النفس الزكية (ت / 145 ه)
هو محمد بن عبدالله المحض بن الحسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
قال أبوالفرج الاصبهاني (ت 356 ه) في مقاتل الطالبيين:
وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية، و أنه المقتول بأحجار
[ صفحه 156]
الزيت، و كان من أفضل أهل بيته، و أكبر أهل زمانه في زمانه، في علمه بكتاب الله، و حفظه له، و فقهه في الدين، و شجاعته، و جوده، و بأسه، و كل أمر يجمل بمثله، حتي لم يشك أحد أنه المهدي، و شاع ذلك له في العامة؛ و بايعه رجال من بني هاشم جميعا: من آل أبي طالب، و آل العباس، و سائر بني هاشم؛ ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك، و أن الملك يكون في بني العباس، فانتبهوا من ذلك لامر لم يكونوا يطمعون فيه.
و خرجت دعاة بني هاشم الي النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، و اختلاف كلمة بني مروان، فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب و ولده عليهم السلام، و ما لحقهم من القتل و الخوف و التشريد، فاذا استتب لهم الامر ادعي كل فريق منهم الوصية لمن يدعو اليه. فلما ظهرت الدعوة لبني العباس و ملكوا، حرص السفاح و المنصور علي الظفر بمحمد و ابراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد؛ و تواريا فلم يزالا ينتقلان في الاستتار، و الطلب يزعجهما من ناحية الي أخري، حتي ظهرا فقتلا، صلوات الله عليهما و رضوانه» [1] .
قال الجلالي: كانت دعوة النفس الزكية في جمادي الاخرة سنة 126 ه عقب قتل الوليد بن يزيد الاموي [2] .
و يظهر بوضوح من الرواية المتقدمة التي رواها أبوالفرج في المقاتل و المفيد عنه أيضا [3] ان بني العباس خططوا للملك و هم يبايعون النفس الزكية، و انه لم ينتبه الي هذا سوي الامام الصادق عليه السلام و انهم يطمعون في أمر ليس لهم، و يستخدمون بيعة النفس الزكية لمصالحهم حيث انهم كانوا علي علم بأن خططهم لن تخدع الامام الصادق عليه السلام، و لهذا السبب حينما أعلن الخلافة العباسية كان أول ما أقدم عليه السفاح أبوالعباس و المنصور العباسي القضاء علي محمد و أخيه ابراهيم، حيث اختفيا بعد أن انكشفت المؤامرة و انتهي أمرهما بالمواجهة المسلحة فقتلا في سنة 145 ه.
[ صفحه 157]
و أصبح الهم الوحيد لابي جعفر المنصور العباسي أن يقتل محمد النفس الزكية حيث كانت في عنقه بيعته.
قال أبوالفرج الاصبهاني (ت 356 ه): «أمر أبوجعفر عيسي: اذا قتل محمدا ان قدر أن لا يذبح طائرا فليفعل، و قال له: أفهمت يا أباموسي ثلاثا قال: فهمت. قال: فنفذ عيسي و معه أربعة آلاف، و محمد بن أبي العباس، و محمد بن زيد بن علي بن الحسين، و القاسم بن الحسن بن زيد، و محمد بن عبدالله الجعفري، و حميد بن قحطبة. فسار عيسي، و بلغ محمدا مسيره فخندق علي المدينة خندق رسول الله (ع) صلي الله عليه و آله و سلم، و خندق علي أفواه السكك، فلما كان عيسي يفيد كتب الي محمد بن عبدالله يعطيه الامان، و بعث بكتابه اليه و الي أهل المدينة مع محمد بن زيد فتكلم، فقال: يا أهل المدينة، أنا محمد بن زيد، و الله لقد تركت أميرالمؤمنين حيا، و هذا عيسي بن موسي قد أتاكم، و هو يعرض عليكم الامان.
و تكلم القاسم بن الحسن بمثل ذلك، فقال أهل المدينة: قد خلعنا أباالدوانيق فكتب محمد الي عيسي يدعوه الي طاعته، و يعطيه الامان» [4] .
