بازگشت

و من كلام له وكان لما يحاسب نفسه ويناجي ربه


ويقول: يا نفس حتي م إلي الدنيا سكونك وإلي عمارتها ركونك أما اعتبرت بمن مضي من أسلافك، ومن وارته الأرض من الأفك [1] ومن فجعت به من أخلانك ونقل الي الثري من أقرانك:



فهم في بطون الارض بعد ظهورها

محاسنهم فيـها بـوال دواثر



خلت دورهم منهم واقوت عراصهم

وساقتهم نحو المنايا المقادير



وخلوا عن الدنـيا ومـا جمعوا لها

وضمتهم نحو التراب الحفاير



كم خرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون وكم غيرت الارض ببلائها، وغيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف وشيعتهم الي الارماس:



[ صفحه 73]



وأنـت علي الدنـيا مكب منافس

لخطابها فيها حريـض مكـاثر



علي خطر تمسي وتصبح لاهيا

أتدري بماذا لو عقات تخـاطر



وان امراً يسعي لدنيـا جاهـدا

ويذهل عن اخراه لا شك خاسر



فحتي م علي الدنيا اقبالك، وبشهواتك اشتعالك، وقد وخطك [2] الفتير [3] ، ووافاك النذير، وأنت عما يراد بك ساه، وبلذه يوفك وقد رأيت انقلاب الشهوات، وعانيت ما حل بهم المصيبات:



وفي ذكر هول الموت والقبر والبلي

من اللهـو واللذات للمرء زاجر



أبعد أقتـراب الاربعيـن تربـص

وشيب قذال منـذ ذلـك ذاعر



كـأنـك معني بـما هـو صائـر

لنفسك عمداً او عن الرشد حائر



أنظر الي الامم الماضية، والقرون الفانية، والملوك العاتية، كيف أنتفتهم الايام فافناهم الحمام، فامحت من الدنيا اثارهم، وبقيت فيها أخبارهم:



[ صفحه 74]



واضحوا رميما في التراب واقفرت

مجالس منهم عطلت ومقاصر



وحـلوا بـدار لا تـزاور بينـهم

واني لسكان القبـور التزاور



فما ان تـري الا قبورا ثـووا بها

مسطحة تسفي عليها الاعاصر



كم من ذي منعة وسلطان، وجنود واعوان تمكن من دنياه ونال فيها ما تمناه، وبني فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الاموال والذخائر، وملح السراري والحرائر:



فما صرفـت كف المنية اذ أتت

مبادرة تـهوي اليـه الذخايـر



ولادفعت أهل الخصون التي بني

وحف بها أنهارها والدساكر [4] .



ولا قارعت أهـل المـنية حيلة

ولاطعمت في الذب عنه العساكر



أتاه الله من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالي الله الملك الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين الذي ذل لعزه كل سلطان، وباد بقوته كل ديان:



[ صفحه 75]



مـليك عـزيـز لا يـرد قضائه

حكيم عليم نافـذ الامـر قاهر



عني كـل ذي عـز لعزة وجهه

فكم منس عزيز للمهيمن صاغر



لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت

لعزة ذي العرش الملوك الجبابر



فالبدار البدار، الحذار الحذار من الدنيا ومكايدها وما نصبت لك من مصائدها وتحلت لك من زينتها، واظهرت لك من بهجتها، وابرزت لك من شهواتها واخفت عنك من قواتلها وهلكاتها:



وفي دون ما عانيت من فجعاتها

إلي دفعهـا داع وبالزهـد أمر



فجد ولا تغفـل وكـن متيقضاً

فعما قليل يترك الـدار عـامر



فشمر ولا تفتر فعمـرك زائـل

وأنـت الي دار الاقامـة صائر



ولا تـطلب الدنيا فـان نعيمها

وان نلت منها غبة [5] لك ضائر



فهل يحرص عليها لبيب، أو يسر بها أريب وهو علي ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشي البيات، وتسكن نفس من توقع جميع أموره الممات:



ألا لا ولكنـا نغـر نفـوسـنا

وتشغلنا اللـذات عمـا نحاذر



وكيف يلذ العيش من هو موقن

بموقف عدل يوم تبلي السرائر





[ صفحه 76]



كأنا نري أن لا نشور وأننا

سدي ما لنا بعد الممات مصادر



وما عسي أن ينال صاحب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها مع صنوف عجائبها، وقوارع فجائعها، وكثرة عذابه في مصابه وفي طلبها وما يكاد من اسقام وأوصابها.



أما قد تري في كل يوم وليلة

يـروح عـلينا صرفها ويباكـر



تعاونهـا أفـاتها وهمومهـا

وكم قـد نـري يبقي لها المتغاور



فلا هـو مغـبوط بدنيا أمن

ولا هو عن تطلابها النفس قاصر



كم قد غرت الدنيا من مخلد اليها، وصرعت من مكب عليها فلم تشفه من عثرته، ولم تنفذه من صرعته، ولم تشفه من المه، ولم تبره من سمقمه، ولم تخلصه من وصمه:



بلي أوردته بعد عز ومنعة

موارد سـوء ما لهن مصادر



فلمـا رأي أن لانجاة وانه

هو الموت لا ينجيه منه التحاذر



تندم اذا لم تغن عنه ندامة

عليـه وأبكتـه الذنوب الكبائر



بكي علي ما أسلف من خطاياه، وتحسر علي ما خلف من دنياه واستغفر حيث ما لا ينفعه الاستغفار، ولا ينجيه الاعتذار عند هول المنية، ونزول البلية:



[ صفحه 77]



