و ندبته اذا تلا هذه الاية يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين
عن ابي الطفيل عامر بن و اثله قال: كان علي بن الحسين عليهماالسلام اذا تلا هذه الايه:
«يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين» يقول:
اللهم ارفعني في اعلي درجات هذه الندبه، و اعني بعزم الاراده، و هبني حسن المستعقب من نفسي، و خذني منها حتي تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك، و ارزقني قلبا و لسانا يتجاريان في ذم الدنيا، و حسن التجافي منها حتي لا اقول الا صدقت و ارني مصاديق اجابتك بحسن توفيقك حتي اكون في كل حال حيث اردت.
فقد قرعت بي باب فضلك فاقه
بحد سنان نال قلبي فتوقها
و حتي متي اصف محن الدنيا، و مقام الصديقين، و انتحل عزما من اراده مقيم بمدرجه الخطايا؟! اشتكي ذل ملكه الدنيا و سوء احكامها علي، فقد رايت و سمعت لو كنت اسمع في اداه فهم او انظر بنور يقظه.
[ صفحه 519]
و كلا الا في نكبه و فجيعه
و كاس مرارات دعافا اذوقها
و حتي متي اتعلل بالاماني، و اسكن الي الغرور، و اعبد نفسي للدنيا علي غضاضه سوء الاعتداد من ملكاتها؟! و انا اعرض لنكبات الدهر علي، اتربص اشتمال البقاء، و قوارع الموت تختلف حكمي في نفسي، و يعتدل حكم الدنيا.
و هن المنايا اي واد سلكته
عليها طريقي او علي طريقها
و حتي متي تعدني الدنيا فتخلف، و ائتمنها فتخون؟! لا تحدث جده الا بخلوق جده، و لا تجمع شملا الا بتفريق شمل، حتي كانها غيري محجبه ضنا تغار علي الالفه، و تحسد اهل النعم.
فقد آذنتني بانقطاع و فرقه
و اومض لي من كل افق بروقها
و من اقطع عذرا من مغذ سيرا يسكن الي معرس غفله بادواء نبوه الدنيا و مراره العيش، و طيب نسيم الغرور؟! و قد امرت تلك الحلاوه علي القرون الخاليه، و حال دون ذلك النسيم هبوات و حسرات، و كانت حركات فسكنت، و ذهب كل عالم بما فيه.
فما عيشه الا تزيد مراره
و لا ضيقه الا و يزداد ضيقها!
[ صفحه 520]
فكيف يرقا دمع لبيب، او يهدا طرف متوسم علي سوء احكام الدنيا، و ما تفجا به اهلها من تصرف الحالات، و سكون الحركات؟!
و كيف يسكن اليها من يعرفها، و هي تفجع الاباء بالابناء و تلهي الابناء عن الاباء؟! تعدمهم اشجان قلوبهم، و تسلبهم قره عيونهم.
و ترمي قساوات القلوب باسهم
و جمر فراق لا يبوخ حريقها
و ما عسيت ان اصف من محن الدنيا، و ابلغ من كشف الغطاء عما و كل به دور الفلك من علوم الغيوب، و لست اذكر منها الا قتيلا افنته، او مغيب ضريح تجافت عنه!
فاعتبر ايها السامع بهلكات الامم، و زوال النعم، و فضاعه ما تسمع و تري من سوء آثارها في الديار الخاليه، و الرسوم الفانيه، و الربوع الصموت.
و كم عالم افنت فلم تبك شجوه
و لا بد ان تفني سريعا لحوقها
فانظر بعين قلبك الي مصارع اهل البذخ، و تامل معاقل الملوك، و مصانع الجبارين، و كيف عركتهم الدنيا بكلا كل الفناء، و جاهرتهم بالمنكرات، و سحبت عليهم اذيال البوار، و طحنتهم طحن الرحي
[ صفحه 521]
للحب، و استودعتهم هوج الرياح تسحب عليهم اذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض!
فتلك مغانيهم و هذي قبورهم
توارثها اعصارها و حريقها
ايها المجتهد في آثار من مضي من قبلك من الامم السالفه، توقف و تفهم و النظر اي عز ملك، او نعيم انس، او بشاشه الف الا نغصت اهله قره اعينهم، و فرقتهم ايدي المنون، و الحقتهم بتجافيف التراب، فاضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون، و في بطون الهلكات عظاما و رفاتا و صلصالا في الارض هامدون.
