بازگشت

و من كلام له أيضاً كان يناجي ربه تعالي


ويقول: قل لمن قل عزائه، وطال بكاؤه، ودام عناؤه،



[ صفحه 81]



وبان صبره وتقسم فكره، والتبس عليه أمره من فقد الاولاد، ومفارقة الأباء والاجداد، والامتعاظ بشماتة الحساد. (الم تر كيف فعل ربك بعاد أرم ذات العماد):



تعـز فـكل للـمنية ذائق

وكل ابن أنثي للحياة مفارق



فعمر الفتي للحادثات دريئة

تـناهبه ساعـاتها والدقائق



كذا نتفانا واحد بـعد واحد

وتطرقنا بالحادثات الطوارق



فحسن الاعمال، وجمل الافعال، وقصر الامال الطوال، فما عن سبيل المنية مذهب، ولا عن الحمام مهرب، ولا الي قصد النجاة مطلب، فيا أيها الانسان المتسخط علي الزمان، والدهر الخوان، مالك والخلود إلي دار الاحزان، والسكون إلي دار الهوان، وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن: (كل من عليها فان، ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام):



وفيم وحتي م الشكاية والردي

جموح [1] لاجال البرية لاحق



فكل ابن انثي هالك وابن هالك

لمن ضمنتها غربها والمشارق



فلا بد من أدراك ما هو كائن

ولا بد من اتيان ما هو سابق



فالشباب للهرم، والصحة والسقم، والوجود والعدم، وكل حي لأشك مخترم بذلك جري القلم علي صفحة اللوح في القدم،



[ صفحه 82]



فما هذا التلهف والندم، وقد خلت من قبلكم الامم:



أترجو نجاة من حياة سقيمة

وسهم المنايا للخليقـة راشق [2] .



سرورك موصول بفقدان لذة

ومن دون ما تهواه تأتي العوائق



وحبك للدنيا غرور وبـاطل

وفي ضمنها للراغبين البوائق [3] .



أفي الحياة طمع، أم إلي الخلود نزع، أم لما فات مرتجع، ورحي المنون دائرة، وأفراسها غائرة، وسطواتها قاهرة، فقرب الزاد ليوم المعاد، ولا تتوط علي غير مهاد، وتعمد للصواب وحقق الجواب، فلكل أجل كتاب: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب):



فسوف تلاقي حاكما ليس عنده

سوي العدل لا يخفي عليه المنافق



يـميز افعـال العبـاد بلطفه

وتطهر منـه عنـد ذاك الحقائق



فمـن حسنت أفعاله فهو فائز

ومـن قبحت أفعاله فـهو زاهق



أين السلف الماضون، والاهل والاقربون، والاولون والاخرون والانبياء والمرسلون، طحنتهم والله المنون، وتوالت عليهم السنون وفقدتهم العيون، وانا اليه صائرون، فانا لله وأنا اليه راجعون:



[ صفحه 83]



اذا كان هذا نهـج مـن كـان قبلنـا

فانا علي أثـارهـم نـتـلاحـق



فكـن عالما ان سوف تدرك من مضي

ولو عصمتك الراسيات [4] الشواهق



فمـا هـذه دار المـقامة فـاعلمـن

ولو عمـر الانسان مـاذر شاهـق



أين من شق الانهار، وغرس الاشجار، وعمر الديار ألم تمح منهم الاثار، وتحل بهم دار البوار، [5] فاخشي الجوار فلك اليوم بالقوم أعتبار فانما الدنيا متاع، والاخرة دار القرار:



تخرمهم [6] ريب المنون فلم تكن

لتنفعهـم جناتهم والحدائق



ولا حمـلتهم حين ولوا بجمعهم

نجائبهم والصافنات السوابق





[ صفحه 84]



وراحوا عن الاموال صفراً وخلفوا

ديارهم بالرغم منهم وفارق



أين من بني القصور والدساكر، وهزم الجيوش والعساكر وجمع الاموال والذخائر، وحاز الاثام والجوائز، أين الملوك والفراعنة، والاكاسرة والغساسنة، أين العمال والدهاقنة أين ذوو النواحي والرساتيق، والاعلام والمناجيق والعهود والمواثيق:



