بازگشت

و من كلام له في الحث علي التقوي


عن أبي الطفيل عامر بن واثلة كان عليه السلام اذا تلا قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال: اللهم ارفعني في اعلا درجات هذه الندبة، واعني بعزم الارادة، وهبني حسن المستعتب من نفسي، وخذني منها حتي تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك، وارزقني قلبا ولسانا يتجازيان في ذم الدنيا، وحسن التجافي منها، حتي لا أقول الاصدقاء، وأرني مصاديق اجابتك بحسن توفيقك، حتي اكون في كل حال حيث أردت،



[ صفحه 67]



فقد قرعت بي باب فضلك فاقة

بحد سنان نال قلبي فتوقها



وحتي متي اصف محن الدنيا، ومقام الصديقين، وانتحل عزما من ارادة مقيم بمدرجة الخطايا، اشتكي ذل ملكة الدنيا، وسوء احكامها علي، فقد رأيت وسمعت لو كنت أسمع في اداة فهم أو انظر بنو يقظه.



وكيلا الا قي نكبة وفيجعـة

وكأس مرارت ذعافا اذوقها [1] .



وحتي متي تعلل الاماني، واسكن الغرور، واعبد نفسي للدنيا علي غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها، وانا أعرض لنكبات الدهر علي، اتربص اشتمال البقاء، وقوارع الموت يختلف حكمي في نفسي، ويعتدل في الدنيا:



وهن المنايا أي واد سلكته

عليها طريقي او علي طريقها



وحتي متي تعدل الايام فتختلف، وأئتمنها فتخون، لا تحدثها جدة إلا بخلوق جدة، ولا لجمع شمل الا بتفريق شمل، حتي كأنها غيري محجبة ضناً، تغار علي الالفة، وتحسد علي أهل النعم:



فقد آذنتني بانقطاع وفرقة

وأومض لي من كل افق بزوقها





[ صفحه 68]



ومن أقطع عذراً من معذ سيراً يسكن إلي معرس غفلة، بادواء بنوة الدنيا ومرارة العيش، وطيب نسيم الغرور، وقد أمرت تلك الحلاوة علي القرون الخالية، وجال دون ذلك النسيم هبوات وحسرات، وكانت حركات فسكنت، وذهب كل عالم بما فيه:



فما عيشة إلا تزيد مرارة

ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها



فكيف يرقاء دمع لبيب، أو يهدأ طرف متوسم، علي سوء أحكام الدنيا، وما تفجأ به أهلها، من تصرف الحالات، وسكون الحركات، وكيف يسكن اليها من يعرفها وهي تفجع الآباء بالأبناء، وتلهي الأبناء عن الآباء تعدمهم اشجان قلوبهم، وتسلبهم قرة عيونهم:



وترمي قساوات القلوب باسهم

وجمـر فراق لا يـبوخ حريقها [2] .



وما عسيت أن أصف محن الدنيا وابلغ عن كشف الغطاء، عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب، ولست اذكر منها إلا قليلا منه افنته، أو مغيب ضريح تجافت عنه، فاعتبره أيها السامع بهلكات الأمم، وزوال النعم، وفظاعة ما تسمع وتروي من سوء أثارها في الديار الخالية، والرسوم الفانية، والربوع الصموت:



[ صفحه 69]



وكمن عاقل أفنت فلم تبك شجوة

ولا بد أن تفني سريعاً لحوقها



فانظر بعين قلبك إلي مصارع أهل البذخ، وتأمل معاقل الملوك، ومصانع الجبارين، وكيف عركتهم الدنيا بكلا كل الفناء، وجاهرتهم بالمنكرات، وسحبت عليه اذيال البوار، وطحنتهم طحن الرحي للحب، واستودعتهم هوج الرياح، وتسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض:



فتلك مغانيهم وهذي قبورهم

توارثها اعصارها وقبورها



أيها المجتهد في آثار من مضي من قبلك من الأمم السالفة. توقف ونفهم، وانظر اليه أي عز ملك، أو نعيم انس، أو بشاشة الف، إلا نغصت أهله قرة أعينهم، وفرقتهم ايدي المنون، والحتقهم بتجافيف التراب فاضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون، وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا، وصلصالا في الارض هامدون:



