بازگشت

زيد بن علي (ت / 121 ه)


زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام (ت 121 ه)، و اليه تنسب الطائفة الزيدية.

أخذه هشام بن عبدالملك الاموي (ت 125 ه) و حبسه خمسة أشهر حيث ظهر ابن لخالد القسري علي زيد و جماعة من أنهم عزموا علي خلع هشام بن عبدالملك الاموي [1] .

و من هنا جاءته فكرة الخروج كما يظهر من محادثة صريحة مع هشام حيث لم يعبأ هشام بأي عهد أو التزام منه كما سيأتي.

و قد بايعه أهل الكوفة علي كتاب الله و مقاومة الظلم، و انصاف المحرومين، و العدل بين المستضعفين، و الرضا من آل محمد.

و في معركة ضارية قتله الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية العراق، و صلب جثمانه و حمل رأسه الي الشام.

ترجمه أصحاب التراجم و التأريخ مفصلا، و نكتفي هنا بمصدرين منها:

قال الشيخ المفيد (ت 413 ه) في الارشاد:

و كان زيد بن علي بن الحسين عين اخوته بعد أبي جعفر عليه السلام، و أفضلهم، و كان عابدا ورعا، فقيها، سخيا، شجاعا، و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، و يطلب بثارات الحسين عليه السلام.



[ صفحه 170]



أخبرني الشريف أبومحمد الحسن بن محمد، عن جده، عن الحسن بن يحيي قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن يحيي بن مساور، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، قال: «قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي رضي الله عنه قيل لي: ذاك حليف القرآن» [2] .

و قال رحمه الله: و اعتقد فيه كثير من الشيعة الامامة، و كان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو الي الرضا من آل محمد، فظنوه يريد بذلك نفسه، و لم يكن يريدها به، لمعرفته باستحقاق أخيه عليه السلام للامامة من قبله، و وصيته عند وفاته الي أبي عبدالله عليه السلام، و كان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي رضي الله عنه بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام: أنه دخل علي هشام بن عبدالملك و قد جمع له هشام أهل الشام و أمر أن يتضايقوا في المجلس حتي لا يتمكن من الوصول الي قربه، فقال له زيد: انه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوي الله، و لا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوي الله، و أنا أوصيك بتقوي الله يا أمرالمؤمنين فاتقه.

فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ و ما أنت و ذاك لا أم لك و انما أنت ابن أمة. فقال له زيد: اني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه، و هو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهي غاية لم يبعث، و هو اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ و بعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو ابن علي بن أبي طالب عليه السلام. فوثب هشام عن مجلسه، و دعا قهرمانه، و قال: لا يبيتن هذا في عسكري.

فخرج زيد رحمه الله و هو يقول: انه لم يكره قوم قط حر السيوف الا ذلوا. فلما وصل الي الكوفة اجتمع اليه أهلها فلم يزالوا به حتي بايعوه علي الحرب ثم نقضوا بيعته و أسلموه، فقتل رحمه الله و صلب بينهم أربع سنين، لا ينكر أحد منهم، و لا يعينوه بيد و لا لسان.

و لما قتل بلغ ذلك من أبي عبدالله الصادق عليه السلام كل مبلغ، و حزن له حزنا



[ صفحه 171]



عظيما حتي بان عليه، و فرق من ماله علي عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار. روي ذلك أبوخالد الواسطي، قال: سلم الي أبوعبدالله عليه السلام ألف دينار و أمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد، فأصاب عيال عبدالله بن الزبير - أخي فضيل الرسان - منها أربعة دنانير.

و كان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين و مائة، و كانت سنه يومئذ اثنين و أربعين سنة» [3] .

و ترجمه ابن عساكر (ت 571 ه) ترجمة مفصلة لخصها بحذف أسانيدها عبدالقادر بدران (ت 1346 ه) في تهذيب تأريخ دمشق [4] و اليك مقتطفات منها:

«و روي الحافظ أن ابنا لخالد بن عبدالله القسري أقر علي زيد، و علي داود بن علي بن عبدالله بن عباس، و أيوب بن سلمة المخزومي، و محمد بن عمر بن علي، و سعد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، أنهم قد أزمعوا علي خلع هشام بن عبدالملك، فقال هشام لزيد: قد بلغني كذا و كذا فقال: ليس كما بلغك يا أميرالمؤمنين قال: بلي قد صح عندي ذلك، قال: أحلف لك، قال: و ان حلفت فأنت غير مصدق، قال زيد: ان الله لم يرفع من قدر أحد أن يحلف له بالله فلا يصدق. فقال له هشام: اخرج عني، فقال له: لا تراني اذن الا حيث تكره، فلما خرج من بين يدي هشام، قال: «من أحب الحياة ذل». فقال له الحاجب: يا أباالحسين لا يسمعن هذا منك أحد.

