بازگشت

الامام محمد الباقر (ت / 114 ه)


هو الامام محمد بن علي بن الحسين عليه السلام و قد حمل عليه السلام رسالة أهل البيت عليهم السلام في ظروف استهدفت القضاء عليها و علي آثارها، و بسيرته المثلي قام عليه السلام بنشر تراث النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المجتمع الاسلامي آنذاك.

قال المفيد: و روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل به علما لاهله تضرب به الامثال، و تسير بوصفه الآثار و الاشعار.

و فيه يقول القرظي:



يا باقر العلم لاهل التقي

و خير من لبي علي الاجبل



و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه عليه السلام:



اذا طلب الناس علم القرآ

ن كانت قريش عليه عيالا



و ان قيل: أين ابن بنت النب

ي نلت بذاك فروعا طوالا



نجوم تهلل للمدلجين

جبال تورث علما جبالا



و ولد عليه السلام بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة، و قبض فيها سنة أربع عشرة و مائة. و سنه يومئذ سبع و خمسون سنة، و هو هاشمي من هاشميين علوي من علويين، و قبره بالبقيع من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.



[ صفحه 176]



روي ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلت علي جابر بن عبدالله الانصاري رحمه الله فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي: من أنت - و ذلك بعد ما كف بصره - فقلت: محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فقال: يا بني ادن مني، فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوي الي رجلي يقبلها فتنحيت عنه، ثم قال لي: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقرئك السلام، فقلت: علي رسول الله السلام و رحمة الله و بركاته، و كيف ذلك يا جابر؟ فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي: «يا جابر لعلك تبقي حتي تلقي رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور و الحكمة فاقرئه مني السلام».

و كان في وصية أميرالمؤمنين عليه السلام الي ولده ذكر محمد بن علي بن الحسين والوصاة به، و سماه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عرفه بباقر العلم علي ما رواه أصحاب الآثار [1] .

و ترجمه ابن عساكر (ت 571 ه) مفصلا بذكر مقتطفات من سيرته قائلا:

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، أبوجعفر الهاشمي، باقر العلم من أهل المدينة، أوفده عمر بن عبدالعزيز عليه حين ولي الخلافة...

قرأت بخط عبدالوهاب الميداني بسماعه من أبي سليمان بن زيد عن أبيه أبي محمد، قال: و أخبرني أحمد بن عبدالله، قال: وجدت في كتاب جدي بخطه، عن الفرات بن السائب، عن أبي حمزة، قال: ان عمر بن عبدالعزيز لما ولي بعث الي الفقهاء فقربهم و كانوا أخص الناس به. بعث الي محمد بن علي بن الحسين أبي جعفر، و بعث الي عون بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، و كان من عباد أهل الكوفة و فقهائهم، فقدم عليه، و بعث الي محمد بن كعب القرظي، و كان من أهل المدينة و أفاضلهم و فقهائهم، فلما قدم أبوجعفر محمد بن علي علي عمر بن عبدالعزيز و أراد الانصراف الي المدينة قال: فبينما هو جالس في الناس ينتظر الدخول علي عمر اذ أقبل ابن حاجب عمر و كان أبوه مريضا، فقال: أين أبوجعفر! فليدخل؟ فأشفق



[ صفحه 177]



محمد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعي، فنادي ثلاث مرات، قال: لم يحضر يا أميرالمؤمنين. قال: بلي قد حضر، حدثني بذلك الغلام. قال: فقد ناديته ثلاث مرات قال: كيف قلت؟ قال: قلت: أين أبوجعفر قال: ويحك، أخرج و قل: أين محمد بن علي، فخرج، فقام، فدخل، فحدثه ساعة، و قال: اني أريد الوداع يا أميرالمؤمنين. قال عمر: فأوصني يا أباجعفر قال: أوصيك بتقوي الله و اتخاذ الكبير أبا و الصغير ولدا و الرجل أخا فقال: رحمك الله جمعت لنا و الله ما أخذنا و أعاننا الله عليه استقام لنا الخير ان شاء الله. ثم خرج، فلما انصرف الي رحله أرسل اليه عمر: اني أريد أن آتيك فاجلس في ازار ورداء؛ فبعث اليه: لا، بل أنا آتيك، فأقسم عليه عمر فأتاه عمر، فالتزمه و وضع صدره علي صدره و أقبل يبكي، ثم جلس بين يديه، ثم قام و ليس لابي جعفر حاجة سأله اياها الا قضاها له و انصرف، فلم يلتقيا حتي ماتا جميعا رحمهما الله [2] .