وآليت لا تبقي الليالي بشاشة

ولا جدة إلا سريعاً خلوقها



وفي مطامع أهل البرزخ، وخمود تلك الرقدة، وطول تلك الاقامة طفئت مصابيح النظر، وأضمحلت غوامض الفكر، وذم الغفول أهل العقول، وكمن بقيت متلذذاً في طوامس هوامد تلك الغرفات، فنوهت باسما الملوك، وهتفت بالجبارين، ودعوت الأطباء والحكماء، وناديت معادن الرسالة والأنبياء، اتملل تملل



[ صفحه 70]



السليم، وابكي بكاء الحزين، وانادي ولات حين مناص.



سري انهم كانوا فبانوا وانني

علي جدد قصد سريعا لحوقها



وتذكرت مراتب الفهم، وغضاضة فطن العقول، بتذكر قلب جريح، فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة، ومن عجب كيف يسكن اليها من يعرفها، وقد استذهلت عقله بسكونها، وتزين المعاذير، وخسأت أبصارهم عن عيب التدبير، وكلما تراءت الآيات ونشرها من طي الدهر، عن القرون الخالية الماضية وحالهم وما بهم، وكيف كانوا، وما الدنيا وغرور الأيام.



وهل هي إلا لوعة من ورائها

جوي قاتل أو حتف نفس يسوقها



وقد أغرق في ذم الدنيا الأدلاء علي طرق النجاة من كل عالم، فبكت العيون بشجن القلوب فيها دماً، ثم درست تلك العالم فتنكرت الآثار وجعلت في برهة من محن الدنيا، وتفرقت ورثة الحكمة وبقيت فرداً كقرون الاعضب [3] وحيداً أقول فلا أجد سميعاً، وأتوجع فلا أجد مشتكي:



وأن أبكهم أجرص [4] وكيف تجلدي

وفي القلب مني لوعة لا أطيقها





[ صفحه 71]



وحتي متي أذكر حلاوة حلاوة مذاق الدنيا، وغذوبة مشارب أيامها، واقتفي آثار المريدين، وأتنسم أرواح الماضين مع سبقهم الي الغل وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعاً من الاخلاء، فزادني جليل الخطب لفقدهم جوي، وخانني الصبر حتي كأنني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا وفراق الأحبة.



فلو رجعت تلك الليالي كعهدها

رأت أهلها في صورة لاتروقها



فمن أخص بمعاتبتي، ومن أرشد بندبي، ومن أبكي ومن أدع، اشجو بهلكة الأموات، أم بسوء خلف الأحياء، وكل يبعث حزني، ويستأثر بعبراتي، ومن يسعدني فابكي، وقد سلبت القلوب لبها، ورق الدمع، وحق للداء أن يذوب علي طول مجانب الأطباء، وكيف بهم وقد خالفوا الآمرين، وسبقهم زمان الهادين،ووكلوا إلي انفسهم يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات



حياري وليل القـوم داج نـجومها

طوامس لا تجري بطيء خغوقها [5] .





[ صفحه 72]




پاورقي

[1] زعاف بالزاي والعين المهملة والفاء القتل السريع من قولهم زعفه اذا قتله قتلا سريعاً.

[2] باخ سكن وفتر.

[3] الاعضب: الظبي الذي انكسر أحد قرنية.

[4] اجرض: أهلك.

[5] كشف الغمة في معرفة الائمة للاربلي ص 340 وقال: وهذا الفصل من كلامه قد نظمه بعض الشعراء واجاد في قوله:



قد كنت ابكي ما قد فات من زمني

واهل ودي جميع غيره اشتات



واليـوم اذ فرقت بـيني وبـينهم

نوي بكيت علي اهل المروات



وما حياة امرء اضحـت مدامـعة

مقسومة بين احيـاء وامـوات.