بازگشت

و من كلام له في الزهد والتقوي


والتحذير من سخط الباري ونقمته

وذلك لما كان يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في الآخرة في كل جمعة في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وحفظ عنه وكتب.



[ صفحه 20]



كان يقول: بسم الله الرحمن الرحيم إتقوا الله وأعلموا إنكم اليه ترجعون ـ فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امداً بعيداً ويحذركم الله [1] نفسه ـ ويحك إبن ادم الغافل وليس بمغفول عنه، إن أجلك اسرع شيء اليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك، ويوشك أن يدركك، وكان قد اوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك وصرت إلي منزل وحيد، فرد اليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان منكر ونكير لمسائلتك وشديد امتحانك، الا وإن أول ما يسئلانك: عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تعبده، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما أفنيته ومالك من أين إكتسبته، وفيما أتلفته، وخذ حذرك وأنظر لنفسك وأعد للجواب قبل الامتحان، والمسائلة والاختبار، فان تك مؤمنا تقيا عارفاً بدينك متبعاً للصالحين، مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب، فاحسنت الجواب فبشرت بالجنة والرضوان من الله، والخيرات الحسان، واستقبلك



[ صفحه 21]



الملائكة بالروح والرحيان، وإن لم يكن كذلك تلجلج [2] لسانك ودحضت [3] حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب، بنزل من حميم، وتصلية جحيم فاعلم ابن آدم أن وراء هذا أعظم وأفضع، وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك (يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود) ويجمع الله فيه الأولين والآخرين، ذلك يوم ينفخ فيه الصور ويبعث ما في القبور، ذلك يوم الازفة [4] اذ القلوب لدي الحناجر كاظمة. ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد فيه معذرة، ولا لأحد مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات، والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين، وعمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده فأحذروا أيها الناس من المعاصي والذنوب. فقد نهاكم الله عنها، وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه، عندما يدعوكم الشيطان



[ صفحه 22]



اللعين، من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فان الله يقول [5] : (إن الذين إتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) فاشعروا قلوبكم خوف الله: وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم اليه من حسن ثوابه. كما قد خوفكم الله من شديد العقاب فانه من خاف شيئاً حذره. ومن حذر شيئاً نكله، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلي زهرة الحياة الدنيا، فتكونوا من الذين مكروا السيئات وقد قال تعالي [6] : (أفأمن ا لذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو ياتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ، أو ياخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزون ، أو يأخذهم علي تخوف فان ربكم لرؤف رحيم) فاحذروا ما حذركم الله، وأتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما يوعد به القوم الظالمون في الكتاب، تالله لقد وعظتم بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في ا لكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القري قبلكم من حيث قال: (وكم قصمنا [7] من قرية كانت



[ صفحه 23]



ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين) وقال تعالي: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) ـ يعني يرهبون ـ وقال سبحانه: (لا تركضوا وارجعوا إلي ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون فلما أتاهم العذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتي جعلناهم حصيداً خامدين) وايم الله ان هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع إلي القول من الله في الكتاب علي أهل المعاصي والذنوب فقال: (لئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) [8] فان قلتم أيها الناس أن الله انما عني بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفي بنا حاسبين) [9] واعلموا عباد الله أن اهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين [10] وانما يحشرون الي جهنم زمرا [11] وانما ننشر



[ صفحه 24]



الدواوين لاهل الاسلام فاتقوا الله عباد الله، وأعلموا ان الله لم يخير في هذه الدنيا وعاجلها لأحد من اوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته، وأيم الله (لقد ضرب لكم فيها الامثال وصرف الآيات لقوم يعقلون) فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون، ولا قوة إلا بالله، وأزهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا، فان الله يقول وقوله الحق [12] (انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتي وأذا أخذت الارض زخرفها وأزينت وظن أهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا أو نهار فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون فلا تركنوا الي الدنيا، فان الله قد قال لمحمد نبيه صلّي الله عليه وآله ولأصحابه: (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) [13] ولا تركنوا إلي زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فانها



[ صفحه 25]



دار بلغة ومنزل قلعة [14] ودارعمل، فتزودوا فان خير الزاد الاعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها قبل الاذن من الله في خرابها فكان قد اخربها الذي عمرها أول مرة وابتداها. وهو ولي ميراثها، وأسأل الله لنا ولكم العون علي تزود التقوي، والزهد فيها، جعلنا الله واياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة فانما نحن به وله (وفي البحار ج17 ص 217) وصلي الله علي محمد النبي وآله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [15] .


پاورقي

[1] اي عقوبته.

[2] تلجلج في الكلام تردد ولم يظهر.

[3] دحضت الحجة بطلت.

[4] يوم القيامة.

[5] سورة الاعراف الآية 22.

[6] سورة النحل اية 45.

[7] اي حطمناها وهشمناها وذلك عبارة عن الهلاك يقال قصمت الشيء قصماً من باب حزب كسرته حتي يتبين.

[8] الايات في سورة الانبياء ايه 11 و12 و13 و47.

[9] سورة الانبياء الاية 48.

[10] الدواوين صحائف الاعمال.

[11] أي جماعات في تفرقة واحداتها زمر وهي الجماعة من الناس.

[12] سورة يونس الآية 24.

[13] سورة هود الآية 115.

[14] دار بلغة ومنزل قلعة: أي دار عمل يتبلغ فيها من صالح الاعمال ويتزود، ومنزلة قلعة: أي يتحول عنها من دار الي دار.

[15] الامالي ص 356 للصدوق وتنبيه الخواطر لابن ورام ص 225 والبحار ج17 ص 217 للمجلسي والكافي للكليني.