بازگشت

القضاء


اضطربت كلمات الاعلام في تعريف القضاء، فذكر الشيخ المفيد في معني القضاء: الخلق و الامر ولاء و الحكم و الفراغ من الامر [1] .و تكاد تتفق كلماتهم ان القضاء و القدر انما يتعلق في الامور التكوينية كالصحة



[ صفحه 193]



و المرض و الحياة و الموت و ما شابه، دون التشريعية كالوجوب و الحرمة و ما شابه، و ان القضاء الالهي لا يتخلف، و اتفقت كلمة الطائفة بأن البداء ممكن، بل حاصل، و ان ذلك لا ينافي علمه سبحانه، و قد شنع المخالفون علي ذلك.

و تحقيق المقال بالايجاز: هو أن المستفاد من روايات أهل البيت عليهم السلام أن لله سبحانه و تعالي قضاء لا يتخلف، و قدرا معلقا علي حصول علته و أسبابه، و بدأ بمعني ظهر للعباد ما أراده سبحانه بعد أن خفي عليهم ارادة الله سبحانه علي نحو التجوز.

بيان ذلك: ان الآية في نفسها تدل علي أن ما يتحقق في الخارج من الامور التكوينية يمر بمراحل ثلاث:

المرحلة الاولي: مرحلة المشيئة، و هي المرحلة الاصلية و عبر عنها سبحانه ب«اللوح المحفوظ» و «أم الكتاب» أي الاصل المكتوب له.

المرحلة الثانية: مرحلة القدر و هي غير ثابتة، بل مقدرة علي شرائط و أسباب ان تحقق القضاء، فمد الاجل مثلا معلق علي الصدقة، فان تحققت مد في الاجل، و الا فلا.

و هذا يعبر عنها بمرحلة المحو و الاثبات؛ لانه سبحانه يمحو و يثبت ما يشاء بعد تحقق تلك الشرائط أو عدمها.

المرحلة الثالثة: مرحلة التحقق في الخارج بعد تحقق تلك الشرائط و الاسباب، و هذه يعبر عنها بالامضاء، و هذه هي مرحلة الاعجاز، فلولا امضاء الله سبحانه لما أثرت تلك الشرائط و الاسباب، و له سبحانه أن يوقف تأثيرها بالاعجاز، و لولاه لم يكن الاعجاز.

و المحصل: ان هذه المراحل كلها تحت قدرته تعالي، و ليس للعباد طريق الي معرفة المرحلة الاولي الا بعد تحقق المرحلة الاخيرة.

و يوضح هذه المراحل باختصار رواية الامام الصادق عليه السلام: «ان الله اذا أراد شيئا قدره، و اذا قدره قضاه، و اذا قضاه أمضاه» [2] .



[ صفحه 194]



و أوضحه الامام الرضا بقوله عليه السلام: «ان الله اذا شاء شياء أراده،و اذا أراده قدره، و اذا قدره قضاه، و اذا قضاه أمضاه» [3] .

و أجاب الامام الرضا عليه السلام عن سؤال يونس: فما معني شاء؟

قال عليه السلام: «ابتدأ الفعل».

قلت: فما معني أراد؟

قال: «الثبوت عليه».

قلت: فما معني قدر؟

قال: «تقدير الشي ء من طوله و عرضه».

قلت: فما معني قضي؟

قال: «اذا قضي أمضاه، فذلك الامر الذي لا مرد له» [4] .

فالمشيئة هي المرحلة الاولي و قد تتعقبها الارادة أولا، و الارادة الالهية هذه هي القدرة التي تعم الكون جميعا، و بها تتحقق المعجزات.

و بعد الارادة تأتي مرحلة القدر، أي تقدير الامور علي أساسها و عليها البناء، فان في فقدان علة منها يتغير القدر.

و المرحلة الاخيرة هي مرحلة التحقق، حيث تتحقق العلة التامة بالقضاء و الامضاء الذي لا يتخلف.

و يزيد ذلك وضوحا ما رواه الصدوق (ت 381 ه) باسناده عن ابن نباتة، قال: ان أميرالمؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل الي حائط آخر، فقيل له: «يا أميرالمؤمنين تفر من قضاء الله؟ قال: أفر من قضاء الله الي قدر الله عزوجل» [5] .

فان الله سبحانه قدر للحائط المائل تقديرا يخالف تقديره للحائط الغير المائل، فان الاسباب لانهدام الحائط الغير المائل تكاد تكون منعدمة، و هي في المائل تكاد تكون متكاملة و يكاد أن يتعقبه القضاء.



[ صفحه 195]



فتلخص: أن الامور التكوينية تمر بمراحل المشيئة و الارادة، ثم التقدير، ثم القضاء، و به تتحقق الامور في الخارج، و قد يستعمل القضاء في الروايات بمعناه اللغوي.


پاورقي

[1] بحارالانوار 98:5.

[2] بحارالانوار 121:5.

[3] بحارالانوار 122:5.

[4] الكافي 15:1 و بحارالانوار 122:5.

[5] بحارالانوار 114:5.