قال الجلالي: و هذه الرواية تكشف أن الخليفة الاموي أراد الاستهانة بالامام، و طلبه لكي تجعل خلافته مشروعة أمام المجتمع الاسلامي، و أراد التقليل من شخصية الامام بالنداء من قبل ولد الحاجب دون أن يرسل اليه من يليق بشخصه، و الامام رده بالمثل و أهمل النداء حتي نودي بشخصه، و أراد اغراء الامام عليه السلام بما يتهافت عليه أصحاب الدنيا، فأجابه الامام بوصية و كان طلبه الوحيد أن يسمح له بالانصراف الي المدينة مشيرا الي أن مجيئه لم يكن عن رغبة منه [3] .

و بسيرته عليه السلام فضح كل مخططات الامويين، و لما أحس الخليفة بذلك حاول أن يجبر ذلك بزيارة الامام في داره و لم يقبل ذلك الامام الا مكرها، و الا فما الذي دعاه أن يفعل هذا آخرا، و كان بالامكان أن يزوره أولا و أن لا يحمل الامام علي زيارته من المدينة الي الشام؟

و روي الحافظ عن الحسن قال: أنبأنا أبوعبدالله الحسين بن نصر بن خميس الموصلي، أنبأنا أبوبكر محمد بن المظفر السامي، أنبأنا أبومحمد الحسن بن



[ صفحه 178]



محمد الخلال، حدثنا أبوجعفر عمر بن أحمد بن عثمان، حدثنا عبدالباقي بن قانع، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا شعيب بن واقد، أنبأنا سعيد بن محمد الجهني، عن أبي الزبير، قال: كنا عند جابر بن عبدالله فدخل عليه علي بن الحسين و معه ابنه فقال: من هذا يا ابن رسول الله؟ قال: ابني محمد فضمه جابر اليه و بكي ثم قال: اقترب أجلي يا محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقرئك السلام، فسأل: و ما ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول للحسين بن علي: انه يولد لابني هذا ابن يقال له: علي بن الحسين، و هو يسد العابدين؛ اذا كان يوم القيامة ينادي منادي: ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين، و يولد لعلي بن الحسين ابن يقال له: محمد، اذا رأيته يا جابر فاقرئه مني السلام، يا جابر اعلم أن المهدي من ولده، و اعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليل [4] .

(و قال): أخبرنا محمد بن الحسين، أنبأنا أبوبكر الخطيب، أنبأنا أبوالحسن بن رزقويه، أنبأنا أبوعمر و ابن السماك، حدثنا حنبل، حدثنا عثمان بن يحيي بن شيبة، حدثنا علي بن هاشم، عن محمد بن علي السلمي، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، قال: كنت أختلف أنا و أبوجعفر الي جابر بن عبدالله نكتب عنه في ألواح [5] .

أخبرنا أبوالقاسم ابن السمرقندي، أنبأنا اسماعيل بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي، حدثنا أحمد بن أبي عمران الجرجاني، حدثنا عمران بن موسي، حدثنا ابراهيم بن المنذر، حدثني محمد بن جعفر، حدثني أبي جعفر بن محمد قال: كان نقش خاتم أبي محمد بن علي «القوة لله جميعا» [6] .

(و قال): أنبأنا أبوعلي الحداد، أنبأنا أبونعيم الحافظ حيلولة: و أخبرنا أبوالبركات الانماطي أنبأنا أبوالفضل بن خيرون، أنبأنا أبوالقاسم بن بشران، أنبأنا أبوعلي بن الصواف، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا أبومالك الجهني عن عبدالله بن عطاء قال: «ما رأيت العلماء عند أحمد أصغر علما منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عند مكانه متعلم» [7] .



[ صفحه 179]



(و قال): أخبرنا أبوالحسين بن الفراء و أبوغالب و أبوعبدالله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبوجعفر بن المسلمة، أنبأنا أبوطاهر المخلص، أنبأنا أبوعبدالله الطوسي، حدثنا الزبير قال: و حدثني عن الرحمن بن عبدالله الزبيري، قال: حج هشام بن عبدالملك فدخل المسجد الحرام متكئا علي يد سالم مولاه، و محمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد، فقال له: يا أميرالمؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد. فقال له هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم. قال له: اذهب اليه فقل له: يقول لك أميرالمؤمنين: ما الذي يأكل الناس و يشرب الي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال له محمد: يحشر الناس علي مثل قرصة النقي فيها الانهار مفجرة فرأي هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، اذهب اليه فقل له: ما أشغلهم عن الاكل و الشرب يومئذ؟ ففعل، فقال له محمد بن علي: قل له: هم في النار أشغل، و لم يشغلوا أن قالوا: (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) [سورة الاعراف: آية 49] قال: فظهر عليه محمد بن علي [8] .

