يحيي بن زيد (ت / 125 ه)
يحيي بن زيد ابن الامام علي بن غالحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولد سنة 107 بالمدينة، و كان بصحبة أبيه حينما طلبه مع آخرين هشام بن عبدالملك
[ صفحه 165]
الاموي الي الرقة في الشام ثم أحالهم الي الحجاج الثقفي الي العراق كما يظهر من الرواية الآتية لابن عساكر.
و كان علي صغر سنه البالغ السادسة عشرة من العمر بطلا شجاعا حكيما في مواقفه حيث تمكن من أن يصون نفسه و أصحابه من طاغية العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن قتل أباه في سنة 122 ه و أن يجول البلدان حاملا رسالة أبيه من الدعوة الي الثورة العلوية، فنزح من الكوفة الي المدائن و الري و بلخ و سرخس و طوس و بيهق و نيشابور و أراك الي أن انتهي به الامر الي الجوزجان، و قاتل أقرانه قتالا شديدا حتي قتل في المعركة سنة 125 ه، و صلب جسده و حمل رأسه الي الوليد بن عبدالملك بالشام.
ترجمه ابن عساكر (ت 571 ه) مفصلا بعدة روايات مسندة لخصها ابن منظور الافريقي (ت 711 ه) بحذف الاسانيد، و قد استهل ترجمته بقوله: «كان مع أبيه حين أقدمه هشام».
و هذا في نفسه يكشف أن يحيي كان واعيا لمسيرة أبيه زيد و سائرا علي سيرته منذ البداية حتي النهاية: من الثورة علي الظلم بالرغم من جهود الامويين في تمييع هذه الاهداف المقدسة و تحريفها الي منافع شخصية، و الناظر بعين الفاحص البصير يكشف الحقائق، و اليك كلام ابن منظور في مختصر تأريخ ابن عساكر [1] :
«يحيي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي.
كان مع أبيه حين أقدمه هشام (ت 125 ه) قتل بخراسان، و كان صار اليها حين قتل أبوه زيد بن علي بالكوفة فقال:
لكل قتيل معشر يطلبونه
و ليس لزيد بالعراقين طالب
و أمه: ريطة بنت أبي هاشم، و اسمه عبدالله بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
و ذكر رواية سعد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الطويلة، و منها قوله:
[ صفحه 166]
«... خرج بنا الي هشام بن عبدالملك، و كان أيوب بن سلمة المخزومي أحد من كتب فيه، فقدم بمن قدم الرصافة قبلنا، فوجدنا هشاما قد استحلف أيوب: ما لخالد القسري عنده مال و لا خبر مال، فخرج الينا سالم فقال: ان أميرالمؤمنين قد أمر أن يخرج بكم الي العراق الي يوسف بن عمر (الحجاج الثقفي) قال سعد: فقلت: و لم لا يفعل بنا ما يفعل بصاحبنا أيوب بن سلمة؟ فنحن نري أميرالمؤمنين و نحلف له، فقال سالم: لا ان يوسف بن عمر قد تضمن لأميرالمؤمنين أن يستخرج له أموال القسري، و يخاف أميرالمؤمنين ان دخل عليه في ذلك فيقول: دخلت علي فيما ضمنت لك فتفسد عليه ما ضمن له. فلابد لكم من الذهاب اليه، فقال له زيد بن علي: والله يا سالم ما أحب أحد الحياة الاذل.
و قال ابن عساكر: «كان زيد بن علي يقول ليحيي ابنه:
ابني اما تقعدن فلا تكن
دنس الفعال مبيض الاثواب
و احذر مصاحبة اللئيم فانما
شين الكريم فسولة الاصحاب
حمل يحيي بن زيد العلوي الي بخاري مقيدا، و نعي اليه ولده، فأنشده بعض الشعراء قصيدة، فقال: دع ما تقول و اسمع ما أقول، و أنشأ يقول:
ان يكن نالك الزمان ببلوي
عظمت شدة عليك وجلت
و تلتها قوارع داهيات
سئمت دونها النفوس و ملت
فاصطبر و انتظر بلوغ مداها
فالرزايا اذا توالت تولت
و لم يعقب يحيي، و تولي قتله سلم بن أحوز المازني بالجوزجان بقرية أرغومة، و كان نصر بن سيار عامل خراسان بعث سلم بن أحوز الي يحيي، فقتله بعد حرب شديد، و زحوف و مواقف، ثم أصاب يحيي سهم في صدغه فسقط الي الارض، و انكبوا عليه فاحتزوا رأسه، فأنفذه سلم الي نصر، فأنفذه نصر الي هشام، فوصل اليه و هو بالرصافة، و صلبت جثته بجوزجان. فلم يزل مصلوبا حتي ظهر أبومسلم (الخراساني) فواري جسده، بعد أن تولي هو الصلاة عليه. و كتب أبومسلم باقامة النياحة ببلخ سبعة أيام بلياليها، فناح و بكي عليه الرجال و النساء و الصبيان، و أمر أهل مرو، ففعلوا مثل ذلك، و ما ولد في تلك السنة مولود بخراسان من العرب و من له حال و نبأ الا سمي «يحيي». و قال أبومسلم لمرار بن أنس: انه لم يبق من
[ صفحه 167]
قتلة يحيي بن زيد أحد يعرف بعينه الا سورة بن محمد الكندي، و هو شجي في لهاتي. و كان سورة من فرسان الكرماني، فمضي اليه مرار فقتله، فقال له أبومسلم: اليوم ساغ لي الشراب، و دعا أبومسلم بديوان بني أمية فجعل يتصفح أسماء قتلة يحيي بن زيد و من سار في ذلك البعث لقتاله، فمن كان حيا قتله و كان ميتا خلفه في أهله و في عشيرته بما يسوءه.