قال محمد بن عمير: ان أباالحسين لما رأي الارض قد طوقت جورا، و رأي قلة الاعوان و تجادل الناس كانت الشهادة أحب الميتات اليه، فخرج و هو يتمثل بهذين البيتين:



ان المحكم ما لم يرتقب حسدا

لو يرهب السيف أو و خز القناة صفا



من عاذ بالسيف لاقي فرجة عجبا

موتا علي عجل أو عاش فانتصفا



قال مصعب بن عبدالله: كان هشام بعث الي زيد، و الي داود بن علي،



[ صفحه 172]



و اتهمهما أن يكون عندهما مال لخالد بن عبدالله القسري حين عزله، فقال كثير بن كثير بن المطلب بن وداعة السهمي حين أخذ داود و زيد بمكة:



يأمن الضبي و الحمام و لا يأ

من ابن النبي عند المقام



طبت بيتا و طاب أهلك أهلا

أهل بيت النبي و الاسلام



رحمة الله و السلام عليكم

كلما قام قائم بسلام



حفظوا خاتما و جزء رداء

و أضاعوا قرابة الارحام



و نقل عن زكريا بن أبي زائدة قوله: «لما حججت مررت بالمدينة، فدخلت علي زيد فسلمت عليه، فسمعته يتمثل بأبيات و هو يقول:



و من يطلب المال الممنع بالقنا

يعش ماجدا أو تخترمه المخارم



متي تجمع القلب الذكي و صارما

و أنفا حميا تجتنبك المظالم



و كنت اذا قوم غزوني غزوتهم

فهل أنا في ذا يا آل همدان ظالم؟



قال عبدالأعلي الشامي: لما قدم زيد الشام كان حسن الخلق حلو اللسان، فبلغ ذلك هشاما فاشتد عليه، فشكي ذلك الي مولي له فقال: ائذن للناس اذنا عاما و احجب زيدا، ثم ائذن له في آخر الناس، فاذا دخل عليك فسلم فلا ترد عليه و لا تأمره بالجلوس، فاذا رأي أهل الشام هذا سقط من أعينهم، ففعل فأذن للناس اذنا عاما و حجب زيدا و أذن له في آخر الناس، فدخل، فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين، فلم يرد عليه فقال: السلام عليك يا أحول، فانك تري نفسك أهلا لهذا الاسم، فقال له هشام: أنت الطامع في الخلافة و أمك أمة؟ فقال: ان لكلامك جوابا فان شئت أجبت. قال: و ما جوابك؟ فقال: لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله اسماعيل نبيا و أمه هاجر، فالخلافة أعظم أم النبوة؟ فأفحم هشام، فلما خرج قال لجلسائه: أنتم القائلون ان رجالات بني هاشم هلكت؟ و الله ما هلك قوم هذا منهم، فرده و قال: يا زيد ما كانت أمك تصنع بالزوج و لها ابن مثلك؟ قال: أرادت آخر مثلي قال: ارفع الي حوائجك، فقال: أما و أنت الناظر في أمور المسلمين فلا حاجة لي، ثم قام، فخرج فأتبعه رسولا، و قال: اسمع ما يقول، فتبعه فسمعه يقول: من أحب الحياة ذل؟ ثم أنشأ يقول:



مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا

سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا





[ صفحه 173]





لا تطمعوا أن تهينونا و نكرمكم

و أن نكف الاذي عنكم و تؤذونا



الله يعلم انا لا نحبكم

و لا نلومكم ألا تحبونا



كل امري ء مولع في بغض صاحبه

فنحمد الله نقلوكم و تقلونا



ثم حلف أن لا يلقي هشاما و لا يسأله صفراء و لا بيضاء، فخرج في أربعة آلاف بالكوفة، فاحتال عليه بعض من كان يهوي هشاما فدخلوا عليه و قال: ما تقول في أبي بكر و عمر؟ فقال: رحم الله أبابكر و عمر صاحبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أين كنتم قبل اليوم؟ فقالوا: ما نخرج معك أو تتبرأ منهما. فقال: لا أفعل، هما اماما عدل. فتفرقوا عنه، و بعث هشام اليه قوما فقتلوه و صلبوه علي خشبة، فقال الموكل بخشبته: رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم في النوم قد وقف علي الخشبة، و قال: هكذا تصنعون بولدي من بعدي؟ يا بني يا زيد قتلوك قتلهم الله، صلبوك صلبهم الله، فخرج هذا في الناس، و كتب يوسف بن عمر الي هشام أن عجل أهل العراق قد فتنهم، فكتب اليه: احرقه بالنار، فأحرقه رحمة الله عليه.