و اليت لا تبقي الليالي بشاشه
و لا جده الا سريعا خلوقها
و في مطالع اهل البرزخ، و خمود تلك الرقده، و طول تلك الاقامه، طفئت مصابيح النظر، و اضمحلت غوامض الفكر، و ذم الغفول اهل العقول، و كم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات، فنوهت باسماء الملوك، و هتفت بالجبارين، و دعوت الاطباء و الحكماء، و ناديت معادن الرساله و الانبياء، اتململ تململ السليم و ابكي بكاء الحزين، و انادي ولات حين مناص!:
سوي انهم كانوا فبانوا و انني
علي جدد قصد سريعا لحوقها
[ صفحه 522]
و تذكرت مراتب الفهم، و غضاضه فطن العقول، بتذكر قلب جريح، فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفله، و من عجب كيف يسكن اليها من يعرفها، و قد استذهلت عقله بسكونها! و تزين المعاذير، و خسات ابصارهم عن عيب التدبير، و كلما تراءت الايات و نشرها من طي الدهر عن القرون الخاليه الماضيه، و حالهم و ما بهم و كيف كانوا، و ما الدنيا و غرور الايام.
و هل هي الا لوعه من ورائها
جوي قاتل او حتف نفس يسوقها
و قد اغرق في ذم الدنيا الادلاء علي طرق النجاه من كل عالم، فبكت العيون شجن القلوب فيها دما، ثم درست تلك المعالم، فتنكرت الاثار، و جعلت في برهه من محن الدنيا، و تفرقت ورثه الحكمه و بقيت فردا كقرن الاعضب وحيدا، اقول فلا اجد سميعا، و اتوجع فلا اجد مشتكي.
و ان ابكهم اجرض و كيف تجلدي
و في القلب مني لوعه لا اطيقها
و حتي متي اتذكر حلاوه مذاق الدنيا، و عذوبه مشارب ايامها، و اقتفي آثار المريدين، و اتنسم ارواح الماضين مع سبقهم الي الغل و الفساد، و تخلفي عنهم في فضاله طرق الدنيا، منقطعا من
[ صفحه 523]
الاخلاء؟! فزادني جليل الخطب لفقدهم جوي، و خانني الصبر حتي كاني اول ممتحن اتذكر معارف الدنيا و فراق الاحبه.
فلو رجعت تلك الليالي كعهدها
رات اهلها في صوره لا تروقها
فمن اخص بمعاتبتي؟ و من ارشد بندبتي؟ و من ابكي، و من ادع؟ اشجو بهلكه الاموات، ام بسوء خلف الاحياء؟! و كل يبعث حزني، و يستاثر بعبراتي، و من يسعدني فابكي و قد سلبت القلوب لبها، ورقا الدمع؟! و حق للداء ان يذوب علي طول مجانبه الاطباء، و كيف بهم و قد خالفوا الامرين، و سبقهم زمان الهادين، و وكلوا الي انفسهم يتنسكون في الضلالات في ديا جير الظلمات؟!
حياري و ليل القوم داج نجومه
طوامس لا تجري بطي ء خفوقها
و قد انتحلت طوائف من هذه الامه بعد مفارقتها ائمه الدين، و الشجره النبويه اخلاص الديانه، و اخذوا انفسهم في مخائل الرهبانيه، و تغالوا في العلوم، و وصفوا الاسلام باحسن صفاتهم و تحلوا باحسن السنه، حتي اذا طال عليهم الامد، و بعدت عليهم الشقه و امتحنوا بمحن الصادقين، رجعوا علي اعقابهم ناكصين عن سبيل الهدي و علم النجاه، يتفسحون تحت
[ صفحه 524]
اعباء الديانه تفسح حاشيه الابل تحت اوراق البزل.
و لا يحرز السبق الرزاح و ان جرت
و لا يبلغ الغايات الا سبوقها
و ذهب آخرون الي التقصير في امرنا، و احتجوا بمتشابه القرآن. فتاولوه بارائهم، و اتهموا ما ثور الخبر مما استحسنوا، يقتحمون في اغمار الشبهات، و دياجير الظلمات، بغير قبس نور من الكتاب، و لا اثره علم من مظان العلم بتخدير مثبطين زعموا انهم علي الرشد من غيهم.
و الي من يفزع خلف هذه الامه، و قد درست اعلام المله، و دانت الامه بالفرقه و الاختلاف؟! يكفر بعضهم بعضا و الله تعالي يقول:
«و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات»
فمن الموثوق به علي ابلاغ الحجه، و تاويل الحكمه الا اهل الكتاب، و ابناء ائمه الهدي، و مصابيح الدجي الذين احتج الله بهم علي عباده، و لم يدع الخلق سدي من غير حجه؟!
[ صفحه 525]
هل تعرفونهم او تجدونهم الا من فروع الشجره المباركه، و بقايا الصفوه الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و براهم من الافات، و افترض مودتهم في الكتاب!
هم العروه الوثقي و هم معدن التقي
و خير حبال العالمين وثيقها