قال أبوالفرج: أخبرني عمر، قال: حدثنا أبوزيد، قال: حدثني محمد بن اسماعيل، قال: حدثني أبوالحجاج المنقري، قال: رأيت محمدا يومئذ و ان أشبه ما خلق الله به ما لما ذكر عن حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه (و معه سيف) يفري الناس بسيفه ما يقاربه أحد الا قتله، لا و الله ما يليق شيئا، حتي رماه انسان كأني أنظر اليه أحمر أزرق بسهم، و دهمتنا الخيل، فوقف الي ناحية جدار، و تحاماه الناس، فوجدت الموت، فتحامل علي سيفه فكسره، فسمعت جدي يقول: كان معه سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذوالفقار.حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا اسحاق بن يحيي، عن محمد بن ابراهيم بن عبدالله بن محمد بن الحسن، قال: «لما كان اليوم الذي قتل فيه محمد قال لأخته: اني في هذا اليوم علي قتال القوم، فان زالت الشمس، و أمطرت السماء فاني أقتل، و ان زالت الشمس و لم تمطر السماء،
[ صفحه 158]
وهبت الريح فاني أظفر بالقوم، فاذا زالت الشمس فاسجري التنانير، و هيئي هذه الكتب، فان زالت الشمس و أمطرت السماء فاطرحي هذه الكتب في التنانير، فان قدرتم علي بدني، و لم تقدروا علي رأسي فأتوا به ظلة بني نبيه علي مقدار أربعة أذرع أو خمسة فاحفروا لي حفيرة، و ادفنوني فيها. فلما مطرت السماء فعلوا ما أمرهم به» [5] .
و قال أبوالفرج: أخبرني عمر، قال: حدثنا أبوزيد، قال: حدثنا أزهر بن سعد، قال: «دخل حميد بن قحطبة من زقاق أشجع علي محمد عليه السلام فقتله.
و قال المدائني: ان محمدا قال لحميد بن قحطبة: ألم تبايعني فما هذا؟
و قال: قال: هكذا نفعل بمن يفشي سره الي الصبيان [6] .
و قال: أخبرني عمر، قال: حدثنا أبوزيد، قال: حدثني أبوالحسن الحذاء قال: حدثني مسعود الرحال، قال: «رأيت محمد يومئذ باشر القتال بنفسه، فاني أنظر اليه حين ضربه رجل بسيف دون شحمة أذنه اليمني فبرك لركبتيه، و تعادوا عليه، و صاح حميد بن قحطبة: لا تقتلوه، فكفوا عنه حتي جاء حميد فاحتز رأسه. لعن الله حميدا و غضب عليه» [7] .
و قال: «أخبرني عمر، قال: حدثني أبوزيد، قال: حدثنا يعقوب بن القاسم، قال: حدثنا علي بن أبي طالب، قال: «قتل محمد بن عبدالله قبل العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان» [8] .
قال الجلالي: و يظهر بوضوح من كلام حميد بن قحطبة الذي بايع محمد النفس الزكية ثم عاد و قتله و احتز رأسه حيث قال:
«هكذا نفعل بمن يفشي سره الي الصبيان». ان الموقف العباسي من آل البيت كان مخططا و أن هذه سيرة الطغاة الذين لا يعرفون الا و لا ذمة و لا عهدا و لا أمانا، بل السياسة الماكرة الخادعة فقط، و ان النفس الزكية وقع فريسة لهذه السياسة الماكرة.
[ صفحه 159]
پاورقي
[1] مقاتل الطالبيين: 207.
[2] الطبري 6:9.
[3] مقاتل الطالبيين: 224 والارشاد 192:2.
[4] مقاتل الطالبيين: 236.
[5] مقاتل الطالبيين: 236.
[6] مقاتل الطالبيين: 238.
[7] مقاتل الطالبيين: 238.
[8] مقاتل الطالبيين: 242.