أقول: اختلفت الروايات في سبب قتل زيد فروي ما تقدم، و روي غير ذلك كما ستراه، قال ضمرة بن ربيعة: كان سبب خروج زيد بالعراق أن يوسف بن عمر سأل القسري و ابنه عن ودائعهم فقالوا: لنا عند داود بن علي وديعة، و عند زيد بن علي وديعة، فكتب بذلك الي هشام، فكتب هشام الي صاحب المدينة في اشخاص زيد، و كتب الي صاحب البلقاء في اشخاص داود اليه، فقدما علي هشام، فأما داود فحلف لهشام أنه لا وديعه له عندي، فصدقه و أذن له بالرجوع الي أهله، و أما زيد فأبي أن يقبل منه و أنكر أن يكون له عنده شي ء، فقال: اقدم علي يوسف، فقدم علي يوسف فجمع بينه و بين يزيد و خالد القسريين، فقال: انما هو شي ء تبررت به، ما لي عنده شي ء، فصدقه و أجازه يوسف، و خرج يريد المدينة،فلحقه رجال من الشيعة و قالوا له: ارجع فان لك عندنا الرجال و الاموال، فرجع.و قال مغيرة: كنت أكثر الضحك فما قطعه الا قتل زيد.

و اختلفوا في مقتله، فقال الواقدي و مصعب و الزبير بن بكار: انه قتل يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين و مائة، و هو يوم قتل ابن اثنتين و أربعين سنة، و قيل: سنة اثنتين و عشرين و مائة، و قيل: سنة احدي و عشرين.



[ صفحه 174]



و قال اسماعيل بن علي: قتل ليومين خليا من صفر سنة اثنين و عشرين و مائة، و صلب بالكوفة، و في تأريخ قتله خلاف.

و لم يزل مصلوبا الي سنة ست و عشرين، ثم أنزل بعد أربع سنين من صلبه.

و قال سفيان بن عيينة: قتل سنة ثلاث و عشرين و مائة.

و قال محمد بن معاوية البجلي: لما صلب زيد وجهوا وجهه الي جهة الفرات فأصبح و قد دارت خشبته الي ناحية القبلة مرارا، و قد كانوا صلبوه عريانا فنسجت العنكبوت علي عورته». انتهت المقتطفات من تأريخ ابن عساكر [5] .

قال الجلالي: و التأمل في الروايات المتضاربة يفيد أن زيدا لم يدع الامامة لنفسه كما صرح به الشيخ المفيد رحمه الله و أنه ألقي القبض عليه في مكة من قبل السلطة الاموية لانها خافت من شخصيته الفذة التي كانت تشكل خطرا عليهم.

و حاولوا عبثا تمييع هذه الشخصية بتحقيره بأن لا يرد عليه السلام و لا يسمح له بالجلوس لكي يسقط من أعين أهل الشام كما صرحت به رواية الشامي، و قد ناقشه هشام فأجاب زيد بمنطق العلم و الدين ما جعل هشاما هو الخاسر في ميزان العلم و المعرفة بكتاب الله.

و أراد هشام أن يغريه بالمال بأن يرفع اليه حاجته، فأبت نفس زيد من أن تطلب منه حاجة.

و أخبره جواسيسه قولة زيد الحكيمة: «من أحب الحياة ذل».

و هكذا استنفدت كل خطط الامويين في تمييع شخصية زيد عليه السلام و اختلقوا ما سمحت له أبواق دعاياتهم الباطلة.

و يظهر أن زيدا قرر قرار الثورة عليهم حينئذ، فتوجه الي العراق حيث يتواجد الشيعة ولكن أجهزة المخابرات الاموية ظلت تتابعه حتي وقع فريسة لها.

و قد ألف فيه شيخنا السيد محمد مهدي الاصفهاني رحمه الله رسالة بعنوان:



[ صفحه 175]



«البرهان الجلي علي ايمان زيد بن علي» أورد فيها سبعة عشر حديثا تنبي ء عن اخلاصه في الدعوة الي كتاب الله و سنة رسوله و الرضا من آل البيت عليهم السلام طبعت في مطبعة المعارف ببغداد.

و للتفصيل عن حياته راجع:

تاريخ الطبري 160:7 و ابن الاثير 225:5 و البداية و النهاية 329:9 و تهذيب التهذيب 419:3 و مروج الذهب 206:3 و مزارات أهل البيت: 87.


پاورقي

[1] قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء 390:5.

[2] الارشاد 172-171: 2.

[3] الارشد: 174-172.

[4] تهذيب تأريخ دمشق 17:6، ط 1350 دمشق.

[5] مختصر تاريخ مدينة دمشق، لابن منظور 276.