كأن لم يكونوا أهل عـز ومنعـة

ولا رفعت أعلامهم والمناجق



ولا سكنوا تلك القصور التي بنوا

ولا أخذت منهم بعهد موثـق



وصاروا قبوراً دارسات وأصبحت

منازلهم تسفي عليها خوفـق



ما هذه الحيرة، والسبيل واضح، والمشير ناصح، والصواب لائح، عقلت فاغفلت، وعرفت فانكرت، وعلمت فاهملت، هو الداء الذي عز دواؤه، والمرض الذي لا يرجي شفاوه، والامل ا لذي لا يدرك انتهاؤه، أفامنت الايام، وطول الاستقام، ونزول الحمام، والله يدعو الي دار السلام:



[ صفحه 85]



لقد شقيت نفـس تتابـع غيهـا

وتصدف [7] عن أرشادها وتـفارق



وتامل ما لا يستـطاع بحملـه

وتـعصيك ان خالفـتها وتشافـق



وتصغي إلي قول الغوي وتنثني

وتعرض عن تصديق من هو صادق



فيا عاقلا راحلا، ولبيبا جاهلا، ومتيقظاً غافلا، أتفرح بنعيم زائل، وسرور حائل، ورفيق خاذل، فيا أيها المفتون بعمله الغافل عن حلول أجله، والخائض في بحار زللـه، ما هذا التقصير، وقد وخطك القتير، ووافاك النذير والي الله المصير:



طلابك امـراً لا يتم سروره

وجهدك باستصحاب من لا يوافق



وأنت كمن يبني بناء وغيره

يعاجلـه في هـدمـه ويسابـق



وينسـج امـالا طوالا بعيدة

وتعلـم أن الـدهر للنسج خـارق



ليست الطريقة لمن ليس له الحقيقة، ولا يرجع الي خليقة الي كم تكدح ولا تقنع، وتجمع ولا تشبع، وتوفر لما تجمع وهو لغيرك مودع، ماذا الرأي العازب [8] ، والرشد الغائب



[ صفحه 86]



والامل الكاذب، ستنقل الي القصور، وربات الخدور، والجذل والسرور الي ضيق القبور، ومن دار الفنا الي دار الحبور. (كل نفس ذائقة الموت وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور):



فعالك هذي غرة وجهـالة

وتحسب ياذا الجهل أنك حاذق



تظن بجهل منك أنك راتق [9] .

وجهلك بالـعقبي لـدينك فاتق



توخيك من هـذا ادل دلالة

وواضح برهـانـاً بانك مائق



عجباً لغافل عن صلاحه، مبادراً الي لذاته وأفراحه، والموت طريده في مسائه وصباحه، فيا قليل التحصيل، ويا كثيراً التعطيل ويا ذا الامل الطويل، (الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل) بناؤك للخراب، ومالك للذهاب، واجلك الي اقتراب:



وانت علي الدنيا حريص مكاثر

كانك منـها بالسلامة واثـق



تحدثك الاطماع انـك للبقـاء

خلقت وان الدهر خل موافق



كانك لم تبصر اناساً ترادفت

عليهم باسباب المنون اللواحق



هذه حالة من لا يدوم صروره، ولا تتم أموره، ولا يفك اسيره أتفرح بمالك ونفسك، وولدك وعرسك، وعن قليل تصير الي رمسك، وأنت بين طي ونشر، وغني وفقر، ووفا وعذر، فيا من القليل لا يرضيه، والكثير لا يغنيه أعمل ما



[ صفحه 87]



شئت أنك ملاقيه. (يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وابيه، وصاحبته وبنيه لكل أمرء منهم يومئذ شأن يغنيه):



سيقفر بيـت كـنت فرخا لأهـله

ويهجر مثواك الصديق المصادق



وينساك مـن صافـيته والفـتـه

ويجفوك ذو الود الصحيح الموفق



علي ذا مضي الناس اجتماع وفرقة

وميت مولـود وقـال ووامـق



أف لدنيا لا يرقي سليمها، ولا يصح سقيمها، ولا يندمل كلومها، وعودها كاذبة، وسهامها صائبة، وامالها خائبة، لا تقيم علي حال ولا تمتع بوصال، ولا تسر بنوال:



وتلك لمـن يهوي هواها مليكه

تعبده افعـالهـا والطرائق



يسر بها من ليس يعرف غدرها

ويسعي الي تطلابها ويسابق



اذا عدلت جارت علي اثر عدلها

فمكر وهذا فعالها والخلايق



فياذا السطوة والقدرة، والمعجب بالكثرة ما هذا الحيرة والفترة، لكن فيمن مضي عبرة، وليودن الغافلون عما اليه تصيرون اذا تحققت الظنون، وظهر السر المكنون، وتندمون حين لا تقالون.