و كان قتل يحيي بن زيد سنة خمس و عشرين و مائة، و قيل: سنة ست و عشرين، و قيل: في ولاية الوليد بن يزيد [2] .
و المستفاد من رواية ابن عوف المتقدمة أن هشام أقدمه الي قصره المسمي بالرصافة قريبا من الرقة بالشام هو و جمع من وجوه المعارضة و استحلفهم ثم فرق بينهم ليسود عليهم، فأطلق سراح أيوب و أرسل زيد و ابنه يحيي الي عاملة طاغية العراق الحجاج الثقفي، و قد تنبه الي هذه التفرقة سعد بن ابراهيم الذي اعترض قائلا:«و لم لا يفعل بنا ما يفعل بصاحبنا أيوب بن سلمة؟ فنحن نري أميرالمؤمنين و نحلف له».
و الجدير بالذكر ان زيدا قرر قرار الثورة حيث وقف علي خطة الامويين حيث قال: «و الله يا سالم ما أحب أحد الحياة الا ذل».
و من هنا لا يمكن أن يظن بأن موقف يحيي يختلف عن موقف أبيه و هو الذي رافقه من المدينة و عرف مسيرة أبيه، و خطط أعدائه الامويين، كما شهد بذلك مواقفه البطولية علي الرغم من صغر سنه، و لما سأله أهل نيسابور المقام بها قال: «بلدة لم ترفع فيها لعلي و آله راية لا حاجة لي في المقام بها» [3] .
و ذكر المقرم (ت 1390 ه) روايتين في زمن بقائه في الكوفة:
احداهما: رواية أبي عبيدة معمر بن المثني من أنه بقي في الكوفة مختفيا و قال: «و لم نعرف منه الزمن الذي بقي فيه مختفيا بالكوفة بعد قتل أبيه غير التخمين بالشهر و نحوه» [4] .
[ صفحه 168]
و الرواية الثانية: نقلا عن مقاتل الطالبيين تفيد عدم اقامته بالكوفة غير تلك الليلة التي دفن فيها أباه و في صبيحتها سار الي خراسان.
قال الجلالي: و هذه الرواية أقرب؛ حيث تقتضي طبيعة الموقف ذلك. و الله أعلم.و الغريب أمر أبي مسلم الخراساني الذي دعي للعباسيين سرا و جهارا أن يستغل الموقف لتحكم سياسته، و قد تقدم في ترجمة البلخي (ت 194 ه) شكواه من ظلمه، و لم يسمع منه خطوة في مناصرة الدعوة العلوية في حياتهم حتي اذا قتلوا قام يستغل عواطف الشعب المسلم الموالي لاهل البيت عليهم السلام.
و الي مقتل يحيي يشير شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي (ت 246 ه) في تائيته التي منها قوله:
و ما الناس الا غاصب و مكذب
و مضطغن ذو احنة و ترات
اذا ذكروا قتلي ببدر و خيبر
و يوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي و رهطه
و هم تركوا أحشاءهم و غرات
لقد لا ينوه في المقال و أضمروا
قلوبا علي الاحقاد منطويات
فان لم يكن الا بقربي محمد
فهاشم أولي من هن و هنات
سقي الله قبرا بالمدينة غيثه
فقد حل فيه الامن بالبركات
نبي الهدي صلي عليه مليكه
و بلغ عنا روحه التحفات
و صلي عليه الله ما ذر شارق
و لاحت نجوم الليل مبتدرات
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا
و قد مات عطشانا بشط فرات
اذا للطمت الخد فاطم عنده
و أجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي
نجوم سماوات بأرض فلات
قبور بكوفان و أخري بطيبة
و أخري بفخ نالها صلواتي
و أخري بأرض الجوزجان محلها
و قبر بباخمري لدي الغربات [5]
[ صفحه 169]
و للتفصيل عن ترجمته راجع:
مقاتل الطالبيين: 103 وعدة الانساب: 259 و تأريخ الطبري 228:7 و مروج الذهب 225:2 و الكامل لابن الاثير 271:5 و مقاتل الطالبيين: 152.
پاورقي
[1] تأريخ مدينة دمشق، لابن منظور 258:27.
[2] مختصر تأريخ مدينة دمشق، لابن منظور 261:27.
[3] رياض السالكين 69:1.
[4] زيد الشهيد: 165.
[5] كشف الغمة للاربلي (ت 693 ه) 114:3، ط بيروت 1405.