بازگشت

متي يصح الخروج


جاء في الخطبة أن الامام الباقر عليه السلام أشار علي زيد بترك الخروج و عرفه ما يصير اليه أمره.

و قد روي قطب الدين الراوندي (ت 573 ه) في الخرائج و الجرائج قال: «روي عن الحسن بن راشد قال: ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبدالله، فقال: لا تفعل! رحم الله عمي،أتي أبي فقال: اني أريد الخروج علي هذا الطاغية، فقال: لا تفعل، فاني أخاف أن تكون المقتول المصلوب علي ظهر الكوفة، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة علي أحد من السلاطين قبل خروج السفياني الا قتل.

قال: ألا يا حسن ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار، و فيهم نزلت: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات) [1] فان الظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام، و المقتصد العارف بحق الامام، و السابق بالخيرات هو الامام...» [2] .

و ربما يتوهم - استنادا الي هذه الرواية - أن ثورة زيد كانت غير مشروعة حيث جاء فيها النهي عن الخروج. ولكن التأمل في سيرة زيد في المدينة و مكة و الشام و الكوفة يبين خلاف ذلك؛ فان من الطبيعي أن تكون فكرة الخروج منتشرة بين العلويين عامة، و خاصة الذين لم يغب عن ذاكرتهم فاجعة كربلاء الرهيبة كزيد و من عاصره، و من الطبيعي أيضا أن زيدا أباح مما في صدره لاخيه الباقر، و أنه عليه السلام نهاه لما يعرفه من خطط هؤلاء الطغاة و قلة الديانين - كما قاله الامام الحسين عليه السلام - و يظهر أن زيدا أطاع الامام و لم يبادر في الخروج من المدينة أبدا، فهو في ذلك امتثل أوامره و تقيد بنواهيه، ولكن الطاغية هو الذي ضيق عليه و هو الذي ألقي القبض عليه و علي غيره ممن خاف منهم في مكة - حرم الله الآمن - و أحضرهم



[ صفحه 190]



في قصره بالرصاة الرقة في الشام، و تكشف الروايات أن زيدا أصبح في موقع ليس له الا الخروج حيث سب النبي صلي الله عليه و آله و سلم في محضره في مجلس هشام امعانا في التوهين به. فلم يقرر الخروج الا و هو في الشام و هذا لم يتعلق به نهي الامام عليه السلام.

روي الشيخ الكليني (ت 329 ه) عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم، عن عنبسة بن بجاد العابد، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كنا عنده و ذكروا سلطان بني أمية، فقال أبوجعفر عليه السلام: لا يخرج علي هشام أحد الا قتله، قال: و ذكر ملكه عشرين سنة، قال: فجزعنا، فقال: ما لكم اذا أراد الله عزوجل أن يهلك سلطان قوم أمر الملك فأسرع بسير الفلك فقدر علي ما يريد؟ قال: فقلنا لزيد عليه السلام هذه المقالة فقال: اني شهدت هشاما و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يسب عنده فلم ينكر ذلك و لم يغير، فوالله لو لم يكن الا أنا و ابني لخرجت عليه» [3] .

و روي يحيي بن الحسين الهاروني (ت 424 ه) باسناده قال: أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي قال: أخبرنا عبدالعزيز بن اسحاق الكوفي، قال: حدثني محمد بن عيسي، قال: حدثني محمد بن بكر المكي، قال: حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، قال: قال لي محمد بن علي عليه السلام: «ان أخي زيد بن علي خارج و مقتول و هو علي الحق، فالويل لمن خذله، و الويل لمن حاربه، و الويل لمن يقتله، قال جابر: فلما أزمع زيد بن علي عليه السلام الخروج، قلت له: اني سمعت أخاك يقول كذا و كذا. فقال لي: يا جابر لم يسعني أن أسكن و قد خولف كتاب الله تعالي و تحوكم بالجبت و الطاغوت و ذلك أني شاهدت هشاما و رجل عنده يسب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقلت للساب له: ويلك يا كافر أما اني لو تمكنت منك لا ختطفت روحك و عجلتك الي النار، فقال لي هشام: مه عن جليسنا يا زيد، فوالله لو لم يكن الا أنا و يحيي ابني لخرجت عليه و جاهدته حتي أفني [4] .

فان رواية جابر توضح أنه لم يبق لزيد خيار غير الثورة اذ حكيت كيف استفزه هشام بأن يسب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمامه و هو علي كرسي خلافته، فكيف يمكن



[ صفحه 191]



السكوت علي هذه التصرفات ضد المبادي ء الاسلامية؟ فهل هناك شخصية أقدس من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في الاسلام؟ فان هذه الرواية تبين ان عزم زيد علي الثورة كان في اللقاء الاخير حين اكتشف أنه لم يبق لديه من طريق للامر بالمعروف و النهي عن المنكر الا القيام المسلح ضد الطغاة، و هذا لم يتعلق به نهي، غاية ما هناك أنها شبهة موضوعية، و قد اتفقت كلمة الفقهاء علي أن الشبهة الموضوعية ليست من الاحكام الشرعية حتي تكون متعلقا للأمر و النهي، بل يدور أمرها لدي من يمكنه التحقق منها كما شرحت ذلك في المعجم، فراجع.

و بعد أن ألقي القبض علي زيد و انتهي أمره الي اللقاء بهشام و سب النبي الاكرم صلي الله عليه و آله و سلم أمامه، لم يبق له خيار سوي الثورة و الله العالم.



[ صفحه 192]




پاورقي

[1] سورة فاطر، الآية: 32.

[2] بحارالانوار 185:45.

[3] الكافي 394:8.

[4] سر المعالق: 188.