(ثم انكم بعد ذلك لميتون):



[ صفحه 88]



سيندم فـعال عـلي سوء فعلـه

ويزداد منه عنـد ذلك التسابق



اذا عاينوا من ذي الجلال اقتداره

وذو قوة من كـان قدما يدافق



هنالك تتلـو كـل نفس كتابهـا

فيطفو ذو عدل ويرسب فاسق



الي كم ذا التشاغل بالتجارة والارباح، وحتام التغرير بالسلامة في مراكب النياح، من ذا الذي سالمه الدهر فسلم، ومن ذا الذي تاجر الزمان فغنم، ومن ذا الذي استرحم الايام فرحم، اعتمادك علي الصحة والسلامة خرق والاغترار بعواقب الامور خلق، فدونك الامور، والتيقظ ليوم النشور، وطول اللبث في صفحات القبور (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور):



فمن صاحب الايام سبعين حجة

ولذاتها لا شك مـنه طـوالـق



فعقبي حـلاوة الـزمان مريرة

وان عـذبت حيناً فحينا خوانق



ومـن طرقته الحادثات بويـلها

فلا بد ان تأتيه فيها الصواعق



فما هذه الطمأنينة وأنت مزعج، وما هذا الولوج وأنت مخرج جمعك الي تفريق، ووفرك الي تمزيق، وسعتك الي ضيق



[ صفحه 89]



فيا أيها المفتون، والطامع بما لا يكون. (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا، وأنكم الينا لا ترجعون):



ستندم عند المـوت شـر ندامـة

اذا ضم اعضاك الثري والمطابق



وعانيت اعلام المنيـه والـردي

ووافاك ما تبيض منـه المفارق



وصرت رهينا في ضريحك مفردا

وباعدك الجار القريب الملاصق



الي متي تواصل بالذنوب، واوقاتك محدودة، وافعالك مشهودة، افتعول علي الاعتذار، وتهمل الاعذار، والانذار وأنت مقيم علي الاصرار. (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار):



اذا نصب الميزان واشتد غيضها

اذا افتتحت ابوابها والمغالق



وقطـعت الاسباب من كل ظالم

يقيـم علي اصراره وينافق



فقدم التوبة، واغسل الحوبة، [10] فلا بد ان تبلغ بك النوبة وحسن العمل قبل حلول الاجل، وانقطاع الامل، فكل غائب قادم، وكل غريب غارم، وكل مفرط نادم، فاعمل للخلاص قبل القصاص، والاخذ بالنواص:



[ صفحه 90]



فانـك مـاخوذ بما قد جنيته

وانـك مطلوب بما أنت سارق



وذنبك ان ابغضته فـمعانق

ومـالك ان احببتـه فمفـارق



فقارب وسدد واتق الله وحده

ولا تستقل الزاد فالموت طارق



(واتقوا الله يوم ترجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [11] .


پاورقي

[1] جمح الرجال اذا ركب هواه.

[2] رشقه بالسهم رماه.

[3] بأقه عليه الويل اصابه وفاجأه.

[4] الراسيات: الجبال الثوابت الرواسخ. الرواسي والشواهق الجبال المرتفعات.

[5] دار البوار جهنم.

[6] تخرمهم أنفصمهم.

[7] أي ينصرف ويهمل.

[8] العازب الكلأ البعيد المطلب.

[9] يقال راتق وفاتق اي مصلح الامر.

[10] الحوبة الاثم.

[11] معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر ص 275 ط ايران للشيخ النوري قال: حدث شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل عن عبد الجبار الهاشمي قال سمعت هذه الندبة من ابي بشير بن طالب الكندي عن أبي عيينة عن الزهري عنه عليه السلام قال كان الخ...