الاموي ضد أهل البيت عليهم السلام كان علي خط مستمر لضرب الاسلام في صميمه و في قيادته الحكيمة و حاولوا القضاء علي أئمة الاسلام بكل ما أوتوا من حول و طول، من التشهير بهم، و التهجير، و السجن، و التعذيب، روحيا و جسديا، فسموا الامام الحسن و الامام زين العابدين (ت 95 ه) و الامام الباقر (ت 114 ه) و غيرهم من آل البيت عليهم السلام الذين حملوا رسالة الاسلام علما و عملا و بذلوا كل ما يملكون من نفس و نفيس لصيانة هذه الرسالة التي و صلت الينا، و هي تحمل لون دمائهم، و كأن الامويين لم يكن لهم هدف سوي الانتقام من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أهل بيته.

أرسل هشام بن عبدالملك الي الباقر عليه السلام جاء به الي الشام ليهين كرامته أمام الناس، و لما وجد الناس كادوا أن يفتتنوا به أبعده خشية أن يفتضح أمره، و أبعد كل علوي في العراق الي المدينة، و أخذ عليهم أن لا يخرجوا منها، و قد ضبط التأريخ مظالمهم الفظيعة، و نعم ما قال الملك الصالح طلائع بن زريك (ت 556 ه):



بني أمية اني لست ذاكركم

اذ لي بذكر سواكم أكثر الشغل



كفي الذي دخل الاسلام اذ فتكت

ايمانكم ببني الزهراء من خلل



منعتم من لذيذ الماء شاربهم

ظلما و كم فيكم من شارب ثمل [4]





[ صفحه 208]




پاورقي

[1] النزاع و التخاصم، ص: 11.

[2] النزاع و التخاصم: 33.

[3] النزاع و التخاصم: 32.

[4] الديوان: 118.