أحـاطت بـه أحزانه وهمومه

وابلس لمـا أعجزته المعـاذر



فليس له من كربة الموت فارج

وليس لـه ممـا يحاذر ناصر



وقـد حشأت خوف المنية نفسه

ترددها منه اللهات [6] والحناجر



هنالك خف عواده، واسلمه أهله وأولاده، وأرتفعت الرنة والعويل، ويئسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدوا عند خروج روحه رجليه، وتخلي عنه الصديق والصاحب الشفيق:



فـكم موجع يبكي عليه تفجعا

ومستنجد صبرا وما هو صابر



ومسترجع داع له الله مخلصاً

يعـدد مـنه كل ما هـو ذاكر



وكم شامـت مستبشر بوفاته

وعما قليـل للذي صار صائر



فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها امائه، واعول لفقده جيرانه، ثم أقبلوا علي جهازه، وشمروا لابرازه، كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدي، ولا الحبيب المبدي:



وظل أحـب القوم كان بقربه

يحـث علي تجهيزه ويبادر



وشمر من قد أحضروه لغسله

ووجه لما فاض للقبر حائر



وكفن في ثوبين وأجتمعت له

مشـيعة خـوانه والعشائر





[ صفحه 78]



فلو رأيت الاصغر من أولاده، وقد غلب الحزن فؤاده، فغشي من الجزع عليه، وخضبت الدموع عينيه، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه واحرباه:



لعاينت من قبح المنية منظراً

يـهال لـمرأه ويرتاع ناظر



اكابـر أولاد يهيج اكتئابهم

اذا ماتناساه البنون الاصاغر



وربـه نسوان عليه جوازع

مدامعها فوق الخدود غوازر



ثم خرج من سعة قصره الي ضيق قبره، فلما أستقر في اللحد وهيء عليه في اللبن، أحتوشته أعماله، وأحاطت به خطاياه وضاق ذرعا بما رأه، ثم حثوا بايديهم عليه التراب، واكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وأيسوا من النظر اليه، وتركوه رهناً بما كسب وطلب:



فـولو عليـه مـعولين وكلهم

لمثل الـذي لاقي أخوه محاذر



كشـاء رتـاع [7] امنين بدالها

بمديته [8] بادي الذراعين حاسر



فريعت ولم ترتع قليلا واجفلت

فلمـا نأي عنها الذي هو جازر



عادت الي مرعاها، ونسيت في اختها دهاها، أفبأفعال الانعام أقتدينا، أم علي عادتها جرينا، عد الي ذكر المنقول الي



[ صفحه 79]



دار البلاء، واعتبر بموضعه تحت الثري، المدفوع الي هول ماتري:



ثوي مفردا في لحده وتوزعت

مـواريثه أولاده والاصاهر



وأحـنوا علي أمواله يقسمونها

فلا حامد منهم عليها و شاكر



فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها

ويا أمناً من أن تدور الدوائر



كيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائر اليها لا محالة، أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك الي مماتك، أم كيف تشبع من طعامك وأنت منتظر حمامك أم كيف تهنأ بالشهوات وهي مطية الافات:



ولـم تتزود للـرحيـل وقـد دنـا

وأنت علي حال وشيك مسافر



فيـالهف نفسي كـم أسـوف توبتي

وعمري فان والردي لي ناظر



وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت

يجازي عليه عادل الحكم قادر



فكم تري باخرتك دنياك، وتركب غيك وهواك، أراك الضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا علي الدين، أبهذا أمرك الرحمن أم علي هذا نزل القرآن، أما تذكر ما أمامك من وسدة الحساب، وشر المآب، أما تذكر حال من جمع وثمر، ورفع البناء وزخرف



[ صفحه 80]



وعمر، أما صار جمعهم بواراً، ومساكنهم قبوراً:



تخرب ما تبقـي وتعمـر فـانيا

ولا ذاك موفوراً ولاذاك عامر



وهل لك أن وافـاك حتفك بغتـة

ولم تكتسب خيراً لك الله عاذر



أترضي بان تفني الحياة وتنقضي

ودينك منقوص ومالك وافـر



فبك يا الهنا نستجير يا عليم يا خبير، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك، ومن نرجو لذنوبنا سواك، وأنت المتفضل المنان القائم الديان،العائد علينا بالاحسان بعد الاسائة منا والعصيان، يا ذا العزة والسلطان، والعوه والبرهان وأجرنا من عذابك الاليم، واجعلنا من سكان دار النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين [9] .


پاورقي

[1] الالاف جمع الف مثل كافر كفار ـ الصديق.

[2] وخط الشيب: خالط سواد شعره.

[3] القتير الشيب او اول ما يظهر منه.

[4] الدسكرة القرية العظيمة. بيوت يكون فيها الشراب والملاهي. بناء كالقصر تكون حواليه بيوت يجتمع فيها الشطارج دساكر ـ المنجد ـ.

[5] الغبة بالضم البلغه من العيش.

[6] اللهات: اللحمة المشرفة علي الحلق في اقصي سقف الفم والجمع لهوات.

[7] الرتاع الذي يتتبع بابله المراتع المخصبة.

[8] المدية الشفرة العظيمة ج مدي.

[9] البداية والنهاية ج9 ص 109 للابي الفداء رواه عن الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عبدالله المقري عن سفيان بن عينيه عن الزهري، ورواه الشيخ ابراهيم الكفعمي في البلد الامين وذكر سنده العلامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة المذكورة في البحار ج26 ص 21 وايضا رواه ابن شهراشوب في المناقب ج2 ص 253 ط طهران.