قال الجلالي: قوله عليه السلام: «مثل قرصة النقي» القرصة كناية عن الخبز، و لعل قوله هذا كناية عن أنهم يحشرون في النقاء مثل المادة التي تحتاج اليها في الدنيا للأكل كالخبز، فاذا حشروا علي مادة كهذه لا يكون لهم حاجة اليها؛ اذ بها قوامهم فلا حاجة الي الاكل و الشرب حينئذ و هي مادة الاكل و الشرب.

و هذه احدي المحاولات للحط من قدر الامام عليه السلام في المجتمع الذي لم يعرفه الامويون، و الذي يكشف عن جهلهم بكتاب الله تعالي و سنة نبيه و لذلك أجابهم الامام بما يناسب المقام.

و ذكر الحافظ ابن عساكر روايات كثيرة و أقوالا مختلفة في وفاته منها:

قوله: أخبرنا أبوالحسين بن الفراء و أبوغالب و أبوعبدالله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبوجعفر المعدل أنبأنا أبوطاهر المخلص، أنبأنا أحمد بن سليمان، حدثنا الزبير قال: و قال: محمد بن حسن: «توفي محمد بن علي بن الحسين في زمن هشام بن عبدالملك سنة أربع و عشرين و مائة و هو ابن ثمان و خمسين سنة» [9] .



[ صفحه 180]



و كان للامام الباقر عليه السلام دورا فعالا في استقلال العملة الاسلامية، حيث كان أول من أمر بضرب السكة في الاسلام و حكي ذلك ابراهيم بن محمد البيهقي (ت 320 ه) في المحاسن و المساوي ء [10] في قصة طويلة ان ملك الروم هدد عبدالملك بن مروان الاموي بشتم نبي الاسلام علي الدراهم و الدنانير ان لم يلب طلبه، و اليك نص ما قال:

أنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز الي ما كان عليه أولا، أو لآمرن بنقش الدنانير في بلادي - و لم تكن الدراهم و الدنانير نقشت في الاسلام - فينقش عليها من شتم نبيك، ما اذا قرأته ارفض جبينك له عرقا فأحب أن تقبل هديتي، و ترد الطراز الي ما كان عليه، و تجعل ذلك هدية بررتني بها، و تبقي علي الحال بيني و بينك.

فلما قرأ عبدالملك الكتاب غلظ عليه و ضاقت به الارض، و قال: أحسبني أشأم مولود ولد في الاسلام! لاني جنيت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من شتم هذا الكافر ما يبقي غابر الدهر، و لا يمكن محوه من جميع مملكة العرب؛ اذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم و دراهمهم، و جمع أهل الاسلام و استشارهم، فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به، فقال له روح بن زنباع: انك لتعلم الرأي و المخرج من هذا الامر، ولكنك تتعمد تركه، فقال: ويحك! من؟ قال: الباقر من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم، قال: صدقت!

و عن وفاة الامام الباقر عليه السلام قال محمد بن حجر العسقلاني (ت 852 ه): «و ممن ذكر وفاته سنة أربع عشرة أبوبكر بن أبي شيبة في تأريخه، و الفلاس و عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين، و مصعب الزبيري و عبدالله بن عروة، عن شيوخه و يعقوب بن سفيان و آخرون، و قال الزبير بن بكار: كان يقال لمحمد: باقر العلم. و قال محمد بن المنكدر: «ما رأيت أحدا يفضل علي علي بن الحسين حتي رأيت ابنه محمدا، أردت يوما أن أعظه فوعظني» [11] .



[ صفحه 181]



و مراجع ترجمته عليه السلام كثيرة، منها:

تهذيب التهذيب 350:9، و سير اعلام النبلاء 386:4، و حلية الاولياء 180:3، و تهذيب الكمال 136:26. و راجع: وفيات الاعيان 174:4، و البداية و النهاية 309:9، و تذكرة الحفاظ 124:1، و تأريخ اليعقوبي 320:2.


پاورقي

[1] الارشاد 159-157 :2.

[2] ترجمة الامام الباقر عليه السلام (ضمن ترجمة الامام زين العابدين).

[3] تاريخ مدينة دمشق 128-127.

[4] تاريخ مدينة دمشق: 136.

[5] تاريخ مدينة دمشق: 140.

[6] تاريخ مدينة دمشق: 141-140.

[7] تاريخ مدينة دمشق: 142.

[8] تاريخ مدينة دمشق: 144-143.

[9] تاريخ مدينة دمشق: 167.

[10] المحاسن و المساوي ء 234:2، ط / القاهرة، بتحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم.

[11] الارشاد 161:2.